العملية هيبرون

عبد السلام السلامة

العملية هيبرون

عرض : عبد السلام السلامة

نسيج روائي فريد..

سداه التخطيط السياسي الموغل في البعد،

ولحمته التنفيذ الأمني البالغ الدهاء..

رائع هذا الكتاب الذي بين أيدينا!!

هو من حيث صياغته، رواية أدبية، تكاتف في تأليفها خيال خصب وقلم مبدع، فجاءت (رواية)  لمن يبحثون عن الأدب الروائي الرفيع.. وهو من حيث موضوعه، تحليل  بالغ الجرأة والواقعيّة لقضية من أخطر القضايا السياسية التي تشغل بال المهتمين بالعمل السياسي في مناطق كثيرة من العالم، وفي مقدمتها العالمان العربي والإسلامي، ألا وهي قضية (إسرائيل) وارتباطها المصيري بالبيت الأبيض في واشنطن.. وهو من حيث ما يتلقفه العقل من السطور، ومما بينها، من توجيهات وإرشادات، أقرب إلى كونه كتاباً تعليمياً في فن العمل السياسي المعاصر).. فكيف تأتى كل هذا لـ(كاتب) لم يصدر له قبل هذه الـ(رواية) كتاب؟! ولماذا كتبها؟..

لمعرفة الإجابة لابدّ من معرفة المزيد عن الكاتب قبل الإيغال في عمق الكتاب ..

فمن هو المؤلف؟

إنه إريك جوردان رجل المخابرات المركزية الأمريكية الذي عمل في منطقة  الشرق الأوسط قرابة ربع قرن، خدم بلاده خلالها في دول كثيرة منها ليبيا ولبنان وإيران و(إسرائيل)، ثم  تنقّل، وهو يمارس مهنته هذه، في عدد من دول أوروبا وأفريقيا، وبعدها  انتقل إلى واشنطن، ليصبح ضابط اتصال مهتم بعمليات الشرق الأوسط في مكتب الاستخبارات الأمريكية لسنوات عدة ، قبل أن يصبح مستشاراً للرئيس الأمريكي رونالد ريجان فيما يخص العمليات الإرهابية. في أوائل الثمانينيّات أحيل جوردان على التقاعد، ثم اتجه بعد تقاعده إلى العمل التجاري.  ومازالت تجاراته في منطقة عمله السابق قائمة حتى اليوم.. وليس مستبعداً أن يكون جوردان ما يزال على صلة بالمخابرات الأمريكية، فالعمل المخابراتي والعمل التجاري مرتبطان، كما تُظهر الرواية، ارتباطاً وثيقاً..

هذه هي التفاصيل المتوافرة عن الكاتب، مأخوذة من مقدمة كتابه.

والآن جاء دور الكتاب ..

 بين أيدينا ترجمة باللغة العربية تقع في 288 صفحة من القطع المتوسط، وقد صدرت عن دار الهلال- القاهرة في العام 2001 ، ومن ترجمة شاكر عبد الفتاح، أما الكتاب الأصل فقد صدر باللغة الإنكليزية في العام 2000

تتوزع الرواية على خمسة وعشرين فصلاً، وأوّل تلك الفصول هو نهاية الرواية. وهذا فن في الكتابة الروائية معروف، يقدم فيه الكاتبُ (خاتمةَ المطاف) من عمله غائمة مبهمة، ثم يعود بالقارئ إلى البدايات الأولى ليسير به في متاهات الرواية ، وهو -القارئ- يتوق شوقاً للوصول إلى تلك الخاتمة الغريبة التي عرفها، ويريد أن يعرف كيف صارت الأمور إليها..

في الفصل الأول من رواية (هيبرون) يقف القارئ أمام جريمة قتل غامضة لثلاثة أشخاص تتم ليلة السابع من تشرين الثاني (ليلة انتخاب الرئيس الأمريكي)، في مكان ما في العاصمة الأمريكية واشنطن.. شخص يهرب من مكان الجريمة ، وآخر يسمع صوت إطلاق النار فيندفع بأقصى سرعته إلى حيث انطلق الدويّ، وهناك يكاد قلبه يتوقف!. يركع على ركبتيه، ويجسّ نبض أحدهم فيجده قد مات، ثم ينظر إلى الآخَرين فلا يرى فيهما أثراً يدلّ على حياة.. يُخرج الرجل هاتفه النقّال ويتصل بسفارته، وقبل أن يأتيه الرد تلمح عينه قصاصة ورق مطوية بجوار راحة يد القتيل الذي جس نبضه (رئيسه). يرفع الورقة ويقرأها فلا يفهم ما فيها، ولكنه يدسها في جيبه. ثم يجيئه الرد مبحوحاً:  "آبي ..انتظر حيث أنت، إننا نتصل بالشرطة الآن، عد إلى السفارة فور وصولهم.. لا تقل لهم شيئاً.. تذكّر أنك تتمتع بالحصانة الدبلوماسيّة..".  وبعد لحظات تبدأ الحركة المحمومة.. يتصل قسم الشرطة بمكتب التحقيقات الفيدرالي يخبرهم عن مقتل ثلاثة أشخاص بينهم دبلوماسي..تستدعي المحققة  (بريندا شتراوس) فريق عملها وتنطلق بهم بسرعة غير عاديّة.. يصر الدبلوماسي الواقف على الصمت معلناً عن عدم معرفته بشيء، ومؤكداً على حصانته الدبلوماسية. الدبلوماسي القتيل كانت إصابته في قلبه وبهذا فقد عُرف من ملامحه أما الآخران فإن أحدهما  قد أصيب بطلقة متفجرة في وجهه فضاعت ملامحه، والآخر مجهول .. تقرأ المحققة شتراوس بطاقة الرجل المشوّه الوجه فتشهق شهقة تدل على صدمة مذهلة: يا إلهي!!.. ثم تصدر أوامرها لرجالها: " جاك.. اتصل بالبيت الأبيض من هاتف السيارة المؤمن.. قل لهم أن يرسلوا رجال الخدمة السرية إلى هنا على الفور. وأنت يا فورد..أبعد الجميع عن الجثث إلى أن يصل رجال الخدمة السرية.. إنني أعني الجميع.. طوق الطابق بأكمله". ولم يتأخر رجال الخدمة السرّية كثيراً.

بعد ساعات من وقوع تلك الجريمة، كان قائد الطائرة التي تحلق فوق  الأطلسي يتمنى لركابه رحلة سعيدة.. وفجأة، تفجّرت الأخبار التي لا يمكن تصديقها والواردة من أمريكا إلى كابينة القيادة عبر اللاسلكي.. بين الركاب الذين أفزعهم الخبر، كانت هناك راكبة صربية حسناء تحمل جواز سفر نمساوياً، أذهلها أن تعرف القتيل الثالث ، ولكنها لم تكن تعرف أنها أفسدت أخطر المؤامرات السياسية التي لا يمكن لأي جهاز استخبارات أن يتجرأ على مثلها، والتي أطلق عليها مخططوها اسم (هيبرون) الذي يعني اسم مدينة الخليل في الضفة الغربية..

 هذه هي الخاتمة المبهمة للأحداث كما جاءت في الفصل الأوّل من الرواية.  

             

الفصل الثاني هو أهم وأخطر ما في الرواية كلها، رغم أن أحداثه تجري في مكتب فخم ومزرعة غنّاء، حيث الأنخاب بدل الدماء، والحوارات الهادئة عوضاً عن إطلاق الرصاص وزعيق السيارات. ولخطورة هذا الفصل، الذي لا يشغل في ( الرواية) إلا صفحات قلائل، فإنه سوف يأخذ حيّزاً أكبر مما يأخذه غيره من الفصول في  هذا العرض. كان ذلك في الحادي عشر من نيسان، أي قبل بضعة أشهر من وقوع الجريمة المروّعة في واشنطن. رئيس الوزراء الإسرائيلي (أهارون ايشيل) يجلس وراء مكتبه في مدينة القدس، وهو غارق في تفكير عميق. ضوء أزرق ينبعث من هاتفه الخاص، فيقطع عليه تفكيره.. لحظات من تشتت الذهن ثم يرفع سماعة الهاتف ليأتيه صوت (بنيامين شتيرن) مدير الموساد. كان صوت شتيرن حاداً وقلقاً. إنه يتحدث عن (المزيد من الأخبار السيئة)، فالأمريكيون مستاءون لأن الإسرائيليين يضعون العراقيل أمام التسوية النهائية مع السلطة الفلسطينية، والرئيس الأمريكي سيتحدث علناً ويلقي اللوم على المسؤولين الإسرائيليين، و..، بعد حوار طويل، يغيّر شتيرن نبرة صوته ويقول: " والآن، كما اتفقنا يا سيّدي، سأدعو إلى اجتماع في الغد للخمسة الكبار، ونظراً لتلك التطورات في واشنطن، فإنه من الملح أن نشرع في اقتراحنا (هيبرون) على نحو حاسم.." . يعيد ايشيل سماعة الهاتف، وهو يشعر بأنه خائر القوى. إن آلام عموده الفقري، التي ترافقه منذ أن أصيب إثر هبوطه الخاطئ بالمظلة في حرب السويس، أخذت تشتد عليه حتى أصبح يلتقط أنفاسه بصعوبة، مما يضطره لأن يأخذ  قرصاً آخر مسكناً للألم، فهو سيحتاج إلى كل فطنته ودهائه للشروع في أجرأ عملية سياسية تفكر فيها حكومة إسرائيلية منذ قيام الدولة.. لقد كان مبدؤه الذي لا يحيد عنه في عمله السياسي أنه "عندما يتعلق الأمر بالبقاء فإن المبادئ تعد من قبيل الترف".. إنه اليوم يواجه مسألة بقاء أو زوال، فالاشتباكات مع الفلسطينيين تتصاعد حدتها، والصراع العربي الإيراني لم يعد كما كان، ولبنان الذي كان مشغولاً بنفسه أصبح له شأن آخر، والأخطر من كل ذلك أن الرئيس الأمريكي مصرّ على عدم تقديم أي دعم لإسرائيل إلا إذا استجابت للشروط الأمريكية.. لقد أعاد عناد هذا الرئيس إلى ذهن ايشيل فكرة (زوال) دولة إسرائيل، لأنه (لا بقاء لإسرائيل بدون الدعم الأمريكي اللامحدود) . ومادام الأمر قد وصل إلى هذا الحدّ، فليس أمامه سوى السير في خطته الجريئة، و.."اللعنة على ما يصيب العالم من تداعياتها"..

