النقد الأدبي المعاصر بين الهدم والبناء
كتـــاب
النقد الأدبي المعاصر بين الهدم والبناء
|
|
الدكتور عدنان علي رضا النحوي
الفنُّ هو التعبير بوسيلة مباحة يرتقي بها إلى درجة من الجمال المؤثّر ، ليساهم الفنُّ في بناء حضارة إيمانية طاهرة وحياة إنسانية نظيفة . إنه الومضة التي تشرق من عطاء الإنسان والشعلة التي تطلق منه الجمال ، لينعكس هذا الجمال حقّاً يحمل الخير والصلاح ، وحرية عادلة متوازنة بين الحقوق والواجبات، وأمناً يرعى الحرمات ، وأمانة توفي بالعهود ، وريّاً يغذّي الإيمان والتوحيد ، ويصون الفطرة وما فيها من طاقات من أن تشوّه أو أن تنحرف .
إنَّ هذا الفنّ يساهم بهذا العطاء كله في جميع الشعوب على الحق والعدل ، وتعارفها على الصدق والتقوى ، وتعاونها على درء الفساد والفتنة من الأرض ، ورفع العدوان والظلم ، على يقين وإيمان ووفاء ، وعلم حقّ بمنهاج الله ، وجهاد كريم في سبيل الله ، لينأى الإنسان عن زخارف الحرية الكاذبة في الديمقراطية ، والعدالة المزيّفة في الاشتراكية ، والخداع الظالم في النظام العالمي ، وسائر أبواب الفتنة والضلال في مذاهب الحضارة الغربية وحضارة الإلحاد .
الباعث على وضع هذا الكتاب تلك المقالة التي نشرت في صحفية الجزيرة السعودية ( العدد 5114 بتاريخ 25/1/1407هـ الموافق 29/9/1986م ) لكاتب رمز لاسمه " بابن جني " إثر نشر قصيدة لي في رثاء الأستاذ الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا ـ رحمه الله ـ في الصحفية ذاتها ، في ( العدد 5103 بتاريخ 14/1/1407هـ الموافق 18/9/1986م) . وتلطّف عدد من الأساتذة الأدباء فكتبوا ردودهم إلى الصحيفة ولكن الردود لم تنشر .
وليست القضية هذه القصيدة أو تلك بقدر ما هي قضية الأدب بعامة والنقد بخاصة . ولم تكن هذه القضية وحدها هي الباعث لوضع هذا الكتاب ، ولكن الكمية الهائلة من الأدب الواهي والنقد المتفلّت التي تحملها الصحف والمجلات في العالم الإسلامي عامل آخر. وكذلك فإن الحيرة والاضطراب الثائرين في أذهان الناس عامة حول الأدب والنقد والأدب الإسلامي كانا عاملاً ثالثاً .
هذا كله جعلني أتساءل كما يتساءل غيري هل النقد للهدم أم للبناء للإصلاح أم للإفساد ؟! هل النقد يخضع لقواعد ثابتة أم أنه متفلّت يتبع الهوى ؟!
هذه الأسئلة دفعتني لأن أضع كتابي هذا أعرض فيه رأياً ووجهة نظر حول النقد الأدبي ، رأياً خاضعاً لمنهاج الله يدرس الواقع من خلاله ، كما سأبيّن ذلك في التمهيد لهذا الكتاب .
يأتي هذا الكتاب الذي يقع في (240 صفحة ) ، بعد الإهداء والافتتاح والمقدمة " تمهيد " يوجز النظرية العامة للدعوة الإسلامية وأهدافها ، ليكون هذا هو المنطلق الرئيس للمؤمن في كلّ نشاطه في الحياة الدنيا ، وفي كلّ ميادينها الأدبية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية ، وفي التربية والعلوم والصناعة ، على طريق ممتدّ إلى الجنّة بإذن الله .
ويأتي بعد ذلك أربعة أبواب . فالباب الأول " رسالة الأدب بين نهجين وحضارتين " يشمل تمهيداً أعرض فيه لمحة موجزة عن تاريخ النقد الأدبي ، تهدف إلى إنعاش ذاكرة القارئ حتى نستطيع فهم الحاضر والتطلع إلى المستقبل . كما يهدف هذا التمهيد إلى إبراز صورة الاضطراب والتناقض والقلق في تاريخ الأدب والنقد لدى الغرب المنطلق من الوثنية اليونانية والممتدّ معها . ولندرك من خلال ذلك كيف تسللت الفتنة إلى ديار المسلمين ، و كيف كان الأدب باباً واسعاً لتسلل الفلسفات المادية المضطربة المتناقضة ، ويهدف ، كما يهدف الكتاب كله ، إلى تقديم زاد متواضع للشباب المؤمنين في مدرسة الدعوة الإسلامية على طريق بناء الجيل المؤمن ، من خلال نهج متماسك ، ليكونوا قادرين على أن يميزوا الخبيث من الطيب ، والباطل من الحق ، وليدركوا عظمة الإسلام وعظمة رسالته في الأدب والنقد الأدبي ( النصح ) . أما الفصول الخمسة التالية للتمهيد فهي بحث شاركت به في الملتقى الأول للأدب الإسلامي في " وجدة " في المغرب .
والباب الثاني : " الشعر بين الهدم والبناء ، والشاعر بين الناقد والجمهور ". يتألف من ثلاثة فصول ، فصل بكلِّ موضوع من هذين الموضوعين وفصل ثالث عن أدب غير المسلمين .
والباب الثالث : " القواعد الأساسية في النقد ( النصح ) الأدبي " . فهو يتألف من تمهيد وخمسة فصول ، يعرض كلّ فصل قاعدة من هذه القواعد الأساسية .
ثمّ يأتي الباب الرابع : " نماذج من النقد " . ويأتي الفصل الأول ليقدم قصيدة " غربة ودمعة " . ثم يأتي هجوم " ابن جني " وتجنّيه ، ثم كلمة الأستاذ الدكتور مصطفى هدارة ، ثم كلمة الأستاذ الدكتور عبد الباسط بدر ، ثم كلمة الأستاذ محمد حسن بريغش ، ثم تأتي كلمة المؤلف في ختام هذه الردود ، وهذه الكلمة لم تأت إلا للتعبير عن حقيقة شعوري وأنا أكتب هذا الرثاء ، ولأعبّر عن أحداث ومواقف عشتها مع الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا يرحمه الله ، لا لأضيف جديداً على ما قدمه الأساتذة الكرام . ويأتي الفصل الثاني ليقدّم رأياً للمؤلف في قصيدة كعب بن زهير في مدحه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ البردة ـ رأياً ينافي فيه المؤلف معنى الغزل الظاهري في مطلع القصيدة .