دور المنهاج الرباني في الدعوة الإسلامية
دور المنهاج الرباني في الدعوة الإسلامية
|
الدكتور عدنان علي رضا النحوي |
إلى القلوب الحائرة التي تبحث عن الحق ، إلى القلوب المؤمنة التي تبحث عن طريق إيمانها ، إلى المؤمنين العاملين الذين يبحثون عن خطة ونهج ، إلى السائرين على درب الإيمان ينشدون العزيمة للمضي ، إلى المتنافرين المتباعدين يبحثون عن تقارب ولقاء ، إلى كل سائل صادق ، وإلى كل باحث جاد ، نقدم هذا الكتاب في أبوابه السبعة وصفحاته (384) .
لم يعد منهاج الله ، في واقعنا اليوم مصدر العقيدة والتوحيد ولا مصدر الفكر والتصورات ، ولا مصدر البناء والتكوين ، ولا زاد الدعوة والدعاة . فنشأ الكثيرون على هذا المصدر أو ذاك ، حتى إذا عرض لهم الأمر ردوه إلى ما نشأوا عليه من تصورات بشرية ، وأمانٍ وأوهامٍ ، ورغبات ومصالح ! وغابت الأمة عن واقعها ، فاجتمع جهل إلى جهل ، وهوى إلى هوى ، حتى اضطربت الموازين ، واختلفت المذاهب وتعددت المدارس ، على فتنة وشقاق ، وتمزّق وضياع ! فوجد الأعداء ثغرات يدلفون منها ، وفجوات يتسللون إليها ، حتى دخلوا دياراً وأوطاناً ، وألْهوا قلوباً ونفوساً . وتوقّفت جهود خيّرة أمام المسالك المسدودة والأبواب الموصدة ، وانصرف هذا ومال ذاك ، ودنا عدو وابتعد صديق .
وخلال ذلك سقطت ديار المسلمين داراً داراً ، وجفّت خضرة الجهاد ، ووهنت العزائم ، فانتهكت الأعراض ، وانتهبَت الأموال وحُزّت الرؤوس ، وسالت الدماء على مرأى المتفيهقين ومسمَع المتنعّمين .
ولا شك أنَّ بين الناس قلوباً مؤمنة ، ونفوساً صادقة ، وعزائم ما زالت مشدودة ، ورؤى ما زالت واضحة ، ولكنها ما زالت موزّعة هنا وهناك ، في ميدان فسيح تحت عجاج الفتن ، وقتام المحن ، يطويها الغبار ويحجبها الظلام !
إن الذي نعرضه في كتابنا هذا نهج نتتبع ملامحه ، وقضيّة نعرض عناصرها . إننا لا نعرض نقاطاً مجزأة متفلتة ، وإنما نعرض ما تميّز المنهاج الرباني مثلاً ـ وهي حقيقة وتقرير ـ نعرضها مدعّمة بالآيات والأحاديث ، مفصلة بجزئياتها ، لا لأنها حقيقة ندّعي أنها جديدة ، ولكننا نعرضها مع سائر الحقائق والتقارير لنرسم نهجاً ينمو مع الممارسة والتطبيق ، ويجعل من هذه الحقيقة واقعاً متحركاً ، وممارسة إيمانية ، وعملاً صالحاً ، كما يريده الله . فالشعار قائم في واقعنا يرفعه الجميع . ولكن الذي غاب عن واقعنا هو ممارسة الشعار ممارسة ربّانيّة ، تنبع من منهاج الله ، لا من أهواء ورغبات ، وترتبط بواقع ، لا تغيب في أمانٍ وأوهامٍ . إن الذي غاب عن واقعنا قروناً طويلة طويلة جداً ، في حياة الأمة المسلمة ، هو النهج الذي يقوم على القاعدتين الضخمتين : منهاج الله والواقع البشري الذي يجب أن نُمارس منهاج الله فيه . وهذا هو الذي نحبّ أن نوضحه وندعو إليه .
لهذه الأسباب كانت الأبواب الأربعة من الكتاب تثبّت القاعدة الأولى ، وهي ـ المنهاج الرباني ـ بتوضيح تميزه وخصائصه ، ودوره وميدانه في مجال الدعوة ومجال البناء والإعداد ، والتربية والتكوين . ثم يأتي الباب الخامس لنتتبع ملامح مدرسة النبوة ولنرى سلامة ما ندعو إليه ـ إن شاء الله ـ ثم نرى بعد ذلك القواعد التي يعرضها منهاج الله لدراسة هذا المنهاج ولنتدبره ، حتى لا يكون الأمر هذا متفلتاً للأهواء ، خاضعاً للرغبات . بل ينطلق على أسس ربّانية تقوم على تفاصيل الجهد البشري الذي أنيط به .
أما الباب السادس فيعود ليؤكد القاعدة الأولى ، ويثبت تصوّرها ويسر ممارستها في بحث عن التناسق والإحكام في منهاج الله .
أما الباب الأخير فإنه ينحصر في القاعدة الثانية ـ قاعدة دراسة الواقع البشري ـ ، فكيف تصح حياة أو تنجح دعوة أو تصدق ممارسة في واقع نجهله ، في واقع نعلم عنه ما يقدّمه لنا عدونا ، دون أن نقوى على ردّه إلى منهاج الله ؟ وكيف نستطيع أن نردّ قضيّة إلى منهاج الله ـ كما يأمرنا الله بذلك ـ ونحن نجهل القضيّة أو نفهمها فهماً ناقصاً أو فهماً خاطئاً منحرفاً ، أملته الدعاوة المركزة والإضلال المنهجي ، والإفساد المدروس ؟
إننا ندعو إذن إلى نهج للعمل ، وخطة للمضيّ مطروحة تحتاج إلى دراسات مفصلة حتى تنمو الخطة ويعلو النهج ويستقيم السبيل .