دراسات في الوحدة العسكرية العربية تأليف اللواء الركن محمود شيت خطاب

عبد الله الطنطاوي

دراسات في الوحدة العسكرية العربية

تأليف اللواء الركن محمود شيت خطاب

عرض: عبدالله الطنطاوي

محمود شيت خطاب

كانت الطبعة الرابعة لهذا الكتاب عام 1987 وجاء في 260 صفحة من القطع الكبير، احتوى على مقدمة، وخاتمة، وأحد عشر بحثاً ودراسة، كلّها تدور حول أهمية الوحدة العسكرية العربية، وأهمية الجهاد، وأهمية القوة التي تنبثق من الوحدة العسكرية العربية، بدأه بالآية الكريمة: )إن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاعبدون( وأهداه "إلى القائد الذي يجاهد من أجل الوحدة، ويوحد من أجل الجهاد فيستعيد القدس وفلسطين من إسرائيل، بالوحدة والجهاد".

ذكر الكاتب في المقدمة، أنه تشرَّب حبَّّ الوحدة العربية منذ كان تلميذاً صغيراً، وشارك في المظاهرات الصاخبة التي كانت تطالب بالوحدة، وتهاجم التفرقة، وتحثّ على التقارب بين العرب.

وكبر التلميذ وكبر مع حبُ الوحدة، وكان يتسائل مع زملائه من طلاب الكلية العسكرية: "لماذا لا تقوم الوحدة فوراً بين العرب؟"

ويأتيهم الجواب من معلميهم:

"إن الحكام الخونة، هم الذين يحولون بين العرب، وبين أملهم المنشود في الوحدة الناجزة، التي تحطّم السدود والقيود، وتعيد إلى العرب مكانتهم المرموقة بين الأمم" ص12.

 وبعد أن صار ضابطاً في الجيش، كان حديث الوحدة يرافقه صباح مساء.. وكان الضباط يتقنونه كما يتقنون واجباتهم العسكرية. »وكان في الجيش بعثة عسكرية بريطانية، يعمل أفرادها مفتّشين ومدرّبين ظاهرياً، ولكنهم كانوا في الواقع يرصدون حركات الضباط وسكناتهم، ويعدّون عليهم أنفاسهم« ص12 لأن الضباط كانوا وطنيين، وكانوا وحدويين، وظهر هذا في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 التي بادر الإنكليز إلى القضاء عليها بسرعة وقسوة وشدّة وعنف، ووقوف الضباط الوطنيين بشجاعة وبسالة، وفي حرب فلسطين عام 1948 فقد لقّن الجيش العراقي -وكان الكاتب مشاركاً فيها- لقّن اليهود دروساً قاسية في معارك (جنين) وسواها... ولو كان أمر الجيش العراقي بيده، قدّم لفلسطين أضعاف ما قدّم..

وظهرت وحدوية الشعب والجيش إبان العدوان الثلاثي على مصر عام ،1956 وعندما أُعلنت الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 وحزن الضباط العراقيون لانفصال سورية عن مصر عام 1961 وظهرت وحدوية الضباط أيام عبد الكريم قاسم، فقد قاوم قسم كبير منهم انحراف قاسم، وكان يجمع صفوفهم حبُّ للوحدة، وكرههم لأعدائها، وعندما قام عبد السلام عارف بثورته ضد قاسم، ورفع شعار الوحدة، أيّده الضباط والشعب "ومع ذلك، بقيت الوحدة في متاهات النزاعات والأهواء، تقاومها المصالح الشخصية، والرغبات الأنانية، دون أن يكون للمصلحة العربية العليا أيُّ دخل في الموضوع." ص20

"واليوم.. تحتّم عليهم ضرورة البقاء أمة ذات سيادة، ومكانة، أن يقبلوا على الوحدة العسكرية، وأن يضعوا تحت أقدامهم كلَّ ما يحول دون تحقيقها، وإلا، فسيكونون بعد سنوات عبيداً في بلادهم، أو لاجئين في بلاد أخرى." ص20

كان البحث الأول في هذا الكتاب، بعنوان: (الوحدة العسكرية من التاريخ العربي الإسلامي) وقد استهله بأن القاعدة الثابتة هي أن الشعب - كلّ شعب- لا يكون قوياً ما لم يكن موحّد الصفوف والأهداف. والوحدة تجعل من الأمة قوّة ضاربة لا تُغلب من قلة أبداً، والفرقة تجعل من الأمة غثاء كغثاء السيل، لا قيمة لها في حرب ولا في سلام.