في اليوم الثاني يجتمع الخمسة الكبار في المزرعة الآمنة التي تبعد سبعة كيلومترات عن القدس. والخمسة هم: رئيس الوزراء أهارون ايشيل، ومدير الموساد الجنرال بنيامين شتيرن، ووزير الدفاع ناتان ميتنز، ووزير الخارجية ايدموند روثبيرج، ووزير المالية جيرشون ياهاف. كان ايشيل وشتيرن و ميتنز من العسكريين ذوي الأداء المتميّز، أمّا روثبيرج وياهاف فهما من المتخصصين الأكاديميين الموهوبين جداً. وفي الاجتماع تحدث رئيس الوزراء ايشيل، وكان مما قال: "  باختصار، إنني أطلب منكم الليلة أن تخولوا الموساد، سياسياً ومادياً أن يضع الأساس لأهم العمليات وأكثرها سريّة في تاريخ أمتنا على الإطلاق ( العملية هيبرون) التي تهدف إلى انتخاب عميلنا- سيناتور أمريكي حالي- رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية"، "إلى الآن يعتبر وجود هيبرون واحداً من أكثر أسرارنا الخاضعة لأقصى درجات الحماية، بل تخضع لحماية أكثر من ترسانتنا النووية"، " سنلتقي مرة أخرى لنقرر ما إذا كنا سنمنح الموساد الموافقة النهائية، وعندها سأسمح للموساد بإطلاعكم على شخصية هيبرون، الذي نتمنى أن يكون الرئيس الأمريكي القادم، وبتعبير سياسي سيكون مسيحنا المنتظر الجديد"، " إذا نجحت العملية هيبرون، فإننا سوف نغيّر على نحو جذري قدرتنا على السيطرة على السياسة الأمريكية لعقد من الزمان، وخلال هذا العقد سوف نعدّ ترتيبات ومعاهدات متبادلة ستستمر لجيل إسرائيلي آخر. لا كامب ديفيد أخرى، ولا مفاوضات أوسلو أخرى، ولا اتفاقيات واي أخرى"، " سوف نفعل ما نريده وليس ما يريده غيرنا. في المرة القادمة عندما يرفع صدام حسين أو أي ديكتاتور عربي رأسه القبيح سوف نزيل هذا الرأس من على الخريطة، أو بالأحرى سوف نحمل رئيس الولايات المتحدة على بتره لحسابنا". وبعدما أنهى رئيس الوزراء حديثه، وطلب تعليقات الحاضرين، ذكر وزيرُ الخارجية أن صحيفة واشنطن بوست نقلت عن أحد الصحفيين الإسرائيليين قوله: " إن أهارون ايشيل يملك الكونجرس الأمريكي"، ثم تساءل : " نحن متفقون على أنك ، أهارون، تمتلك الكونجرس الأمريكي، فما هي إذاً مبررات هذه المقامرة البالغة الخطورة؟. إن الأمريكان المجانين ينفقون مائة وخمسين مليون دولار على الانتخابات، فهل أصبحنا فجأة بمثل هذا الثراء؟، لدينا مشاريع اجتماعية ويحتاج شعبنا لهذه الأموال". تردد رئيس الوزراء في الإجابة ثم قال: " لدينا تأثير على الكونجرس سواء زعمت الصحف ذلك أو لم تزعم.. كان لنا دائماً مثل هذا التأثير، ولكنني لا أريد التأثير فقط. هل تفهمون؟ إنني أريد السيطرة على أقوى مكتب على سطح الأرض.. ثم، من قال إنني أطلب منكم إنفاق مائة وخمسين مليون دولار؟ ما أريده هو عشرة ملايين أو عشرين مليوناً فقط ننفقها حيث يجدي الإنفاق ويثمر عن تغيير.." وهنا كتم وزير المالية ضحكة ندّت عنه فالتفت إليه رئيس الوزراء متسائلاً عن سبب ضحكه ، فقال الوزير : " أعتذر لمقاطعتك، ولكن طريقة صديقي العزيز روثبيرج في الحساب لا تليق برجل خريج أوكسفورد. إننا نتلقى من الولايات المتحدة كل عام أكثر من أربعة مليارات دولار على شكل مساعدات غير قابلة للسداد، فكيف تستكثر عشرة ملايين دولار نأخذها من صندوق الطوارئ الذي هو في الحقيقة من أموال الأمريكيين أنفسهم؟". سأل رئيس الوزراء إن كان ثمة تعليق آخر، ولكن أحداً لم يتكلم، وعندها أخذ رئيس الموساد يشرح التفاصيل المسموح بها عن العملية..

             

في الفصل الثالث تنتقل (الرواية) لتصور جريمة قتل ثانية ضد مسؤول أمريكي على درجة عالية من الخطورة. هنا يعرف القارئ أن القاتلة مجرمة محترفة تلبس لباس مومس، وأن القتيل هو (ريتشارد سورينسون) سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوربي.  خلاصة الفصل الذي يسهب في وصف أشياء لا تهمّنا، أن  السفير حضر بسيارته الفارهة، و معه سائقه، ليحمل المومس من شارع فرعي في العاصمة البلجيكية إلى مقرّ إقامته الفاخر.. كان ذلك في الساعة التاسعة من ليلة الثامن والعشرين من أيار (مايو) . كانت الاحتياطات الأمنية التي يلتزمها سورينسون ويلزم العاملين معه بها بالغة الدقة والصرامة, ولكن استهتاره الأخلاقي مكّن القاتلة المحترفة من التغلّب على كل احتياطاته الأمنيّة. لقد وضعت له المخدر في كأس الشراب، وعندما تيقنت من نومه غرزت كمية من الهيرويين الصافي، تكفي لقتل رجلين، تحت إبطه الأيسر. وعندما خرجت من الغرفة، طلبت من الحارس، الذي هو السائق نفسه، ألا يوقظ سيّده حتى ساعة متأخرة من الصباح التالي. وبعد أن تأكدت أن الحارس قد أغلق الباب الحديدي وراءها، ألقت قصاصة ورق مكرمشة إلى جانب الممر الحجري في حديقة البيت الفاخر، ثم صعدت سيارة الأجرة التي كانت تنتظرها على مسافة ليست بعيدة، ثم انطلقت السيارة مسرعةً نحو المطار. عندما هبطت الطائرة في مطار جنيف تنفست القاتلة ومساعدها (بيتر)، سائق سيارة الأجرة، الصُّعداء.. لقد نفذا المهمة المطلوبة، ولم يبق إلا أن يقوم (إبراهيم)، الوسيط الشرق أوسطي في العملية، بإيداع المبلغ المتفق عليه في البنك.

             

 يشرح الفصلُ الرابع الهيجانَ الذي اجتاح مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد أن بلغه خبر مقتل سورينسون.. وهنا نعرف أن القتيل هو الصديق الوفي للرئيس الأمريكي (هوارد لي دوجلاس)، وأن التي ستتولى التحقيق في موته هي ليندا شتراوس ، رئيس فريق مكتب التحقيقات في الحادثة التي جاءت في الفصل الأول من الرواية. يركز المؤلف على شخصية المحققة شتراوس، ويخبرنا أنها يهودية، أبوها من جيل اليهود المتعصبين الذين يرون أن ولاءهم لدولة إسرائيل مقدّم على الولاء للولايات المتحدة، أمّا هي فإنها على عكس ذلك، لقد دفعها ولاؤها لبلدها إلى متابعة الجاسوس الغامض في وزارة الدفاع إلى أن تمكنت من التعرف على شخصيته. ورغم  أنها اكتشفت أنه ( جوناثان بولارد) الإسرائيلي فأنها ظلت تتابع قضيته وتقدّم شهاداتها بحقه، إلى أن ثبتت إدانته . كان هذا الإنجاز الذي أدى إلى ارتقائها السريع في السلم الوظيفي في مكتب التحقيقات، قد سبب لها مشاكل عائلية، وقطيعة مع والدها الذي يعتبرها قد خانت دينها وقومها. ورغم حبها لأبيها واحترامها له، فإنها لم تتراجع عن موقفها الذي تعتبره أساس المواطَنة. ويسهب الكاتب في الحديث عن المحققة التي وصلت إلى ما وصلت إليه بإخلاصها وجدّها ومواهبها المتعددة. وكأنه يريد أن يوحي لليهود الأمريكيين أن كفاءتهم وولاءهم لبلدهم ، لا العمالة لإسرائيل، هما السبيل الصحيح للارتقاء. ثم يصف الفصلُ الوهلةَ الأولى التي أصابت مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد أن وصلته أنباء مقتل السفير الأمريكي. فقد كان الإيرانيون والعراقيون والإسرائيليون هم الأكثر احتمالاً في المسؤولية عن مقتل سورينسون، ولكن سرعان ما تبين أن هناك لقاءات سرية كانت تجري بين سورينسون وبين السفير الليبي في بلجيكا الذي يتولى المسؤولية عن أجهزة الاستخبارات الليبية في أوروبا (حامد فزاني) ابن عم العقيد طارق فزاني (حاكم ليبيا). لقد كان رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي يتابع هذه اللقاءات بقلق شديد، وكان مبعث هذا القلق أمران: الخوف على حياة سورينسون من جهة، ومعرفة إسرائيل بهذه العلاقات من جهة ثانية. فقد استدعى وزير الخارجية الإسرائيلي السفيرَ الأمريكي في إسرائيل وطلب منه تفسيراً لهذه العلاقات. لقد كانت متابعة الإسرائيليين لهذه اللقاءات مبعث إحراج للحكومة الأمريكية أمام الحكومة الإسرائيلية، وأمام جماعات الضغط اليهودية الأمريكية. بدأت المؤشرات تتجه إلى مسؤولية الليبيين، ولكن رسالة مشفرة تصل إلى شتراوس من بروكسل تقول إن السفير الليبي في بروكسل أرسل رسالة عاجلة إلى طرابلس يخبرهم بمقتل سورينسون، ويطالب بالعمل على كشف الجهة التي تقف وراء العملية، لأن اللوم سوف يلقى على الليبيين إذا لم يُعرف الفاعل الحقيقي. لقد خففت هذه الرسالة من احتمال وقوف الليبيين وراء العملية، ولكنها لم تنفِ هذا الاحتمال تماماً.

