على رصيف الحياة.. قصص قصيرة
على رصيف الحياة.. قصص قصيرة
تأليف د. إبراهيم مضواح الألمعي
|
عرض: عبد الله زنجير
|
(القصة القصيرة، ومضة تتقد، قد أمسك بها في ذروة اتقادها، فتكون ألماسة صقلتها حرارة التجربة، وقد أستعجل في الإمساك بها فتخرج مشوهة، أو أتأخر فتولد ميتة، إنها صدى النفس الشفافة التي تجترحها الكلمة أو النظرة، ويسكنها الموقف فلا يتسرب إلا من خلال سنّة قلم..)
بهذا التوصيف ينقلنا الأستاذ الأديب إبراهيم مضواح الألمعي، لعالمه القصصي الذي يتميز بالرقة، والرصد لما يختلج في دواخلنا الإنسانية، فنشترك معه بالضرورة في قراءة مالا نجد فرصة، أو ربما رغبة لإظهاره تحت شتى الذرائع، متسلحين بموروثات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان!
وفي مجموعته الجديدة (على رصيف الحياة) التي تضم 15 لوحة درامية في منتهى التشخيص الفني الدافئ، يستعرض الأستاذ الألمعي بمداده المنبعث من (رجال بني ألمع) جنوب الجزيرة العربية حالات وجدانية وانفعالية اجتماعية، ليست حكراً على تلك المنطقة الوديعة قرب مدينة أبها الجميلة، بل هي تعبير نثري راق عن شعور أدبي نبيل، يرتبط بداهة بانتماء صاحبها لمدرسة الأدب الإسلامي وأديب العربية الكبير الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله.
وعلى رغم التواريخ المتقاربة لتلك القصص الفائزة بجائزة أبها 1424هـ والتي نشرها النادي الأدبي، فإن هناك تفاوتاً إيقاعياً في مقاماتها المتنوعة فهي قد تضحكك كما في قصة (ثقافة الشارع) أو (وساوس) التي تعكس نهم التردد في عيني أديب نرجسي، يضطر للظهور في محاضرة عامة دون سابق تجربة! وكذلك هي تبكيك حين نطالع قصة (مريم) الطفلة اليتيمة التي تسأل جدتها بطل الطهر والبراءة: لماذا أمهات البنات لم يمتن مثل أمي؟ وأيضاً قصة (الضحية) التي تصور ذلك التلميذ الصغير، الذي يضطر لدفع ثمن الفوضى في إدارة مدرسته الابتدائية، فيعيدونه للصف الثالث بكل قهر وقسوة لكي.. يتقوى في تلاوة القرآن الكريم والرياضيات!
أما الوجدانيات المجردة، فهي كالمرجوحة التي تهدهد على قلقنا المتفشي مع لأولاء العمر، كما في (غربة أديب) أو (آلاء) أو (الحديد والنار والإسمنت) التي تحكي عن حوادث السير المميتة، عندما تتعرض لها المعلمات وهن في رحلة البحث عن بعض الحلم، من أجل المستقبل والتعليم والأسرة وهي كلها أهداف مشروعة يشوهها التقصير الذكوري بوضع المعلمة البعيدة في القرية القريبة وبالعكس، وهنا ليس الكاتب وحده يبكي..
إن ما يلفت في هذه المجموعة هي قدرتها العالية على بلورة الرأي وتشكيل العقل وتسويق المعرفة، بأسلوب إيجابي ناعم يخاطب أمة تتراجع وأفراداً يتقدمون، وكأنه يقول: أفضل وسيلة للتخلص من واجباتك أن تؤديها وأن إصلاح الإنسان لا يتمثل في الأمور الخارجية التي يعملها بل بما في داخله هو، وأن اكتشاف الحب بمعانيه المترامية هو أول وصايا الحكمة في عصر الذرة والعقول الإلكترونية إلخ..
تبقى الإشارة إلى أن دور الأديب المسلم لا يقتصر على الوعي بالذات وبالمشكلات الحقيقية التي تعترض حركة الثقافة والناس، أو بفكرة الأدب للحياة وحسب، بل هو دور حيوي تناط به القدرة على السمو والتسامح وتقديم البدائل المقنعة في رحلة الحياة، وهو دور الطبيب الحبيب المشفق الوجل (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل) الحجر 85. والحمد لله أولاً وآخراً.