وضرب الأمثال على ذلك بألمانيا، وإيطاليا، والولايات المتحدة الأمريكية، ثم جاء إلى العرب عندما كانوا شراذم، وعندما جاء الإسلام ووحدهم، صاروا قوة يُحسب حسابها، تهابها أكبر إمبراطوريتين في ذلك الزمان: الفرس، والروم، وعندما تشرذموا ثانية واختلفوا، طمع فيهم الروم، وصار الطالب مطلوباً بسبب التفرق والانقسام.. وهكذا دواليك. وفي العصر الحديث، احتل المستعمرون بلاد العرب عام 1918 وأقاموا الحدود والسدود بين الأقطار العربية، وشجْعوا الروح الإقليمية والطائفية، وأشاعوا التحلل الخلقي، ونشروا مبادئ حضارتهم، وجعلوا العرب يشيحون عن تراثهم، وكان غزو فكري، ثم صنعوا إسرائيل في أقدس بقعة عربية لتعينهم على إضعاف العرب، واستنزاف طاقاتهم، ولتكون قاعدة لهم أيام السلم والحرب، وأمدّوها بكل أسباب القوة، ولهذا، لم يبق أمام العرب غير طريق واحد: أن يأخذوا حقوقهم بالقوة، وبالقوة، وحدها، وسبيل القوة، هي الوحدة العسكرية بين العرب.

وفي البحث الثاني: "عبرة الاتفاقيات العسكرية العربية قبل حرب 1967) يرى أن ما لقيه العرب من إسرائيل في حروب: 1948 و 1956 و 1967 خير حافز لوضع الوحدة العسكرية في حيّز التنفيذ، فقد كان من جملة أسباب اندحار الجيوش العربية فيها، عدم وجود الوحدة العسكرية.

ويميز الكاتب بين التعاون العسكري، والوحدة العسكرية، فالأول يخضع للظروف والملابسات، بينما الوحدة العسكرية أمر وتنفيذ، وواجب وفرض، ولها خططها المرسومة، وإعدادها المسبق، وقيادتها الواحدة التي تعرف هدفها جيداً، وتسعى إلى تحقيقه.

تحدث الكاتب عن التعاون العسكري بين الدول العربية في تلك الحروب.. عن معاهدة الدفاع المشترك (1950) التي جعلت العمل العسكري وسيلة من عدة وسائل لصدّ الاعتداء الإسرائيلي، ولكن ليس في نصوصها ما يلزم الدول العربية باستخدام قوَّاتها المسلحّة للدفاع عن أي دولة عربية تتعرض للعدوان، وهذا ما جعل لبعض الدول العربية تنتقل من تقديم المساعدات لمصر عندما تعرضت للعدوان الثلاثي عام 1956.

وهكذا أخفقت سائر أشكال التعاون العسكري ضمن الجامعة العربية وكل الاتفاقات الثنائية بين دول الجامعة، لأسباب، أهمها الخلافات العربية. وخلص المؤلف إلى:

1 - أن الجامعة العربية بأجهزتها الراهنة، لا يمكن أن تنهض بالوحدة العسكرية أو التعاون العسكري.

2- إن التعاون العسكري لن يكون مجدياً، ما لم توحّد الجيوش العربية، بكل ما في الوحدة العسكرية من معان.

3 - لا بدّ للوحدة العسكرية من قيادة سياسية.

4 - الوحدة العسكرية العربية قضية مصيرية للحاضر والمستقبل.

وفي بحث (المؤتمرات العسكرية العربية ) أبدى استغرابه لعدم انعقاد مؤتمر عسكري يبحث أسباب نكبة حرب حزيران، لاستخلاص الدروس والعبر منها، ووضع المقترحات اللازمة لمعالجتها، لأن تلك النكبة عسكرية قبل كل شيء. والعسكريون وحدهم يقدّرون أسباب تلك النكبة.

والمؤتمر العسكري الذي يطالب بعقده على النطاق العربي، لابدّ أن يكون أعضاؤه على مستوى الأحداث، علماً، وكفاية، وتجربة، وخلقاً كريماً. يضمّ أعلى المستويات العسكرية العربية مسؤولية، ومنزلة، وخبرة، وإخلاصاً، ليتمكن المؤتمرون من تحقيق أهداف معيّنة تفيد العرب في حاضرهم ومستقبلهم.

ولا بدّ من الإعداد الجيّد لهذا المؤتمر سلفاً، بالدراسات والبحوث، ليكون بعيداً عن الارتجال الذي هو سمة سائر المؤتمرات العربية.. فمن أجل نجاح المؤتمر لا بدّ من:

1 - التبليغ بموعد عقد المؤتمر قبل مدّة كافية، من أجل التحضير المسبّق له.