             

الفصل الخامس يأخذ من ردة فعل الرئيس الأمريكي (هوارد لي دوجلاس)، إثر مقتل سورينسون،  مدخلاً لمعرفة المزيد من التفاصيل عن الرجلين معاً، ولوصف الصورة العامة لصناعة القرار الأمريكي. لقد كان سورينسون صديق عمر الرئيس، وشاهد زواجه، ومدير حملته الانتخابية، وممثله لدى الاتحاد الأوروبي.. وأكثر من ذلك، فقد كان القتيل هو أشد مناصري الرئيس في وجه الضغوط التي تمارسها إسرائيل والجماعات اليهودية الأمريكية عليه. لقد انتاب الرئيس شعور يمتزج فيه الغضب الجارف بالحزن العميق؛ فقد خسر صديقه وأقوى المدافعين عن منهجه السياسي، وفقد كذلك اطمئنان سفرائه وموظفيه في أنحاء العالم الذين سيشعرون أن ظهورهم مكشوفة ولا أحد يحميهم. وأكثر من ذلك، فقد عرّض نفسه وحكومته لسخرية الآخرين الذين سيجدون فرصة للنيل من مكانة الولايات المتحدة في العالم. إن أمام الرئيس الآن مهمتين عاجلتين: أن يعرف الجهة التي تقف وراء مقتل سفيره في بلجيكا، وأن يحافظ على استمرار المنهج القومي الذي وضع هو أسسه لتقوية مكانة الولايات المتحدة خارجياً، وزيادة رفاهية الشعب الأمريكي في الداخل. سوف يعتذر، لأسباب صحية، عن ترشيح نفسه للانتخابات القادمة التي لم يبق عليها إلا أشهُر قلائل، وبالتالي فإن أمامه الآن خياراً واحداً هو أن يساند صديقه الآخر المتبقي، ونصيره السيناتور الجمهوري ( جورج جونسون)  رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، وأقرب الناس إلى منهجه السياسي بعد سورينسون. لقد كان ثلاثتهم يشكلون مثلث الضغط القوي في مواجهة الضغوط الإسرائيلية، أما الآن فقد أصبح الأمر في غاية الخطورة . هناك مرشح آخر هو نائب الرئيس (هيز)، ولكنّ هيز الموظف الفذ، والمؤيد القوي للسياسة القومية التي ينتهجها الرئيس، لا يمتلك المؤهلات القيادية، وبالتالي فسوف يقنعه ألاّ يرشح نفسه للرئاسة، بل يقف إلى جانب جونسون حتى لا تتبدد أصوات المؤيدين، وبحيث يبقى هيز نائباً لجونسون في رئاسته هو الآخر. إن التحدي الآخر، الذي يواجه الرئيس الآن، هو أن يتصدى لمرشحين اثنين هما (دان كرامر)، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري المرتد الذي أعلن عن تشكيل حزب ثالث، والذي يقف وراءه أبو زوجته اليهودي الثري القادر على جمع تبرعات اليهود الأمريكيين وحشدهم وراء صهره، و (ويس ويستليك) الديموقراطي، الذي يصفه دوجلاس بأنه (ابن زانية.. إسرائيلي أكثر من الإسرائيليين). وإن نجاح أي من هذين المرشحين يعني أن جهوده التي بذلها لترسيخ الروح القومية ستذهب أدراج الرياح.

 في هذا الفصل يختلي الرئيس دوجلاس بصديقه جونسون ويحثه على أن يبذل أقصى جهده للنجاح في الانتخابات القادمة، و يطلب منه أن يطلعه يومياً على نتائج مساعيه، وبالمقابل يعده بأنه سوف يستثمر موقعه في الرئاسة لتذليل العقبات التي تعترض نجاحه في الانتخابات القادمة. 

             

 في الفصل السادس تنتقل الأحداث إلى قصر بالغ الفخامة تحيط به حمايات  شديدة الكثافة، ويطل على نهر موسكو في أحد أطراف العاصمة الروسية. إنه المقر الريفي للرئيس الروسي ( فلاديمير ستيبانوفيتش بوبوف). في غرفة من غرف القصر يجلس الرئيس الروسي مع (اندريه جريجوريفتش سترافينسكي)  وزير خارجيته و ( بوريس الكسندروفيتش روستوف) رئيس جهاز الاستخبارات الروسي " سي. في. آر" ، و الجنرال ( يوري ايفانوفيتش بوزوف)  رئيس مكتب العمليات الأمريكية في جهاز الاستخبارات الروسي. إن بوزوف قد حقق للاستخبارات السوفييتية السابقة إنجازات لا تُقدّر بثمن، وهو الآن يقدّم اقتراحاً بالغ الخطورة، وإذا ما تمكّن  من إقناع الرئيس بأهمية الاقتراح الذي نال إعجاب رئيس الاستخبارات، فإن الحكومة الروسية التي كبّلها التأثير الإسرائيلي على القرار الأمريكي، سوف يكون لها التأثير الأكبر في صناعة هذا القرار . لقد كان اقتراح الجنرال بوزوف هو العمل على اختراق المخابرات الإسرائيلية، والمنظمات اليهودية الأمريكية، عن طريق رجال المافيا الروس الذين هاجروا إلى إسرائيل. لقد اتخذ رجال المافيا هؤلاء من تل أبيب، التي لا تخضع لقوانين غسل الأموال، مركزاً لعملياتهم الإجرامية حول العالم، وبعضهم مرتبطون ارتباطا مباشراً مع مكتب بوزوف، وبدعم منه أصبح لهم تأثير كبير على شخصيات هامة في جهاز الموساد، من بينها مسؤول كبير اسمه الرّمزي (فولجا)، الذي يعني النهر الروسي الذي يجري بغزارة عالية. إن الموافقة على إعطاء بوزوف صلاحيات أكبر سوف تجعل الأسرار الأمريكية، التي تتسرب إلى إسرائيل دون مقاومة ، تتابع طريقها إلى موسكو دون إبطاء، بل إن ما تتمنى موسكو من واشنطن أن تفعله سوف يصبح واقعاً من خلال التحّرك على الاتجاه الآخر من الطريق ذاته. ولإقناع الرئيس بوبوف ووزير الخارجية بوجهة نظره، كشف بوزوف عن أسرار مقتل السفير الأمريكي، التي نفذها الموساد بموافقة خاصة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي أراد أن يحقق مكسبين كبيرين: قطع الطريق أمام التقارب الأمريكي الليبي، وتحطيم الرئيس الأمريكي الذي سيفقد أهمّ أنصاره في مواجهة الضغوط الإسرائيلية. لقد أوضح بوزوف أن رئيس مكتب الموساد في واشنطن اتصل بعميل للموساد اسمه إبراهيم وطلب منه أن يستأجر قاتلاً يونانياً محترفاً اسمه (بيتر) لتنفيذ المهمة. ولأن إبراهيم كان قد استأجر ذلك القاتل من قبل لتنفيذ مهمة لصالح إيران، فقد كان من السهل عليه أن يقنعه أن هذه العملية هي لصالح إيران أيضاً.  " لقد ظن الإيرانيون أن إبراهيم يتعامل معهم وحدهم ، والإسرائيليون يظنون أنه عميل مزدوج، وهو في الحقيقة عميل ثلاثي الأوجه، فإنه هو الذي أبلغنا بالأمر". ثم كشف لهم عن (بعض) أسرار العملية الإسرائيلية (هيبرون)، وقدّم للرئيس شريطاً مسجلاً فيه لقطات من حوار الخمسة الكبار في المزرعة (الآمنة) القريبة من القدس.

             

يعود بنا الفصل السابع إلى العاصمة البلجيكية بروكسل لمتابعة التحقيق في مقتل السفير سورينسون ، وهنا  تدور الأحداث بين مبنى السفارة الأمريكية، والبيت الفاخر الذي كان يقيم فيه السفير القتيل. وخلاصة الفصل أن المحققة شتراوس، عندما تهبط في مطار بروكسل، تشتري جريدتين يوميتين، وتعثر في إحداهما على خبر صغير مفاده العثور على جثة مومس ملقاة في حي ناءٍ على طريق المطار، وبمساعدة صديقها المفوض البلجيكي (جاك)، تحصل على صورة واضحة لصاحبة الجثة. وعندها يأتي دور الحارس الخاص للسفير الذي يتذكر أن صاحبة هذه الصورة قد زارت السفير قبل أيام من مقتله، وكان برفقتها رجل اسمه (بيتر) وامرأة أخرى  سوداء الشعر، خضراء العينين، وأن تلك الأخيرة هي التي أحضرها القتيل في الليلة التي قُتل فيها. قرينة أخرى يلتقطها المفوض البلجيكي، هي قصاصة الورق المكرمشة الملقاة إلى جانب الممر الحجري في مكان إقامة السفير القتيل. لقد كانت قصاصة من صحيفة يومية عراقية.. وإذاً، فإن جريمة قتل السفير كانت لأسباب سياسية، وإن وراءها دولة من الشرق الأوسط. فهل هي العراق التي تبحث عن طريقة للنكاية بأمريكا، أم إيران التي أرادت رمي عصفورين بحجر، أم أنها جهة أخرى؟

             

