هكذا يربي اليهود أولادهم
هكذا يربي اليهود أولادهم
غرناطة الطنطاوي
يعدّ أدب الأطفال من أهم أنواع الأدب، لأنه يوجّه إلى النشء وهو في مرحلة هامة جداً من مراحل حياته، التي تتحدد فيها المعالم الرئيسة لشخصيته، فما يكتسبه الطفل في سنوات عمره الأولى، يؤثر في تكوين شخصيته وأفكاره واتجاهاته في المستقبل..
وهذه العملية التربوية في ما يسمّى بـ (إسرائيل)
تأخذ شكلاً أكثر أهمية من أي دولة أخرى، لأنه ليس لدى أفرادها سوى الحدّ الأدنى من عوامل الوحدة التي تشكل منهم شعباً متجانساً.. فهو مؤلّف من أكثر من سبعين قومية، ويتكلمون أكثر من سبعين لغة..
ولذا لجأت الدكتورة سناء عبد اللطيف (من مواليد الإسكندرية عام 1951م، وتتقن اللغة العبرية إتقاناً تاماً) إلى أن تعري اتجاهات اليهود وتكشفها بصورة جلية، فقدمت هذه الدراسة القيّمة، مستفيدة من قراءاتها الكثيرة للأعمال الشعبية والأدبية في اللغة العبرية، وتأتي أهمية هذه الدراسة من أن كتب الأطفال الإسرائيليين لا تترجم إلى العربية.. لأن اليهود لا يترجمونها إلى العربية حتى لا يفضحوا أنفسهم، كما أننا نحن العرب لا نترجمها لأننا نرفض هذا الزيف لأطفالنا العرب.
وقد قام الأستاذ عبد الله الطنطاوي بعرض وتلخيص هذا البحث العلمي الذي هو رسالة علمية مهمة، نالت به كاتبته رسالة الدكتوراه.. وجاء في أكثر من أربع مئة صفحة فولسكاب، بينما جاء عرض الطنطاوي في مئتين واثنتين وعشرين صفحة من القطع العادي، وقد حافظ على عبارة الدكتورة في بحثها.. فجاء الكتاب في ثوب قشيب، خالياً من الأخطاء اللغوية، وفي لغة سهلة شيّقة، لتبصير أدبائنا وقادة الرأي فينا، ومربّي أولادنا، وتعريفهم: أيّ أدب هذا الذي يتلقاه أطفال اليهود عن أدباء اليهود، وأي روح حاقدة تقودهم، وتدفعهم لبناء نفوس أطفالهم، على أسس من الأحقاد التاريخية والعقدية. ولكي نحمي أبناءنا وإسلامنا، يجب أن نعرف كيف يربي اليهود أولادهم، بواسطة الأدب الذي يكتبه كاتبوهم لهم، لعل أدباءنا وسياسيينا يخططون بما يمكّن أولادنا من وعي طبيعة الصراع العقدي الحضاري بيننا وبين اليهود.
أدب الأطفال الإسرائيلي المعاصر في فلسطين بدأ يظهر منذ عام 1905م، وكانت مصادره مُستقاة من الماضي البعيد، وقد اهتم عدد من الأدباء اليهود بترجمة الكثير من آداب الأطفال العالمية، ونقلوها إلى اللغة العبرية.
وقد ظهرت في فلسطين صحف لتسلية الأطفال، ولكنها كانت طفرة، فلم يستمر وجودها وقتاً طويلاً، لأن أدب الأطفال كان أدباً صهيونياً للغاية، مفعماً بـ (القيم) اليهودية القومية.. يعمل على تنشئة الأطفال تنشئة سياسية في إطار ديني صهيوني تاريخي، بالإضافة إلى التنشئة العلمية العقلانية.. من أجل خلق إحساس (بالشعب اليهودي الواحد) لدى الأطفال، هذا الشعب الذي تعرَّض للاضطهاد والتنكيل على امتداد التاريخ، وفي كل مكان وُجدوا فيه في دول العالم.. وكان من الضخامة والشراسة بحيث لا يمكن أن يعادله أي اضطهاد لأي جنس في العالم، وأن أرض إسرائيل –يعني فلسطين- هي المكان الذي يتوفر فيه الأمن والأمان لليهودي.. -زعموا- والشعار الأساس عند الأدباء الصهاينة (لا ننسى.. ولن نغفر) لكي تبقى الأحقاد متوالية جيلاً بعد جيل.. فظهر أدب (النكبة) الذي يتحدث عن الاضطهاد النازي لليهود في أوربا، ويتكلم عن ظاهرة التخفي بين يهود الشتات، حتى لا يعرف أحد يهوديتهم، كنوع من المعاناة التي قاسى منها اليهود في شتاتهم، وربما أن بن جوريون يرى أن الصهيونية تعني الهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها، فإن أدباءهم قد ركزوا في قصصهم للأطفال على أمنيات أبطالها في الهجرة إلى فلسطين، حتى يُشعِروا أطفال اليهود في الكيان الصهيوني المغتصب بضرورة الحفاظ على دولتهم والارتباط بها، فهم يؤكدون على جمال جوّ فلسطين، ويكررون ذلك، لأن التكرار هنا يُحدث في وجدان الأطفال إيقاعاً حنينياً لفلسطين، ومن ثم يؤكدون على أن أرض فلسطين خربة قاحلة، لا زرع فيها ولا نبت، بالرغم من جمال جوها.. وأن اليهود هم الذين يعمرونها ويزرعونها.. ويحاولون نفي وجود فلسطينيين في أرض فلسطين منذ أيام إسحاق وإبراهيم -عليهما السلام- وأن ورود ذكر الفلسطينيين قد جاء من قبيل المفارقة التاريخية في بعض قصصهم، وأن فلسطين هي الأرض المقدسة التي يقطن فيها الرب، وهي أرض الميعاد والمَعاد، والأرض المختارة والبهية، وأن تعاليم التوراة لا يمكن أن تنفذ كاملة إلا في أرض فلسطين، والسكنى في فلسطين دليل على الإيمان، ومن يقيم خارجها كافر، والذي يعيش في فلسطين يتطهر من ذنوبه..