2 - عقد اجتماع تمهيدي لإعداد كل ما يجب أن يناقش في المؤتمر.

3 - اختيار أعضاء الاجتماع التمهيدي من ذوي الاختصاص والإخلاص.

4 - اختيار أعضاء المؤتمر من ذوي الكفايات العالية، والإخلاص النادر، والاستقامة المثالية. من الذين يضحّون بمصالحهم الشخصية في سبيل مصلحة الأمة.

5 - أن يكون مع كل وفد دراسات مستوعبة.

6 - أن تلتزم الدول العربية بمقررات المؤتمر التزاماً كاملاً.

ويرى الكاتب ضرورة اتصاف الضباط الذين سيُعدّون الدراسات بـ:

1 - الخبرة الدقيقة التفصيلية في المعلومات العسكرية النظرية والعملية.

2 - التجربة العملية الموفّقة في القيادات العسكرية العملية أيام السلم والحرب.

3 - العمل المتواصل البناء.

4 - الكتمان الشديد.

5 - الخلق الكريم الذي يشهد له به ماضيه المجيد.

6 - البعد عن الأنانية وحبّ الظهور.

7 - النزاهة المطلقة، والإخلاص المطلق لعقيدته ووطنه وشرفه.

أمّا صفات الضباط الذين سيشهدون المؤتمر، فهي:

1 - أن يكونوا تدرّجوا في مناصبهم القيادية، ولم يصلوا إلى أعلى الرتب بالترقيات الاستثنائية.

2 - من  اللامعين في مهنتهم.

3 - أن تكون لديهم حاسّة إستراتيجية.

ويرى الكاتب أن يبحث المؤتمر الذي يدعو إليه:

1 - أسباب نكسة حزيران بصراحة تامة.

2 - وضع الحلول الجذرية للأخطاء التي أدت إلى النكسة.

3 - أسباب إخفاق القيادة العربية الموحدة، وعوامل تقويتها. لتكون عند مسؤوليتها التاريخية.

5 - العمل على حشد الطاقات المادية والمعنوية للعرب، من أجل مجابهة إسرائيل، وذلك بإقرار الحدة العسكرية، وإيجاد قيادة عربية سياسية مسؤولة، ترتبط بها القيادة العربية الموحدة.

وفي بحث (أهمية الوحدة العسكرية العربية) ركّز المؤلف على الإفادة من الطاقات المادية والمعنوية للأمة، وهي كبيرة، بالتنظيم السليم الدقيق الذي هو روح القوة، وعمادها وركنها الركين. والوحدة العسكرية التي تسيطر عليها قيادة عربية موحّدة، هي التي تنهض بهذا التنظيم، كما توحّد التدريب، والتسليح، والتنظيم، والتجهيز، وبهذا التوحيد ترفع المعنويات وتوحّد الجهود، كما توحد جبهة القتال. هذا على الصعيد الداخلي، وأمّا على الصعيد الخارجي فهي:

1 - توقف إسرائيل عن تنفيذ مطامعها التوسعية.

2 - وتغيّر من نظرة الدول إلى العرب، فتكون معهم لا عليهم. وفي بحث (القيادة العربية الموحدة) يرى أنها:

1 - تقوم بتوحيد التدريب العسكري.

2 - تعمل على توحيد تسليح الجيوش العربية.

3 - وتنظم تلك الجيوش بأسلوب واحد.

4 - وتوحّد التجهيز والعتاد.

5 - وتجمع المعلومات العسكرية عن العدو قوّاته.

6 - وتعدّ الخطط العسكرية ضدّ العدوّ.

هذا قبل الحرب ، أما واجباتها في الحرب، فهي:

1 - وضع الخطط العسكرية موضع التنفيذ.

2 - استخدام القطعات العسكرية المناسبة، والسلاح المناسب، في المكان والزمان المناسبين.

3 - وضع القائد المناسب، في المكان المناسب.

4 - التنسيق العسكري في ميادين القتال.

ثم تحدّث عن إنجازات القيادة العربية الموحدة منذ ولادتها، وحتى حرب حزيران 1967 وعن العقبات التي اعترضتها، ثم بيّن كيف يمكن لهذه القيادة أن تنهض بواجباتها أيام السلم وأيام الحرب.