الفصل الثامن يتحدّث عن صورة السياسي العربي عند الأمريكيين، حيث (الذهب الخالص) بديلاً عن المسدسات الكاتمة الصوت، والشراب المعتّق عوضاً عن الشراب المسموم!..إنها زيارة (وليام راسيل) مستشار الرئيس الأمريكي  للأمن القومي، في السادس من حزيران (يونيو)، لصديقه الثري المغربي منصور شريف (باشا مراكش) المقرّب من الملك المغربي الشاب، وتاجر السلاح الذي لن يبخل على ضيفه بالدعم المالي، الذي أرسله الرئيس دوجلاس من أجله، لتغطية الحملة الانتخابية القادمة. في قصره العامر بأشكال الترف المتجانسة وغير المتجانسة، في منتجع (ميجيف ) الذي شيّدته أسرة روتشيلد، يستقبل منصور صديقه القديم راسيل ويتبادل معه كلمات الترحيب، ثم يطلب لضيفه صنفاً من أغلى أنواع الخمور، أما هو فيطلب لنفسه (ماء). "يجب على المرء ألاّ ينسى أبداً جذوره، وباعتباري بدويّاً، يجب أن أكون مستعداً للعودة إلى الصحراء إذا دعت الضرورة، وهناك ليس أمامي سوى الماء"، فيردّ راسيل: " دائماً أنت فيلسوف يا صديقي، إنني أفتقد حكمتك العالمية عندما أعود إلى الوطن".. تبدو سخريةً لطيفة ، ولكنْ لا بأس، فهما صديقان، وراسيل ضيفه. يسأل منصور ضيفه: "  قل لي يا بيل، ما هي المسألة الفظيعة التي توشك قوتكم العظمى على أن تطلق شرارتها في العالم خلال الصيف؟ هل أنتم بصدد تدمير الهند وباكستان الآن لأنهما اختبرتا قنابلهما النووية مرة أخرى؟ ومن ثم، هل يتعين علي أن ألجأ للصحراء؟".. يتغافل الضيف ويبتسم، ويدخل في صلب الموضوع ملوحاً بأنه جاء من أجل المال، وموضحاً لصديقه أن أمريكا ستواجه مشكلات يصعب تصورها في الشرق الأوسط إذا ما جرى انتخاب السيناتور ويستليك،..، وهناك أيضاً كرامر، وأنت تعرف من أين جاء بأمواله". ويسهب الضيف في حديثه، ولكن المضيف يتغابى ويسأل ضيفه: ".. قل بدقّة أكثر، ما هي المشكلة لكي أتمكن من حلّها؟". ولكنّ مستشار الرئيس الأمريكي لا يتسوّل صراحة، وإنما يكتفي بالاقتراب من الهدف أكثر قليلاً، معتمداً على ذوق مضيفه الذي لابد أن يكون قد أدرك ما حلّ بضيفه من ضيق. هنا يحاول منصور أن يخفف عن صديقه الحرج ، فيتحدث بسخرية لطيفة يطمْئن  ضيفه لما وراءها : " .. إلى جانب هذا يا صديقي، الصهاينة في الولايات المتحدة جعلوني أكسب أموالاً أكثر من أي شخص آخر،  إذ بفضل عرقلتهم لموافقة الكونجرس على مزيد من مبيعات مقاتلات أف-15 للملكة العربية السعودية، تسنى لي ولشركائي السعوديين أن نمضي قدماً في صفقة التورنادو،، عمولاتي ستجعلني مكتفياً طوال حياتي،، كلما وصلني بيان بحساباتي المصرفية أشرب نخب الصهيونية". مرة أخرى، وعلى مائدة العشاء الخفيف، تُطرح الأفكار مع أطباق الطعام المتعددة: يحدّث الضيف مضيفه عن موضوع الاستثمارات المشتركة عارضاً مجموعة من أشكال الاستثمار المغرية، وملوّحاً في الوقت ذاته بأن ذلك لن يكون ممكناً إذا نجح ويستليك في الانتخابات!!. هنا يقاطعه منصور : " بيل، يجب على شعبكم كله أن يعرف أن كل سياسي ما هو إلا بغي!، والبغايا وحدهن هن الأكثر جدارة بالاحترام، على الأقل هن يقدمن ما يعدن به.. الوصول للسلطة والبقاء فيها هناك  ]عندكم[  هما لعبتان مختلفتان.. لماذا أنتم تصرون دائماً على إضاعة وقتكم في محاولة التودد إلى مجموعة أو استعباد أخرى؟،..". ويستمر الحوار إلى أن يصل إلى ذروته، حيث يتكلّم منصور بانفعال محرج للضيف: " ..، هل السيناتور ويستليك  حقيقة بمثل هذا السوء؟! إنه أكثر موالاة لإسرائيل من بقية أعضاء مجلس الشيوخ، حتى أكثر من كرامر، ولكن بالنسبة لهذه النقطة  فإنه لا يبدو  في مثل كفاءة الآخرين، وهذا يعني أنه ربما يتعامل مع قضية الشرق الأوسط بصورة أكثر سهولة من رجل أكثر ذكاءً يظهر في البداية أكثر (إنصافاً)، إذا كانت هذه الكلمة قابلة للتطبيق في أي تقدير أمريكي للشرق الأوسط".. يثور راسيل: "يبدو أنك لم تستوعب بعدُ ما قلتُه. ابن العاهرة هذا الموالي لإسرائيل  ] راسيل [  اكتسح الانتخابات الأولية في الولايات الغربية في مارس وهو في سبيله الآن للفوز بهذا الترشيح اللعين.. من أجل المسيح نريد منك أن تفعل شيئاً حيال ذلك.. الإسرائيليون يفوزون دائما لأنكم تجلسون بلا حراك تأكلون الحمص".. يضحك منصور: " اهدأ، بيل، لقد كنت أستفزك فقط، لأعرف إلى أي مدى يُعتبر ويستليك سيئاً بالنسبة لنا".

عندما ينهض الضيف متوجّهاً إلى فراشه، يعده منصور بأن يرسل له في غرفة نومه ملفاً صغيراً هو "قطعة من الذهب الخالص". وفي سريره كاد راسيل أن يرقص فرحاً!. لقد كان الملف  مجموعة من الصور الفاضحة للسيناتور ويستليك!. لقد كان شيئاً مذهلاً للسياسي الأمريكي المحنك.. إن هذا الملف أكبر من أي دعم كان يتخيله وهو في طريقه إلى هذا القصر.. ولكنْ، كيف استطاع منصور أن يحصل عليه؟ . لقد سبق الأمريكيين أنفسهم في لعبة الانتخابات الأمريكية.."اللعنة، لقد كان منصور يلعب بي".

 وفي واشنطن، كان ويستليك يتلقى المكالمات من خليلاته وهن يطلبنه بلهفة لا يدري سببها.

             

يعود بنا الفصل التاسع إلى البيت الأبيض لنتعرف على أسباب اللقاءات الخاصة التي كانت تتم بين السفير القتيل سورينسون  وبين السفير الليبي فزاني. هنا يظهر الرئيس وهو يتحدث إلى القاضي (بيكر) مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي والمحققة شتراوس، وبحضور مستشاره للأمن القومي راسيل. يبدو على الرئيس الحزن العميق وهو يتكلّم موضحاً أنه هو الذي عرض على صديقه سورينسون أن يبادر فيوطد علاقاته مع السفير الليبي.. لقد كانت هناك سبب قاهر اضطره لهذا التصرف.. إنهم الأمريكيون المحتجزون في لبنان. لقد عجزت كل المؤسسات الأمريكية أن تكتشف أماكن المحتجزين، فضلاً عن الإفراج عنهم، فكان عليه أن يبحث عن وسيلة أخرى، التزاماً منه بالعهد الذي قطعه على نفسه أن يعمل على خدمة الأمريكيين.. وهنا جاءه الفرج عن طريق (منصور) أحد أصدقاء راسيل، الذي نقل له استعداد الليبيين للمساعدة في الإفراج عن المحتجزين. وبعد أن عرض الأمر على سورينسون أبدى الأخير استعداده لهذه المهمة، مخاطراً بسمعته التي ستلوكها ألسنة هؤلاء العاملين في وزارة الخارجية، والذين "ليس بوسعهم سوى التفكير في البروتوكول وقيود السياسة". . ثم فشل الرئيس في كتم انفعالاته فوضع يديه على عينيه، وأدار لهم ظهره..  في نهاية الحديث تتحدث  المحققة شتراوس قائلة: " إن الليبيين  شعروا بالغضب لأن القناة التي كانت تربطهم بالبيت الأبيض قد أغلقت"، فيرد الرئيس: " حسناً، إنها أغلقت بالفعل إلى أن تتأكدوا ما إذا كان الليبيون متورطين في موت (ديك)..، إنه لم يكن سفيراً أمريكياً وحسب، لقد كان أفضل أصدقائي وأريد أن أعرف من فعل ذلك، سواء إذا ما تمكنّا من إثبات ذلك أمام المحكمة أم لا.. هذه المرة سنمحو طرابلس بمعنى الكلمة من الخريطة..هذا وعد!".

             

 في الفصل العاشر تكتشف القاتلة (جاكي ماركوفيتش) أن الإيرانيين لم يضعوا في حسابها في جنيف أتعابها عن عملية بروكسل، فلا تجد أمامها بداً من الاتصال مع السفارة الإيرانية في باريس للاستفسار. يتصل مساعدها (بيتر) بالسفارة الإيرانية طالباً التحدث إلى (شادر قوير) المسؤول رسمياً عن الشؤون الدينية، والمندوب السرّي للحرس الثوري في فرنسا. لقد كان قوير صلة الوصل بين الحرس الثوري وبين (بيتر) في كل العمليات التي قام الأخير بتنفيذها لحسابهم. وأثناء حديثه الهاتفي مع بيتر يستشعر قوير الخطر بسبب إلحاح الأخير على ضرورة اللقاء العاجل.. بحديث رمزيّ،  يتفقان على موعد، وفي الموعد يأتي قوير ومعه مساعدان، ويجلس على الطاولة أمام بيتر وهو يهمس متسائلاً عن السبب في هذا اللقاء. وعندما يسأله بيتر عن أتعاب قتل السفير الأمريكي في بروكسل، يثور الرجل في وجهه، ويبلغه أن ثمة جهة أخرى قد خدعته: " هل جننت لدرجة أن تفكر ولو لدقيقة واحدة أنه من الممكن أن تفعل هذا الشيء؟! ألا تعلم أيها المعتوه أن قتل سفير يعامل في القانون الدولي كعمل من أعمال الحرب؟ هل جننت؟!". يستشعر بيتر أن الرجل صادق معه، وهو الذي كان دائماً صادقاً معه في التزاماته، ولكنه يندفع هو الآخر بدون روية: " لقد تم اختراقكم. رجالكم ليس لديهم أية ضوابط أمنية. لديكم الكثير من الدوافع، الكثير من الأموال ، الكثير من الكراهية، ولكن أين هي الاحتياطات الأمنية؟". القاتلة جاكي التي كانت تراقب من شرفتها المطلة على المقهى تهمس لبيتر عبر جهاز الاتصال الخاص المركب فوق أذنه، أن الإيراني صادق فيما يقول، وأن عليه أن يعتذر له، معتبراً أن القضية قد أُغلقت، وأنه سيكون سعيداً بتنفيذ أية مهمة أخرى يطلبها منه. ينهض الإيراني دون أن يمد يده إلى فنجان القهوة الذي أمامه، فيما يتفق بيتر و جاكي على موعد يتدارسان فيه ما سيفعلانه.

