يا إمام.. الإضراب ليس بدعة مستوردة
إتصلت بزميلي عماد بن عبد السلام، وطلبت منه قائلا: " السلام عليكم.. هل تستطيع أن ترسل لي صورة عن مقال الإمام الفقيه المجتهد أحمد حماني رحمة الله عليه حول الإضراب، فأنا لا أملك كتاب المحاضرات. ولك مني بالغ الشكر". وقام فعلا بتصوير المقال وزاد عليها غلاف الكتاب والصفحة الخاصة بدار النشر والطبعة، وله من القارىء والناقل والناقد بالغ الشكر والثناء على الجهد الذي بذله.
والمقال بعنوان "الإضراب بدعة مستوردة "، للإمام الفقيه المفتي أحمد حماني رحمة الله عليه، صفحات 101-105، ضمن كتاب "محاضرات ومقالات الشيخ العلامة أحمد حماني"، المجلد الثاني، جمعها واعتنى بها الأستاذ عبد الرحمن دويب، عالم المعرفة، الجزائر، الطبعة الثانية 2015.
والمقال نشر بأسبوعية جزائرية بتاريخ ربيع الثاني 1413هـ الموافق لشهر أكتوبر سنة 1992. وأكتوبر 1992 تدل على الظروف السياسية والاجتماعية غير المستقرة والصعبة التي مرت بها الجزائر يومها كالعشرية الحمراء التي كانت من أسوء المراحل التي مرت بها الجزائر، سائلين الله تعالى أن يحفظ الجزائر في أمنها وسلامتها، حيث شهدت الفترة موجة متصاعدة من الإضراب شملت قطاعات واسعة ومتعددة ولمدة طويلة جدا، أشتهرت بالمطالبة بإقالة المدراء.
قال الإمام الفقيه: "ليس الإضراب وحده وسيلة للحصول على الحقوق"، ما يعني أن الإضراب يعتبر إحدى وسائل الحصول على الحقوق. ويفهم من هذا المقطع أن الإضراب وسيلة كغيره من الوسائل في تحقيق المطالب حين تستدعي الظروف ذلك، ويبعد حين لا يتطلبه الوضع، والمحاكم لها القول الفصل في شرعية الإضراب وعدم شرعيته.
ولا داعي أن يستعرض المرء فوائد الإضراب في استعادت حقوقا مهضومة وردت الاعتبار لمن مُسّ في مكانته ورزقه ووظيفته أي كانت منزلة ورتبة الشخص. ويكفي الثورة الجزائرية فخرا أنها تُعرف بإضراب الثمانية أيام سنة 1957، وما زالت الجزائر تكن الاحترام المطلق للشباب الذين قادوا الإضراب وتحمّلوا في سبيله السجن والإهانة والتعذيب على يد المستدمر الفرنسي. وقد قرأت منذ أشهر للجنرال السفاح الجلاد أوساريس في كتابه " شهادتي على التعذيب"، كيف تحدث بحرقة عن إضراب ثمانية أيام، وكيف أنه خصّص له المظليين الأشداء لاحتوائه، واستعان بالخونة لإفشال الإضراب، وتحطيم معنويات المضربين وإجبارهم بالقوة على فتح محلاتهم. فكيف يقول بعدها إمامنا وفقيهنا رحمة الله عليه أن "الإضراب بدعة مستوردة !!"، وقد مارسها الشهداء والمجاهدين، وأقلقت مضاجع المستدمر الفرنسي.
ما دفع صاحب الأسطر للتعقيب على عنوان مقال الإمام، خشيته من أن يستغل العنوان في هضم الحقوق، وتكميم الأفواه، وتكسير الأقلام، والزّج بكل من يطالب بحقوقه في غياهب الجب بزعم أن"الإضراب بدعة مستوردة !!".
سأحسن الظن بإمامنا وفقيهنا، وأرى أن الظروف السياسية والاجتماعية الصعبة التي مرت بها الجزائر في التسعينات دفعته لكتابة مثل هذا العنوان، لكن لا يعقل مثل هذا العنوان في أيامنا هذه، وقد أمسى الإضراب ظاهرة دولية تميّز الدول العظمى في كيفية إستعماله للحصول على حقوق العباد والذود على حرمات البلاد، وأصبح للمضرب حقوقا يكفلها ولي الأمر بالقوة والقانون وللمتضرر حق التعويض والحماية، ويبقى الإضراب وسيلة تعبير يحمل في طياته سلبيات وإيجابيات كغيره من وسائل التعبير، وأخطأ من اعتبره " بدعة مستوردة !! " ، ورحم الله شيخنا، وإمامنا، وفقيهنا، ومفتي الجزائر، والمغرب العربي، والعالم الإسلامي أحمد حماني رحمة الله عليه.
بقيت الإشارة أني تصفحت فهارس كتاب " فتاوى الشيخ أحمد حماني " من 4 مجلدات، باعتبار صاحب الأسطر يملك هذه النسخ ويعود إليها من حين لآخر، ولم أعثر على موضوع الإضراب رغم أنه تطرق لمواضيع معاصرة مشابهة.
وسوم: العدد 707