ثم تحدث عن (الوحدة السياسية العربية) لأن الناحية العسكرية وحدها لا تكفي لجعل القيادة العربية ذات أثر وتأثير، فالجانب السياسي ضروري جداً لدعم الوحدة العسكرية، من أجل أن تكون فعالة، وضرب الأمثال عما جرى لدول الجامعة العربية وما كان ينبغي أن يجري.

وتحدّث عن (أثر الوحدة العسكرية في المعنويات) وبيّن معنى المعنويات، ورأى أن عوامل تقويتها هي العقيدة (لا نصر لجيش لا عقيدة له) والقيادة المتميزة، والنصر في الميادين الحربية، والعلمية والعملية، بل إن كل نصر في أيّ ميدان حيوي، يرفع المعنويات، وللمعنويات تأثيرها الكبير في تحقيق النصر، جعلها نابليون ذات قيمة كبيرة تصل إلى 75% من قيمة الجيش، وترك 25% للجوانب المادية من تسليح وعتاد وتدريب و.. ثم تحدّث عن أثر الوحدة العسكرية في رفع المعنويات فرأى أن الوحدة قوة (يد الله مع الجماعة) ونصر، لما فيها من حشد للقوى، يجعل العرب قوة ضخمة ضاربة.

وتحدث عن (أثر الوحدة العسكرية في تكامل الإنتاج الحربي، وتطويره) لأن بلاد العرب تشكل وحدة اقتصادية متكاملة، ولكنها تحتاج إلى التنسيق الاقتصادي الذي يؤدي حتماً إلى الاكتفاء الذاتي، ويحرم إسرائيل ومن وراءها من تهديد العرب اقتصادياً. وهذا يحتاج إلى تخطيط دقيق يتولاه الخبراء الاقتصاديون، بالتعاون مع العسكريين، ولا بدّ أن يلي التخطيط تنفيذ سليم مثله.

ودعا إلى ضرورة التنسيق في الصناعات العسكرية، وهذا يتطلب وجود خبراء عسكريين لديهم إحصائيات دقيقة تعينهم على اتخاذ القرارات التي تشمل احتياجات الحاضر، وتطوير المصانع لسدّ احتياجات المستقبل.

ويتطلب وجود علماء في الاقتصاد يقدّمون أفضل الطرق لإخراج هذه المصانع إلى حيّز الإنتاج لكي نسدّ حاجة الجيوش العربية في الحاضر والمستقبل.كما يتطلب وجود خبراء من علماء إنتاج السلاح والعتاد، ينتجون هذه المواد.

والوحدة العسكرية هي التي تجعل التنسيق الصناعي العسكري العربي عملاً ملموساً، وليس حبراً على ورق.

ثم تحدث عن (أثر الوحدة العسكرية في المجال العلمي) وقدّم لذلك بالترسانة العسكرية الضخمة لدى العدو الإسرائيلي، وما فيها من سلاح صاروخي وذريّ، والمفاعلات النووية الإسرائيلية، والسرّعات الذرّية في إسرائيل، وعن تدابير الدفاع المدني ضدّ السلاح الذري في إسرائيل، وعن الأسلحة الكيماوية، والجرثومية لديها، وعن أبحاثها في مجال الفضاء وفي مجال الفيزياء وعن بعض أبحاثها السرّية الخطرية، كجهاز تغيير اتجاه القذائف، وجهاز الاختفاء عن الأنظار، وسوى هذا وذاك...

ثم انتقل إلى الحديث عن البحث العلمي، والتطور التكنولوجي في مجال التعاون العربي، فوجدهما متفاوتين بين دولة وأخرى. ودعا إلى أن يمتلك العرب السلاح الذرّي لأنه الرادع الوحيد لإسرائيل، الذي يمكن أن يحول بينها وبين استعمال السلاح الذري ضدّ العرب.

ثم تحدث عن واجب الدول العربية تجاه السلاح الذري الإسرائيلي، فرآه في:

1 - التدابير العسكرية: (الحصول على السلاح الذري - الإسراع بإنشاء الأفران الذرية- إعادة النظر في تنظيم الجيوش العربية، وتدريبها، وتجهيزها - تعليم المدنيين حقائق الحرب الذرية، وأساليب الوقاية منها، وأساليب الدفاع ضدّ أخطارها - الاهتمام تدابير الدفاع السلبي ضدّ أخطار الحرب الذرية -مراقبة إنتاج السلاح الذري الإسرائيلي- وضع خطة عربية عسكرية موحدة لمجابهة الخطر الذري الإسرائيلي، وإحباطه).