             

وفي الفصل الحادي عشر، يُعقد اجتماع آخر في المزرعة الآمنة قرب القدس.. المشاركون في هذا الاجتماع هم الخمسةُ السابقون ومعهم (ديفيد تيرون)، مسئول مكتب الموساد في واشنطن، الذي جاء بناء على طلب رئيس الوزراء ليقنع الآخرين بالموافقة النهائية على عملية هيبرون. في البداية يتحدث رئيس الوزراء موضحاً لمن معه أهمية الاجتماع الذي هم فيه: " إن قراراً بعدم المضي قُدُماً، مثله تماماً مثل قرار المضي قدماً، سيقرر مصير أمتنا خلال السنوات القادمة، ومن ثم فإن امتناعنا عن العمل لن يقلل من مسؤوليتنا إزاء هذه المسألة الحساسة"، " إنني أرغب - بل يجب - أن أتحدث بكل صراحة: إنه لا مفر من أن تعطوني رأيكم ، استناداً إلى خبرتكم وإخلاصكم لإسرائيل". وبعد التذكير بالسرّية الكاملة لهذه العملية التي سترافقهم إلى قبورهم، يطلب من رئيس الموساد أن يتكلم.  يعيد الجنرال شتيرن، رئيس الموساد، الحديث عن المآزق التي تعيشها دولة إسرائيل نتيجة التغيرات التي اجتاحت العالم الإسلامي، وعن الرفض الأمريكي غير المسبوق لطلب الحصول على قروض عاجلة للمستوطنات في الضفة الغربية. ثم يختتم حديثه  قائلاً: "بدون تصميم الولايات المتحدة على ضمان بقائنا، سوف نتلاشى. إن هذا أمر مؤكد  تماماً، مثل اجتماعنا هنا اليوم". وهنا تغرق الغرفة في صمت مطبق.. لقد أدى هو ورئيس الوزراء الدور بكل نجاح، وبقي دور تيرون الذي سيكمل الخناق على البقية الباقية من عوامل التردد في نفوس المجتمعين.  كان حديث مسؤول الموساد في واشنطن أكثر تشاؤماً من حديث سابقَيه، إذ تحدث عن القيود التي وضعتها الحكومات الأمريكية المتعاقبة في وجه جماعات الضغط، وأثر ذلك على الجماعات الموالية لإسرائيل، كما تحدّث عن التغير المتواصل في تركيبة المجتمع الأمريكي العرقية، وأثره في تغير موازين القوى الضاغطة سياسيّاً، وأسهب في الحديث عن دوره الذي يلعبه هو وزملاؤه الصهاينة في الولايات المتحدة لتزييف الكثير من الحقائق،  الأمر الذي كان له الدور الأكبر في المحافظة على بقاء الصوت اليهودي مرتفعاً. ثم تعرض للحديث عن الانتخابات السابقة، وما أدت إليه من وصول دوجلاس إلى البيت الأبيض. واختتم تيرون حديثه قائلا: " واختصاراً أيها السادة،  فإنه لتلبية أهدافنا الوطنية، لم يعد كافياً التأثير على أعضاء الكونجرس ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة. يجب علينا أن نبحث عن وسيلة أو وسائل أكثر تطرفاً للحفاظ على مكاسب الأعوام الماضية، اسمحوا لي أن أكون أكثر شجاعة للقول بأننا يجب من الآن فصاعداً أن نناضل أينما يتاح لنا لنضمن السيطرة المطلقة على الفاعلين الرئيسيين في الحكومة الأمريكية". أنهى تيرون كلامه، وعاد رئيس الموساد للكلام، كاشفاً عن التفاصيل النهائية لهذه العملية: "على مدى أكثر من عشرين عاماً، وجهازنا يسيطر على سيناتور أمريكي بارز، إنه ليس يهودياً، - أكرر- إنه ليس يهودياً.. لقد تم تجنيده كعميل خلال أيامه الأولى في مجلس الشيوخ. وفي الأيام الأخيرة، ونظراً لمناوراته السياسية، أصبح يتمتع بنفوذ متزايد ، ونحن نتعامل معه على أساس أنه (عميل صاحب نفوذ)، كما نقول في مهنتنا، وعلى الرغم من أن قيمته الرئيسية هي في كونه عميل تجسس يغطي قرارات السياسات العليا في واشنطن، فإنه، كما تعلمون، ليس عميلنا الوحيد في أمريكا ولكنه إلى حد بعيد، أكثر أرصدتنا السياسية سريّة وأعلاها منزلة هناك"، " أؤكد أن هذا الرجل ليس مجرّد متعاطف آخر، وإنما هو عميل يخضع لسيطرتنا، ويحصل على أتعاب مثل بولارد.  إن ولاءه الأوّل لنا، ولقد اختبرنا ذلك عبر ضغوط عديدة تعرّض لها خلال العقدين الماضيين.. الآن نشأ وضع سياسي يوفر لهذا الشخص فرصة خوض انتخابات رئاسة الولايات المتحدة، ومن المؤكد أن حزبه سيختاره مرشح الحزب لمنصب الرئيس". وفي نهاية حديثه، أخرج شتيرن ملفاً من حقيبته وقال: " هذا الملف سوف يكشف - للمرة الأولى- لكم ولرئيس الوزراء أيضاً عن هوية هذا العميل. إن العميل نفسه لا يعرف أن اسمه الرمزي هو هيبرون، وذلك تحسباً لأي خطأ  قد يقع"، "وفي النهاية فإن عليكم أن تعطوا انطباعكم لرئيس الوزراء، لأنه هو صاحب الفكرة، ونحن في الموساد مجرّد منفذين لتعليماته". وعندها يتم تمرير الملف الذي يحدد هوية العميل عليهم. ثم يطلب رئيس الوزراء تصويت الخمسة على العملية فيوافقون كلهم.. يشربون نخب (عملية هيبرون) ويرتّل رئيس الوزراء: " ليباركنا الله ويبارك أمتنا وأطفالنا وأطفال أطفالنا". بعد أن ينتهي الاجتماع يطلب رئيس الوزراء من رجلي الموساد التوجه معه إلى الغرفة المجاورة ويطلب منهما التخلص من أي شيء له علاقة بالأعمال السابقة التي نفذوها دون علم بقية أفراد مجموعة الخمسة.  وبعد خروجهما يتفق الرجلان على ضرورة التخلص من إبراهيم لأنه الوحيد الذي يعرف علاقة الموساد بمقتل السفير الأمريكي.  

             

إذا كانت السياسة تسمى (فن المراوغة والخداع)، فبماذا تسمى الجاسوسية؟!.

 في الفصل الثاني عشر يكتشف القارئ أن جنرال  المخابرات الروسية بوزوف هوعشيق القاتلة الصربية (جاكي) التي قتلت السفير الأمريكي!. لقد كانت تقدم له المساعدة التي يريدها، وكان هو الآخر يقدم لها الهدايا الثمينة. وكل هذا إلى جانب الحب الجارف الذي (يظهره) كل منهما للآخر.. في مهمة عمل طارئة لا يعرف رؤساؤه عنها إلا أنها مهمة باهظة التكاليف، يتجه الجنرال الروسي إلى جزيرة ( يوركا) الإسبانية. مكاتب الاستخبارات الروسية تظل في حالة طوارئ في كل المحطات التي يمر بها في رحلته تلك، ذهاباً وإياباً. وفي شقتها الصغيرة المشرفة على ميناء في الجزيرة، تلتقي القاتلة وعشيقها الذي اتفقت معه على اللقاء، بعد إلحاح منها ورجاء. وفي اللقاء تخبره أنها هي التي قتلت السفير، وأن الجهة التي تعاقدت معها لتنفيذ المهمة قد خدعتها ولم تدفع لها أتعابها. يثور لجنونها وتهورها، ولكنها تلح عليه لكي  يخبرها عمن خدعوها. وفي النهاية يحدثها عن الغضب الإسرائيلي من اللقاءات التي كانت تجري بين السفير القتيل وبين السفير الليبي، والتي كان يمكن أن تؤدي إلى تحسن العلاقات بين ليبيا والولايات المتحدة. هنا تدرك القاتلة أن الذي سخّرها هو جهاز الموساد، ولكنْ من الذي أكل عليها أتعابها؟.. هي تريد أن تعرف الجهة التي تطالبها بحقوقها، وهو يحرص على أن يبعدها عن القدس خوفاً على عميله (فولجا). وهنا يصل معها إلى قناعة بأن الشخص الذي يمكن أن يقوم بمثل هذه العملية لابد أن يكون  مندوب الموساد في واشنطن، لأن  مثل هذه الأعمال من مهامه.. ولكن من هو هذا المسؤول؟. هو يمتنع عن الإجابة، وهي تكتفي بما سمعت لأنها تدرك أن صديقها يعرف النتائج المرة التي سيجنيها إن هو تكلم صراحة ثم وقع خطأ ما. وفي الصباح تذهب إلى هاتف عمومي وتتصل بمساعدها بيتر لتتفق معه على لقاء طارئ في اليوم الثاني.

             

 في الفصل الثالث عشر يعرف بوزوف، وهو في بلجيكا عائداً من إسبانيا أن عليه أن يتوجه إلى موسكو فوراً. وعند وصوله إلى منزله يجد رسالة هاتفية مسجلة تطلب منه أن يذهب إلى مكتب رئيسه في العاشرة من صباح الغد، من أجل لقاء طارئ. وهناك يطلعه رئيسه على فكرة مجنونة خطرت على بال الرئيس الروسي، هي أن يخبر الأمريكان بعملية هيبرون. ويلحّ رئيس الاستخبارات على أنه يجب إزالة هذه الفكرة من رأس الرئيس ، وإلا أدت إلى عواقب وخيمة جداً على المخابرات الروسية وعلى العملاء الروس في إسرائيل بشكل خاص.

 لقد كان الرئيس الروسي بحاجة إلى دعم مالي من مجموعة الدول السبع وصندوق النقد الدولي، وكان يرى أن إبلاغ الرئيس الأمريكي بهذه المؤامرة سيجعل للروس يداً عنده، وبالتالي سوف يؤيد منحهم الدعم المالي. وفي الحقيقة فقد كانت الفكرة هي فكرة وزير الخارجية، الذي كانت له، إلى جانب ذلك، حسابات أخرى..

يحضر الرئيس الروسي ووزير الخارجية إلى مكتب رئيس الاستخبارات، ويدور حوار متوتر يفوز في نهايته وزير الخارجية الذي يقنع الرئيس، ليس بالفكرة فقط، وإنما بطريقة تنفيذها التي يجب ألا تتدخل فيها أجهزة الاستخبارات الروسية، وإنما تتم بشكل دبلوماسي وعن طريق وزير الخارجية مباشرة، وبأقصى سرعة. هنا يستشعر رجلا الاستخبارات الكارثة التي تنتظرهما على أيدي "السياسيين الحمقى الذين يسببون الكوارث لبلادهم من أجل مكاسب تافهة"، ولكنهما يجدان تعزية في أنهما لم يبلغا الرئيس ووزير الخارجية عن اسم العميل هيبرون.

