إكليل من شوك

موسى أبو دويح

كتب محمد اشتيه مجموعة قصص قصيرة سماها إكليلا من شوك، بلغ عددها عشرين قصة قصيرة، خرجت طبعتها الأولى سنة 2008م عن الدار العربية للعلوم ناشرون/ بيروت، في كتاب من القطع الوسط، عدد صفحاته 134 صفحة.

ولقد جاءت عناوين القصص لافتة للأنظار، محفزة للأذهان وداعية العقول إلى التفكير، ومطالبة القارئ ان يدقق ويتأمل مثل: نزهة على القمر، صحيح ان الإنسان قد وصل إلى القمر عام 1969م، لكن ان يتنزه على سطحه فهذا يحتاج إلى خيال وتصور غير عاديين.

وكذلك قل في العناوين: "الغرق مع امرأة جميلة" و"لحن الغربان" و"الموت وقوفا" و"الموز الأعوج" و"تعرفت على وجهي" و"بوابة اللا عودة" وغيرها.

بدأ الكاتب كتابه بقصته "نزهة على القمر"، حيث رافق في خياله أول طاقم للفضاء حط على القمر بقيادة رائد الفضاء الأمريكي "نيل آرم سترونج" الذي وضع علم أمريكا وآية من الإنجيل على سطح القمر عام 1969م. ولا زلت أذكر يومها أنني بكيت بكاءا مرا؛ إذ لماذا تنجز أمريكا مثل هذا الإنجاز، وخير أمة أخرجت للناس نيام، بل وتغط في سبات عميق وتتناحر وبأسها بينها شديد.

أما كاتبنا فحلق بخياله مع لونا وهو على سطح القمر، كما خاطب عنترة محبوبته عبلة وهو يخوض وسط المعمعة:

ولقد ذكرتك والرماح نواهل             مني وبيض الهند تقطر من دمي

وكاتبنا تستغرق رحلته مراحل القمر جميعا: محاقا وهلالا وتربيعا وبدرا، ويرى في كل مرحلة من هذه المراحل أناسا وأمكنة يناسبون وتناسب مرحلة القمر؛ فهو يرى القبائل التي يتجمع شيوخها على بساط منسوج من شعر الماعز وحولهم النساء يغنين ويرقصن، والعبيد يحرسونهم، يراهم في مرحلة المحاق. ويرى قبة الصخرة المذهبة والقمر بدرا، يراها تمثل القدس جميعا حينما قال: "آه، أرى مدينة ذهبية تشع حزنا". وهذا إبداع في وصف ماضي القدس الذهبي أيام عزها ومجدها: أيام الفاروق عمر وأيام بني مروان الذين بنوا مسجدها الأقصى وصخرتها المشرفة، وأيام العباسيين وأيام صلاح الدين وأيام العثمانيين، ويرى حاضرها المأساوي في ظل الاحتلال الصهيوني حيث تشع حزنا في هذه الأيام.

ويرى من على سطح القمر الهند وفقرها، وسنغافورة وعلمها وصناعاتها ونظافتها، ويرى بريطانيا التي كانت لا تغيب عنها الشمس لكثرة مستعمراتها، ومطار هيثرو وزحام طائراته. ويرى كيب تاون ونيلسون مانديلا في سجنه، ويرى ويرى، بل قل إنه رأى العالم جميعا من على سطح القمر.

أما قصة الورد الأحمر ففيها من قصة فالنتاين الذي صارت ذكرى إعدامه في 14 شباط عيدا للحب.

وفيها أيضا كيف صار لون الوردة البيضاء أحمر، حيث صيرت الآلهة المحب طائرا ليحلق ويطوف في البلاد حتى يأتي بوردة حمراء يهديها لمحبوبته حسب طلبها ورغبتها. ولما لم يجد الورود إلا بيضاء، أخذ واحدة منها وأدخل شوكة من غصنها في شريانه فصار دمه يتدفق إلى أوراق الوردة فصبغها باللون الأحمر، ومن يومها صار اللون الأحمر رمزا للحب الجارف.

ولا مجال في هذه الندوة لمناقشة جميع قصص الكتاب، وإن كانت جميعا لها سمة واحدة، فلغتها سهلة سلسة، تشد القارئ وتجبره على متابعة ومواصلة القراءة.

وفي رأيي أن الكاتب أفرط في استعمال اللغة العامية، وكان باستطاعته أن يستبدل اللغة الفصيحة بالعامية (حيث يدخل حرف الباء على المتروك) بكل سهولة ويسر، فقد كان بإمكانه أن يقول:

كنت أرى العمارات الشاهقة بدل قوله: "أشوف" صفحة 58.

تذكرت المرحومة جدتي التي كانت تفضل الذكور بدل قوله: "تذكرت رحمة جدتي" صفحة 59 (لاحظ اختلاف المعنيين إذا ظننت أن كلمة "رحمة" ليست عامية).

كيف تكون اللعبة؟ بدل قوله " كيف بتكون اللعبة؟" صفحة 73.

هذه هي المشكلة بدل قوله "هاي هي المشكلة" صفحة 98.

خالد شاب مشاغب ومرح بدل قوله "خالد شب" صفحة 112.

وانهمر المطر بدل قوله "كبس المطر" صفحة 65

وهكذا.

ومع كل ما في القصص من معلومات جديدة ومن سخرية لاذعة، ومن رمزية رائعة ومن نقد بناء لوضعنا السياسي المهترئ؛ إلا أنها لم تخل من أخطاء في الإملاء والنحو:

كقوله: "إنشاء الله" والصحيح: إن شاء الله. صفحة 95  

وقوله: "استرد بعض من قواه" والصحيح: استرد بعضا من قواه. صفحة 105

وقوله: "ليس سهلا ان يسافر عربيا الى تل أبيب" والصحيح: أن يسافر عربي. صفحة 90.

وقوله: "لقد أصبحت تحتلني"  والصحيح: أصبحت تحتلينني. صفحة 25. وغير ذلك.

وأخيرا، قصص محمد اشتيه مثيرة وناقدة وهادفة و واخزة وساخرة، فإلى المزيد من هذه القصص يا محمد، ولكن جنبها العامية واكتبها بلغة فصيحة خالصة.