إن أدباء اليهود يكتبون في قضية خاسرة، وهم يعلمون ذلك، ولكنهم يصرون على المضي قُدماً، لعل ترسيخ هذه الأفكار في عقول صغارهم يكسبهم (القضية) بالإضافة إلى تدعيم روح المحبة والتعاون والود والصداقة بين اليهود، والالتزام بالسلوكيات التي تتفق مع الأيديولوجية الصهيونية، وإبراز دور الأعياد اليهودية في توطيد العلاقة بين الشعب اليهودي، وتثبيت فكرة أن اليهود كانوا محرومين من ممارسة طقوسهم الدينية بشكل علني وخاصة في أعيادهم، وأنهم في فلسطين يستطيعون ممارسة حياتهم الطبيعية، فهي (بلدهم وموطنهم) –زعموا-
والأيديولوجية الصهيونية –في هذا الأدب الموجّه لأطفال اليهود- تمجد البطولة إلى حد العبادة، وأن الشخصية اليهودية أذكى عقلاً، وأقوى بدناً من سائر الأمم غير اليهودية، وأن التيه (الشتات) لم يكن عقاباً من الرب لليهود، وإنما كان من جانب الرب للقضاء على الضعيف من اليهود حتى لا يدخل أرض كنعان سوى الأصحاء الأقوياء فقط.
والكتّاب اليهود يستحضرون الشخصيات اليهودية المستوحاة من التوراة، التي تلهم الأطفال قيماً حية، تلهب حماسهم لبناء دولة جديدة على أنقاض الدولة اليهودية القديمة، لوصل تاريخ اليهود، ماضيهم بحاضرهم.
كما أنهم يزودون أطفالهم بمعلومات عن الحرب، ويعطونهم قدراً من الثقافة العسكرية والمصطلحات الحربية، والخطط القتالية وأسرارها، ليزرعوا في نفوسهم شعوراً بضرورة التفوق والتدريب والمعرفة بأحدث أساليب الحرب.. لأن الحروب عندهم حتمية لضمان الوجود البيولوجي الإسرائيلي، فيوهمون أطفالهم بأنهم محاصرون بالأعداء، ولا خيار إلا القتال، ليتقبلوا فكرة التجنيد الإلزامي، دون أن يذكروا أسباب اضطهاد اليهود في البلاد التي عاشوا فيها، وعاثوا فيها الفساد.. كما أنهم يتجنبون ذكر فلسطين ويسمونها أرض إسرائيل، ويتجنبون ذكر الفلسطينيين، ويسمونهم العرب أو المخربين، ويصفونهم بأحطّ الصفات: بأنهم قذرون، جشعون، يمكن شراؤهم بأبخس الأثمان.. وشكل العربي قبيح له عينان خبيثتان ماكرتان، ولحية كلحية التيس.. إلخ.. إلخ..
كما أن العربي جبان وليس كاليهودي الشجاع العبقري الذي لا يُهزم، ولذلك لم يتطرق أدب الأطفال العبري لحرب رمضان (أكتوبر) 1973م حتى لا يكتشف الأطفال زيف الادعاءات الصهيونية، بأسطورة جيش إسرائيل الذي لا يقهر.
وقد دعا أدباء يهود الأطفال إلى الحفاظ على اللغة العبرية، كهدف من أهداف الأيديولوجية الصهيونية، ويستخدمون الأسماء المعبرنة للتعبير عن الأماكن المختلفة في فلسطين.
ويحتوي أدب الأطفال الإسرائيلي على كم هائل من القصص التي تمجد العمل اليدوي والعمل الزراعي وغزو الصحراء لزراعتها، ليخلقوا جيلاً معتمداً على نفسه قوياً يعمل أي عمل يطلب منه.
وتأتي القصص الدينية في مكان الصدارة من الناحية العددية من قصص الأطفال في إسرائيل.. ويستخدمون فقرات من العهد القديم في قصصهم من التوراة. وقد استخدموا الرموز الدينية المستوحاة من التوراة كالشمعدان ودرع داود وغيرهما، لتعميق القيم التوراتية والتلمودية في نفوس الصغار كيلا ينفلتوا من يهوديتهم.
وأخيراً لا يمكن أن يصل أدب الأطفال العبري إلى العالمية، لأنه اقتصر على الحديث عن اليهود وما يتعلق بهم من عادات وتقاليد وأعياد وطقوس دينية.. ولأنه يعمد إلى خلق المبررات لقضية رفض الاندماج في مجتمعات الشتات اليهودي، وذلك بالتركيز على ما يطلقون عليه العداء للسامية وكراهية اليهود، وأيضاً لتبرير اغتصاب فلسطين من العرب، بالتركيز على مقولة أرض اليهود التاريخية، والحق الديني والتاريخي لهم في فلسطين.
هذا الكتاب جدير بالاهتمام، قراءة، بل دراسة، وفهماً، من باب (اعرف عدوّك) ومن تعلّم وعرف لغة عدوّه، وأساليب تفكيره، أمِنَ مكره وكيده.