             

 في الفصل الرابع عشر، وبعد ثلاثة أيام من اللقاء في مكتب الاستخبارات الروسية، يلتقي وزير الخارجية الروسي بسرية شديدة مع وليام راسيل مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي في فندق في نيويورك. كان ذلك في ساعة متأخرة من يوم الأحد ، حيث كان الوزير الروسي قد جاء بحجة حضور مؤتمر عن مشكلة البلقان. لقد كانت صدمة مذهلة للمستشار الأمريكي، الذي اقتنع أن ما أبلغه إياه الوزير الروسي ليس لعبة روسية لابتزاز الرئيس الأمريكي الذي يواجه انتخابات مصيرية، بل الراجح أنها مؤامرة إسرائيلية حقيقية.. ولكنْ، هل يجرؤ المستشار، أو حتى الرئيس، على طلب التحقيق في هذا الأمر؟!. السياسي الروسي يطلب أيضاً أن يظل الدور الروسي مخفياً عن الجميع في الولايات المتحدة ، ماعدا الرئيس ومستشاره، وكذلك يطلب أن يتذكر رئيس الولايات المتحدة هذه المساعدة العظيمة من الحكومة الروسية ومن الرئيس الروسي المنتخب ووزير خارجيته، ويتعهّد أيضاً بأن يقوم شخصياً بإبلاغ صديقه راسيل باسم العميل هيبرون فور أن يحصل مكتب الاستخبارات الروسي عليه. وبعد ساعات قليلة، كان راسيل في البيت الأبيض ينتظر وصول الرئيس دوجلاس ليخبره بأنباء الصاعقة التي حلّت عليهما.

 لم يكن الرئيس الأمريكي قادراً على تصديق ما سمعته أذناه، ولكنه أدرك أن ثمّة لعبة خطيرة للنيل من الولايات المتحدة، وأنه لا بد أن يكون الروس أو الإسرائيليون هم ذلك اللاعب الخطير الذي يجب أن يدفع ثمن لعبته هذه. ولخطورة الأمر فقد أعلن الرئيس لمستشاره أنه سيتولى بنفسه متابعة هذه المسألة لأنها "ربما تكون آخر إسهام عظيم أقدمه لهذه البلاد". ثم اتصل بسكرتيرته طالباً منها أن تحضر القاضي بيكر والمحققة شتراوس، وأن تلغي جميع مواعيده الأخرى. وبعد دقائق وصل رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية ومعه المحققة.

             

في الفصل الخامس عشر تظهر المحققة شتراوس في دوائر مكتب التحقيقات وهي تتحاور مع العاملين في هذه الدوائر بطريقة هي أقرب إلى (حوار الطرشان)، فلا هي تستطيع أن تكشف لهم عمّا تبحث عنه، ولا هم قادرون على فهم ما تريد منهم أن يفعلوه!. لقد أصبحت قضية مقتل السفير الأمريكي في بروكسل ذريعة مناسبة للدخول في البحث عن هدفها، وإذاً فإن إيحاءها للعاملين في مكتب التحقيقات بأن هناك احتمالاً في أنّ للإسرائيليين يداً في مقتل السفير، سوف يساعدها على أن تطلب منهم أموراً أخرى لا يعرفون عنها شيئاً. لقد طلبت منهم تغطية كاملة "بالبطانية"  لتحركات الإسرائيليين في الولايات المتحدة: كل كلمة  تحمل معنيين ترد عبر أجهزة الهاتف التي يستعملها موظفو السفارة الإسرائيلية، كل كلمة أو إشارة صوتية تحمل معنى رمزياً، كل مكالمة هاتفية بين المنظمات اليهودية فيها حديث عن الانتخابات القادمة، تغطية كاملة لتحركات تيرون مسئول الموساد في السفارة الإسرائيلية، كل إشارة عن اسم (بيتر)، كل إشارة عن مكتب التحقيقات الفيدرالي، وكل إشارة للعاهرات!!. لقد أشعرتهم أن الرئيس قد التاث عقله لمقتل صديقه السفير، وأنّ على كل العاملين في مكتب التحقيقات أن يصابوا بهذه اللوثة إلى أن يتم الكشف عن الجهة التي تقف وراء هذه الجريمة!.  ثلاثة فقط كانوا يعرفون ما تريده المحققة، إنهم (جيم) أمهر العاملين في المكتب في مجال مكافحة التجسس، و(كريستينا) أفضل محللة معلومات، و(سانشيز) المتخصص في عمليات التجسس الإلكتروني. لقد أخبرتهم المحققة عن مؤامرة هيبرون التي يديرها تيرون.

خلال أسبوع يلتقط المتابعون للمكالمات الهاتفية حواراً بين تيرون وبين مساعد رئيس الموساد في القدس يتكلم فيه مساعد رئيس الموساد ناقلاً طلب رئيسه الذي يريد تقارير يومية عن (مدينة في الضفة الغربية) اسمها باللغة العبرية (هيبرون)، فيثور تيرون على الهاتف ثورة غير معهودة، ويصرخ مهدداً الآخر بأنه سوف يقتله!.. وبدون أي انتظار يتم تحويل المكالمة إلى أذني شتراوس التي أصبحت على يقين بأن "هناك هيبرون على الساحة"، وأن عليها أن تركز جهودها على منع وقوع الكارثة.

             

في الفصل السادس عشر تذهب المحققة شتراوس إلى بروكسل بناء على طلب ملحّ من صديقها  المفتش البلجيكي الذي يعثر على صورة  كانت وزارة الداخلية الفرنسية قد وزعتها قبل عامين على أجهزة الأمن الأوربية والأمريكية، وفي الصورة يظهر القاتل المحترف بيتر جالساً في أحد المقاهي الفرنسية وهو يتحادث مع الإيراني قوير. تطلب المحققة من المفتش أن يمسح صورة الإيراني ويوزع صورة بيتر على أجهزة الأمن الروسية والأمريكية والأوربية، طالباً أية معلومات يعرفها أحد عن صاحب الصورة.

الآن بدأت الأحداث توضح سبب وجود قصاصة الجريدة العراقية في حديقة بيت السفير القتيل، ولكنْ هل إيران هي التي فعلت ذلك؟؟ هناك شك في ذلك، والوسيلة الأنسب لإزالة هذا الشك هي العثور على المومس التي جاءت إلى بيت السفير في ليلة مقتله، والتي لابدأن تكون هي القاتل الحقيقي، ولكنْ من هي، وأين هي؟. تطرق المحققة لحظة ثم تخاطب نفسها: "مادامت القاتلة على هذه الدرجة من الذكاء، فسوف تختفي تحت أنوفنا مباشرة ". 

             

في الفصل السابع عشر يسلّط الكاتب الضوء على اثنين من الثلاثة المرشحين  للبيت الأبيض، الأول هو جورج جونسون ابن الأدميرال، وحفيد الأرستقراطي الذي كان عضوا في مجلس الشيوخ وحاكم ولاية أمريكية.. لقد نشأ جورج في أسرة لا تعرف الكسل، وليس في قاموسها كلمة خسارة. لقد كان دائماً متفوقاً في كل أمور حياته منذ أيام دراسته الابتدائية، حتى في ألعابه. ومن خلال الحديث عن حياة جونسن يعرف القارئ  أن زوجته مدمنة على الخمر، وأن علاقته بمنزله هي علاقة ارتباط رسمية، وأنه لا يشعر بقلق لهذا، وإنما يقلقه أن الأضواء قد تتجه نحو زوجته، فتكشف عن بعض الجوانب التي ستحرجه في الانتخابات التي باتت على الأبواب..

 يذهب جونسون إلى بيته فيجد رسالة بانتظاره من وليام راسيل يطلب منه أن يتصل به فوراً. وخلال المكالمة يخبره راسيل أن هناك أشياء طيبة وعاجلة وأنه يريد أن يطلعه عليها مواجهةً. وفي مكتبه في مجلس الشيوخ يستقبل جونسون مستشارَ الأمن القومي راسيل الذي يسلّمه الملف الذي أعطاه إياه (صديق أوروبي)، ويطلب منه ألا يبلغ الرئيس عن هذا الملف، فهو سر بين الاثنين. إن هذا الملف سوف يدمر ويستليك إن استطاع جونسون استثماره بشكل مناسب، فكيف سيستثمره؟..

 في مكان آخر نجد ويستليك  يرتعش على طرف سريره وهو يستمع إلى  صوت إحدى المومسات تخبره بأن هناك من جاء يسألها عن علاقتها به!! ، وأنها أجلت الإجابة على هذا السؤال، ولكنها قد تضطر لذلك لأنها بحاجة إلى  مبلغ خمسين ألف دولار، والآخر مستعد للدفع مقابل المعلومات التي لديها!. لم يكن بوسع ويسليك إلا الموافقة على دفع المبلغ، وعبر الهاتف يتواعد معها على اللقاء في مكان ما حيث سيضع لها المبلغ في علبة حلويات. على الطرف الآخر من خط الهاتف، كان هناك رجل وامرأة يتبادلان النظرات وبينهما جهاز يسجل الحوار بينها وبين ويستليك.

 في بروكسل يتمكن المفتش البلجيكي من الحصول على المزيد من المعلومات عن القاتلة (جاكي) التي تحمل جواز سفر ألمانياً.

 ومن جنيف تتصل جاكي بصديقها جنرال المخابرات الروسي الذي يخبرها أن صورة بيتر قد تم توزيعها على أجهزة الأمن الأوروبية والأمريكية، وأنه أصبح يشكّل خطراً عليها.. إنها الآن تواجه مشكلتين: أن تنجو بنفسها من مطاردة الأمريكيين، وأن تنال حقها من الموساد، أو أن تنتقم لكرامتها ولتعبها، ولأجل ذلك كلّه فإن عليها أن تعمل "تحت أنوف الأمريكيين مباشرة". تذهب إلى قرية نائية عن جنيف لمقابلة بيتر الذي تقنعه بأن يذهب إلى واشنطن ويتتبع رجل الموساد في السفارة الإسرائيلية ديفيد تيرون، ليعرف مواعيده، وأماكن تواجده، ريثما تلحق هي به.

             

في الفصل الثامن عشر يلتقي هيبرون و تيرون في أحد فنادق واشنطن وسط إجراءات أمنية بالغة الحذر، وهناك يتسلم الجاسوس العميل مبلغاً ضخماً من المال ومعه تعهّد بأن يتولى الموساد تغطية تكاليف حملته الانتخابية. لم يكن أحد يعرف عن هذا اللقاء سوى (آبي) حارس تيرون وسائقه ، الذي كان على باب الجناح في الفندق يحرس الرجلين.