2 - التدابير العلمية: (حشد الكفايات العلمية العربية أولاً، ثم الإسلامية - الاستفادة من خبراء الذرّة في العالم -إرسال البعثات العلمية للتخصص في مجالات الذرة - الاهتمام بسلاح الصواريخ - الاهتمام بالأسلحة الكيماوية- الاهتمام بالأسلحة الجرثومية.

3 - التدابير السياسية: (التشهير بامتلاك إسرائيل السلاح الذرّي- محاولة عزل إسرائيل عن الدول الآسيوية والأفريقية - الدعوة إلى نزع السلاح الذري في المحافل الدولية).

وتحدّث عن واجب الدول العربية تجاه الحرب الجرثومية، والحرب الكيماوية..

ثم جاءت (الخاتمة) وكانت رائعة، بما فيها من تحليل وتطلعات تصبّ في بحر القوة التي لا تفهم إسرائيل لغة غيرها، وكان فيها دعوة وهتاف ونداء إلى أن يتوحد العرب، عسكرياً وسياسياً، واقتصادياً فالوحدة قوة، والتفرق ضعف... ودعا إلى التمسك بالإسلام العظيم: "إن العرب بالإسلام كل شيء، والعرب لا إسلام لا شيء) ففي الإسلام طاعة أي ضبط ونظام وفي معاني الخلق الكريم، ومنه الصبر الجميل، وغرس الإسلام روح الشجاعة والإقدام في المسلمين، وجعل التولي يوم الزحف من الكبائر، وأمر بالثبات في ميادين القتال، ودعا إلى الجهاد بالأموال والأنفس لإعلاء كلمة الله، وجعل الشهداء في مقام العظماء من الأنبياء والصدّيقين والصالحين، واهتمّ الإسلام بالحرب النفسية، وأهمّ أهدافها: (التخويف من الموت والفقر - ومن القوة الضاربة للمنتصر - ومحاولة جعل النصر حاسماً - والدعوة إلى الاستسلام- وبث الإشاعات والأراجيف - وإشاعة اليأس والقنوط..) وقد تصدّى الإسلام لهذه الحرب، بتربية أبنائه التربية التي تقيهم الوقوع في حبائلها، فالمسلم لا يخشى الموت، لأن الآجال بيد الله، ولا يخشى قوة العدوّ من عَدَد وعُدَد، لأنه يعتقد أن النصر من عند الله، وما دام هو في حماية عقيدته، فلا خوف عليه، والمسلم لا يستسلم للهزيمة، ولا يصدق الإشاعات، ولا يجوز له اليأس والقنوط.

وتحدّث عن الحوافز المادية في الإسلام، وهي لا تقلّ تأثيراً عن الحوافز الروحية، فهما تعملان -جنباً إلى جنب- لترصين إرادة القتال في نفوس المسلمين وعقولهم معاً. فالمسلمون لا يستهينون بالعدو، ويستعدون للحرب ويكونون في حالة حذر ويقظة.

يقول المؤلف:

"السؤال الذي يتردد اليوم هو : ألسنا مسلمين؟ وإذا كنا مسلمين، فلماذا لا ينصرنا الله على أعدائنا؟"

ويجيب:

"كيف ينصرنا الله، ونحن لا نطبق تعاليمه؟

وهل ورد في القرآن أن الله ينصر المسلمين الذين يتقبّلون الإسلام بدون تكاليفه في الجهاد والعمل الصالح؟

إن هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله: العودة إلى الإسلام. وحينذاك سيقول يهود كما قالوا من قبل:

"إن فيها قوماً جبارين"

ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

هذا وقد احتوى الكتاب على مجموعة من الملاحق التي هي وثائق مهمة، تعزّز ما ذكره الكاتب وتضيف إلى معلومات القارئ معلومات أخرى، سمع به، ولكنه لم يقرأها في كتاب أو مرجع آخر، أو أصبحت من منسيّاته.

وأخيراً أقول:

إن لهذا الكتاب القيّم أهمية كبيرة في حياة الأمة العربية، فقد دعا الكاتب فيه إلى ضرورة قيام الوحدة العسكرية بين الدول العربية، وعدّها شرطاً أساسياً لأيّ نصر في أي معركة يخوضها العرب ضدّ أعداهم أدعياء النبوة لإسرائيل، وإسرائيل بريء منهم ومن أعمالهم.

كما ظهر لنا الكاتب مفكراً عربية إسلامياً، يؤمن بالعروبة والإسلام، ويدعو إلى الوحدة العربية، وإلى التعاون الإسلامي، ويندد بأعدائهما، وواضعي العقبات في طريقهما.