             

في الفصل التاسع عشر تزداد حدة التوتر في مكتب التحقيقات الفيدرالي في واشنطن، حيث تتصل  القاتلة جاكي من مطار زيوريخ بالمكتب لتبلّغ عن معلومات خطيرة ، وعلى الطرف الآخر من خط الهاتف تستمع المحققة شتراوس إلى امرأة تقول إنها شاركت في تنفيذ عملية قتل السفير الأمريكي في بروكسل، وإن هناك رجلين استخدماها لمساعدتهما في تنفيذ هذه الجريمة، هما زميلها القاتل المحترف اليوناني (بيتر) الذي لا تعرف اسمه الحقيقي، والموجود حالياً في واشنطن، و ديفيد تيرون،  مندوب الموساد في واشنطن، وإنها تخاف على نفسها من أن يقوما بقتلها. لقد ذُهلت المحققة لهذه المكالمة!. فمن هي التي اتصلت؟ ولماذا؟ وهل إسرائيل وراء الجريمة حقيقة؟. لقد كانت تتمنى أن تكون إيران أو العراق أو ليبيا، ولكن الحقائق بدأت تفرض نفسها عليها..  ويبدأ العقل المحترف بتحليل المكالمة: فالمتكلًمة لابد أن تكون هي القاتلة، والذي دفعها للاتصال بمكتب التحقيقات ليس الخوف، فليس من العقل أن تورّط نفسها بملاحقة مكتب التحقيقات الذي سيعجز عن حمايتها إن كانت صادقة في إظهار خوفها. وإن كان الإسرائيليون هم وراء هذه الجريمة فلا بد أن تكون القاتلة من النوع المتميّز جداً، فالإسرائيليون لا يستخدمون الهواة، وفي هذه الحالة فإن القاتلة لابد أن تكون قد أثبتت وجودها من قبل، وهذا يحتاج منها إلى تدريب شاق ومهارات فذة لابد أن تكون معروفة لدى البعض  وهنا ترجع حلقة البحث إلى المربع الأوّل، ولكن باتجاه آخر.. إنها المنظمات السرّية التي يمكنها وحدها تخريج مثل هذه الكفاءات، فأين ومتى تدرّبت هذه القاتلة. ويقود البحث في الملفات الصفراء في مكتب التحقيقات إلى منظمة هنري كوريل مؤسس الحزب الشيوعي في مصر، أشهر مدرّب إجرام ظهر حتى الآن. وفي ملفات كوريل يتم العثور على صورة لقاتلة تظهر وهي في أيام تدريبها الأولى، حيث أثبتت كفاءة نادرة وجرأة غير عاديّة.  وبمشاركة الاستخبارات الفرنسية، التي كانت قد تمكنت من اختراق منظمة كوريل من قبل، يُعرف اسم والد القاتلة الصربي الذي كان عميلاً للمخابرات السوفييتية ك.ج.ب.، واسم والدتها القاتلة المحترفة النمساوية..

 وفي مقرّها في واشنطن، تتلقى القاتلة مكالمة من صديقها الجنرال الروسي الذي قلب الدنيا بحثاً عنها، ليخبرها أن رجال التفتيش البلجيكيين قد اقتحموا بيتها في بروكسل.. لقد تم التعرف عليها، وإذا فالمخرج الوحيد هوالتضحية بمساعدها بيتر ، وإن عليها الآن أن تجعل أنظار الأمريكيين تبحث عنه.

             

في الفصل العشرين يتّجه تيرون إلى تل أبيب من أجل أن يحصل على مبلغ عشرة ملايين دولار لتغطية تكاليف الأسبوعين الباقيين على الانتخابات. وفي اللقاء السري الذي جمع تيرون ومدير الموساد ورئيس الوزراء، يبدي رئيس الوزراء قلقه من التقارير التي كانت تصله من السفارة في واشنطن، والتي تفيد أن مكتب التحقيقات يراقب السفارة بشكل غير عادي، ولكنّ تيرون يبرر ذلك بأنه بسبب الانتخابات القادمة، وأن الأمريكيين يراقبون السفارة من أجل أن يتأكدوا أنه لا توجد اختراقات قانونية. تيرون يستلم من مدير الموساد أربعة ملايين نقداً، ليسلمها لهيبرون مباشرة، فيما ستتولى إدارة الموساد في تل أبيب إيصال الملايين الستة الباقية للمسؤولين عن حملة هيبرون الانتخابية عن طريق المنظمات اليهودية في أمريكا. 

ثم ينتقل المؤلف إلى نيويورك ليصور لقاء صحفياً مع المرشح دان كرامر، حيث يُظهر هذا الأخير أن ولاءه لإسرائيل لن يتغيّر سواء نجح في الانتخابات أم لم ينجح.

             

الفصل الحادي والعشرون يتحدث عن علاقة المرشح ويستليك بالمنظمات اليهودية، ويصوّر لقاء تمّ في مكتب المرشح الديموقراطي، يضم مجموعة من كبار زعماء هذه المنظمات، وقد حضروا لتقديم دعمهم لمرشّحهم، الذي تعهّد بأن يكون أوّل قرارين يتخذهما فور وصوله إلى البيت الأبيض هما نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتقديم القروض لحكومة إسرائيل من أجل بناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية. ومفاجأة أذهلت المحققة ليندا شتراوس ودفعتها إلى تقديم استقالتها، وذلك أنها اكتشفت أن والدها سيدني شتراوس ، كان هو الذي يتولى جمع التبرعات اليهودية لصالح ويستليك، بل أكثر من ذلك، فقد ذهب، بطلب من ويستليك، إلى السفارة الإسرائيلية لمقابلة مندوب الموساد تيرون وأخذ مبلغ من المال لتغطية تكاليف الحملة. في مكتب رئيس مكتب التحقيقات، يستقبل القاضي بيكر المحققة، ويقنعها بأن ما يفعله والدها لا يخرج عن القانون، وأنه هو بيكر كان يعرف حقيقة والدها عندما أسند إليها مسؤولية التحقيق في مقتل السفير وفي قضية هيبرون. وفي النهاية يطلب منها أن ترجع إلى مكتبها لتكتشف قاتل السفير ولتأتي بهيبرون حياً أو ميتاً.

 المرشح الجمهوري جونسون يظهر أيضاً وهو يبدي قلقه لزوجته بسبب شحّ الأموال التي تلزمه في حملته الانتخابية، ولكّن زوجته الطامحة للوصول إلى البيت الأبيض تهوّن عليه الأمر، وتخبره أنها تكلّمت مع والدها الثري حول هذا النقطة، وأنّ والدها بانتظار إشارة منه ليقدّم له الدعم المالي اللازم. تستوقف القارئ هنا عبارة جاءت على لسان الزوجة وهي تشير إلى الفضائح التي تعيشها الطبقة السياسية في واشنطن، وذلك في معرض ردها على سخرية زوجها من وعود أبيها، خاصة بعد الحديث عن مغامرات المرشح الآخر ويستليك.. لقد سمع الناس وقرؤوا عن فضائح الرئيس كنيدي مع المغنية مارلين مونرو، وكيف قتلت للحفاظ على أسرار البيت الأبيض، وعن الخلافات التي كانت تنشب بين نيكسون وزوجته بسبب إحدى الموظفات في طاقم إدراته، وعن مغامرات نانسي ريغن وضيوفها الذين لم تكن تتحرج من استقبالهم علانية في البيت الأبيض، وما فعلته مونيكا لونسكي مع بيل كلينتون، وكيف أن نتنياهو حمل الأشرطة المصورة، ووضعها أمام كلينتون، وهو يحاوره حول ضرورة محاربة الإرهاب الدولي.. فهل أراد الكاتب أن يحذّر من تأثير هذه الأخلاقيات على صناعة القرار السياسي في البيت الأبيض ، أم أنه أراد أن يبيّن للذين يتعاملون مع البيت الأبيض بعض المسالك التي يمكنهم أن يسلكوها لتحقيق أهدافهم؟

             

في الفصل الثاني والعشرين يحاول مكتب التحقيقات معرفة شخصيّة هيبرون من خلال الضغط على أعصابه، ودفعه لارتكاب خطأ يدلّ عليه. القاضي بيكر (رئيس مكتب التحقيقات) يتّصل بالمرشحين الثلاثة ويطلب منهم أن يقابلوا المحققة ليندا شتراوس وزميلها  جاك سانشيز لأمر يتعلّق بأمن البلاد. في مكتبه في مجلس الشيوخ يستقبل ويستليك المحققَين وهناك يتذكّر اسم سيدني شتراوس الذي يعمل في فريق حملته، ويسأل المحققة عنه فتخبره أنها ابنته. تتجاهل المحققة علاقة والدها بالمرشح وتسأله إن كان يعرف شخصاً اسمه ديفيد تيرون، فيجيب بأنه يعرفه، وأنه التقى به أكثر من مرة، فقد زاره تيرون هذا في مكتبه وفي بيته، وتساءل إن كان هذا يخالف القانون؟  تبيّن له المحققة أن  تيرون هذا هو مندوب الموساد في واشنطن، وأنّ هناك محاولات أجنبيّة للتأثير في الانتخابات بصورة غير قانونية، موضحة أن هذا سيكون له عواقب وخيمة على المرشح الذي رضي لنفسه السقوط في هذا المستنقع. وفي النهاية تقدّم له بطاقتها، موضحة أنهما سيعودان إليه بعد الانتخابات مباشرة.  السيناتور يقف على رجليه طالباً منهما أن يهتما بنفسيهما، وأن يتركاه يتابع حملته الانتخابية.  ثم يشيّعهما إلى الباب والغضب يكاد يعصف به. ويتكرر المشهد مع المرشح الجمهوري جونسون الذي يؤكد أنه لم يسمع بأحد يدعى تيرون، بل يسأل عن هذا الشخص من هو؟ فتجيبه شتراوس بأن هذا هو ممثل الموساد في واشنطن. وهنا يثور جونسون ويصرخ في وجهيهما طالباً منهما أن يذهبا إلى ويستليك لأنه هو الذي يعرف هؤلاء الإسرائيليين جميعاً، أو ربما يكون كرامر الذي استطاع أن يحقق في هذه الحملة إنجازات ضخمة من لاشيء. وهنا أيضاً تؤكد له المحققة أن التدخّل هذه المرة إنما يتم بصورة غير مشروعة وأنّ مكتب التحقيقات سيصل إلى معرفة المرشح المتورط إن عاجلاً أو آجلا. عندها يعرض جونسون عليهما مساعدته، لأنه يرى أنّ ذلك من واجبه. أمّا كرامر فيظلّ يتهرب من لقائهما إلى أن يجدهما بانتظاره قبل دقائق من مؤتمر صحفي. وهناك يبلغه أحد أعوانه أنّ المندوبَين لن يبرحا حتى يلتقي بهما. يعتذر للحضور بأنه بحاجة لترتيب أفكاره، الأمر الذي لن يستغرق إلا دقائق معدودة. وفي اللقاء ينفجر بوجهيهما لأنهما "يحاولان استغلال كون زوجته يهودية"، ويهددهما بأن عليهما أن يبحثا عن عمل آخر إن هو نجح في الانتخابات. وإلى جانب هذه اللقاءات كانت رسائل أجهزة الفاكس والهاتف والبرقيات تتوالى على مكاتب المرشحين الثلاثة تطلب من كل واحد منهم أن يتّصل بتيرون الذي ينتظره بفارغ الصبر!

             

في الفصل الثالث والعشرين، وهو يوم السابع  من تشرين الثاني (نوفمبر)، تجري الانتخابات لرئاسة الولايات المتحدة. وفي هذه الانتخابات يكون الفارق في الأصوات، التي نالها المرشحون الثلاثة، ضئيلاً جداً . في الفرز الأوّلي كان المرشح الجمهوري جورج جونسون في المقدمة بفارق بضعة مئات من الأصوات عن ويستليك، أما المرشح كرامر فينسحب معتبراً أن النتائج أظهرت تقدّماً كبيراً لحزبه، فيما يصّر المرشح ويستليك على الاستمرار في المنافسة إلى أن تظهر النتائج النهائية. الرئيس الأمريكي دوجلاس يقدم شكره الجزيل لمستشاره للأمن القومي وليام راسيل، الذي استطاع هو وصديقه منصور تغيير كفة الانتخابات في أيامها الأخيرة، ويطلب من راسيل أن يقدّم باسمه جزيل الشكر لمنصور. وفي طنجة يظهر منصور وهو يدور حول نفسه من شدة الفرح، ويتلقى التهاني من جميع أنحاء الدول العربية التي لم يكن أحد فيها باستثناء منصور يصدّق أن عدو الإسرائيليين سوف يفوز بالانتخابات.

 وفي السفارة الإسرائيلية يظهر السفير الإسرائيلي (يعوي) للفاجعة التي حلّت به بسبب هذا الملعون تيرون الذي سيعرف كيف ينتقم منه. يبحث عن تيرون فلا يجده.. يطلبه على هاتفه المنقول، ولكن الهاتف مغلق، وكذلك هاتف حارسه آبي. لقد كان تيرون على موعد طارئ من هيبرون، فقد طلبه هذا الأخير لأمر عاجل جداً، فاضطر للذهاب إلى البيت الآمن، وهو يصب اللعنات على هذا الغبي الذي يتّصل به في هذه اللحظة التي تتركّز فيها عيون رجال الإعلام على المرشيحن لتسجل سبقاً صحفياً عن تصرفات المنتصر والمهزوم لحظة ظهور نتائج الانتخابات. في البيت الآمن يلتقي الرجلان، ولكنْ ودون أن يشعرا كان هناك شخص ثالث يراقبهما. إنه بيتر الذي ظل يتتبع تيرون إلى أن عرف شقّته الآمنة هذه ، فاستأجر الشقة المقابلة، وجلس ينتظر.. وعندما حضرا اتصل بيتر بالقاتلة وأخبرها بان (الطعام الصيني قد حضر). تركب القاتلة سيارتها وتذهب إلى العمارة، وبهدوء تراقب المكان فلا تجد إلا آبي الذي عرفته من الصور التي كان بيتر يرسلها لها. من الباب الخلفي للعمارة، والذي كان بيتر قد فتحه لها، تتسلل إلى الشقة التي يجلس فيها بيتر، تاركاً الباب موارباً حتى لا تحدث عند دخولها أي صوت. تعرف القاتلة أنً هناك رجلاً آخر في الشقة المقابلة، ولكنها لا تكترث لأنّ الآخر لا يمثل لها أية أهمية. تتقدم هي و بيتر الذي يطرق الباب متخذاً صفة المشرف على العمارة طالباً من تيرون أن يخرج لإنقاذ شخص آخر اسمه آبي وقع في مشكلة على مدخل العمارة. بانفعال شديد ينطلق تيرون ليرى الورطة الثانية التي وقعت على رأسه في هذه الليلة الكئيبة، فيجد فوهة المسدس بين عينيه!. يتراجع إلى الوراء فتتبعه القاتلة هي ومساعدها . تطلق عليه النار من مسدّسها الكاتم الصوت،  فتصيبه الطلقة المتفجّرة في قلبه. ثم طلقة أخرى على الرجل الآخر فتصيبه في جبينه. تضع بين يدي تيرون قصاصة ورق كُتب فيها: " هذا من أجلك وأجل بلادك سيّد تيرون.. لعدم التزامكما بتعاقد بروكسل دفعتما الثمن". تلتقط مسدس تيرون الضخم، ثم تطلب من بيتر أن يتأكد من موت الاثنين. ينحني هذا الأخير عليهما، وعندما يرفع رأسه، مؤكداً لها موتهما، تطلق عليه طلقتين من مسدّس تيرون، فتصيبه طلقة في مقتل فيما تذهب الأخرى إلى الجدار. تترك مسدسها بين يدي بيتر، وتضع مسدس تيرون قرب يد هذا الأخير، وتأخذ مسدس بيتر، وتخرج من حيث دخلت، ثم تتجه إلى المطار.

             

الفصل الرابع والعشرون هو الفصل الأوّل مضافاً إليه أنَ المحققة شتراوس عرفت أنّ القتيل الثالث هو الرئيس المنتخَب  جورج جونسون، عدوّ الإسرائيليين  الأوّل في الظاهر، وعميلهم (هيبرون) في الحقيقة.

 في البيت الأبيض، يتّفق  كل من الرئيس دوجلاس، ونائبه هيز، الذي أصبح الآن رئيساً للبلاد، نظراً لكونه نائب الرئيس القتيل، والقاضي بيكر على إزالة أي أثر لكلمة هيبرون، واعتبار عملية قتل الرئيس المنتخب، جريمة عادية سيتم التحقيق فيها.

             

الفصل الخامس والعشرون يشرح آثار نجاح هيبرون في الانتخابات على رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي أخذ يتيه فخراً لهذا النصر العظيم.. ثم بعد ذلك بساعات قلائل ينقلب الفرح مأتماً. وبعد وصول قصاصة الورق التي التقطها آبي من بين يدي رئيسه، يدرك رئيس الوزراء كيف أن خطأً صغيراً ارتكبه الموساد قد حوّل النصر إلى هزيمة، وضيّع جهود سنوات طويلة. هنا يطلب من مدير الموساد أن يقدّم استقالته.  وفي موسكو يتلقى الجنرال بوزوف أنباء مقتل هيبرون و تيرون وبيتر، فيجنّ جنونه  خوفاً من أن يتوصل المحققون إلى خيط ينتهي بالقبض على القاتلة، أو أن يخضع هو لابتزازها فيما لو نجت. ثم يزداد جنونه عندما يتلقى من عميله في الموساد (فولجا)، الذي هو شتيرن مدير الموساد نفسه، برقيّة عاجلة مشفّرة، يخبره فيها أنه أرغم على تقديم استقالته بسبب مقتل هيبرون وتيرون. ويبقى أنّ المحققة شتراوس تظلّ تلاحق القاتلة الصربية إلى أن تقتلها.

الآن أدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي أن المؤامرات لن تحمي أبناءه، وأن عليه أن يتفاهم مع الفلسطينيين.

هذه هي (رواية) العمليّة هيبرون، فهل أراد المؤلف أن يفضح المخفي من السياستين الإسرائيلية والأمريكية بطريقة (أدبيّة) لا يُتّهم معها بأنه أفشى (أسراراً) خطيرة، ولا يضع نفسه فيها في موضع (عدوّ الساميّة)؟. وإذا كان ذلك كذلك، فهل استطاع الكاتب أن يحقق هدفه؟، أم أنّ ما يجري حقيقة أكثر خطورة ودهاءً من خيال ضابط الاستخبارات المركزية المتمرّس؟!.

إن ما ورد في الرواية من مفردات الأحداث لا يبعُد كثيراً عن الواقع الذي نعيشه، وخصوصاً مفارقات الانتخابات الأمريكية الأخيرة ونجاح جورج بوش الابن فيها، هو وما يحمله من برنامج سياسي نال تأييد المسلمين الذين كان لدعمهم أثر في إنجاحه ، ثم ما جاء بعد ذلك من تفجيرات نيويورك، وما رافقها من ألاعيب ومخادعات لتوجيه التهم نحو المسلمين، ثم ما تبعها من  تدمير لأفغانستان (دون انتظار حكم المحكمة)!، وكيف تم دفع رئيس الولايات المتحدة لبتر رأس صدام حسين، وما تواجهه سوريا من تهديدات قد تسفر عما هو أسوأ مما جرى في العراق ، وما تتعرض له وإيران وباكستان التي تمتلك أسلحة تُقلق (إسرائيل)، وما يرافق كل ذلك من إتاحة الفرصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي شارون لكي يعيد ترتيب الأوراق بحيث "يفعل الإسرائيليون ما يريدونه، وليس ما يريده غيرهم".  أليست الجرائم الشنيعة التي يرتكبها شارون، في الوقت الذي لم يعد " دكتاتور عربي على أن يرفع رأسه القبيح معترضاً على ما تريده الحكومة الإسرائيلية"، أليس كل ذلك قد جاء في الرواية برموز أخرى؟.. فهل كان هذا التقارب بين ما جاء به خيال الكاتب، وبين الواقع القائم  عفويّاً غير مقصود، أم أنّ خبرة الكاتب الطويلة  منحته القدرة على (استشراف) المستقبل وتوقّع الأحداث اللاحقة بهذه الدقة العالية؟ أم أنّ الكاتب قد عرف من الأسرار ما جعله يقرع أجراس الخطر بشيء من العمل الأدبي الخيالي الذي يجنّبه التعرض لمشكلات هو أدرى الناس بعواقبها؟