علي العبدان يوثق تاريخ التسجيلات الموسيقية في الإمارات بمؤسسة سلطان العويس الثقافية
نظمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية مساء يوم الاثنين 10 أكتوبر الجاري محاضرة فنية بعنوان (تاريخ التسجيلات الموسيقية في الإمارات - دبي فون نموذجاً) للشاعر والباحث والناقد علي العبدان، حضرها الأمين العام للمؤسسة سعادة عبد الحميد أحمد والدكتورة فاطمة الصايغ عضو مجلس أمناء المؤسسة وجمهور نخبوي من ذواقة الفن وأصدقاء المؤسسة.
حيث سرد العبدان تاريخ التسجيلات الموسيقية وحركتها من المحيط المجاور مثل البحرين والهند والعراق وغيرها من الدول وعرج على أسماء مغنيين ساهموا في الحركة الموسيقية منذ ذلك الوقت كما عرض الباحث نماذج صوتية لأسطوانات طبعت أو وزعت قبل سبعين عاماً واستشهد بمقامات كانت منتشرة وعرّفها بشكل علمي وقدمها عزفاً على آلة العود.
* علي العبـدان باحث في المعرفة من الإمارات، صدرت له مقالاتٌ وكتبٌ عديدة حول الفنون الجميلة، فن النحت في الإمارات، تاريخ الطرب الشعبيّ في الإمارات، الأنثروبولوجيا الموسيقية، مجموعتان شعريتان، ودراسات عن الشعر الفصيح والشعبي. ويعمل مديراً إدارة التراث الفني بمعهد الشارقة للتراث.
قال العبدان في مستهل محاضرته أنه في أواخر الأربعينيات قام كلٌ من الوجيهيْن يوسف أحراري الخاجه وابن عمّه زينل أحراري الخاجه بافتتاح محلٍّ لبيع الاسطوانات التجارية، وكان أولَ محل لاستيراد وبيع وتوزيع الاسطوانات الفنية في دبي ومنطقة الإمارات عموماً، ثم أصبح المحل شركةً لإنتاج الاسطوانات بدلاً من الاكتفاء باستيرادها وتوزيعها، ومن هنا أصبحت شركة (دبي فون) أولَ شركةٍ وطنيةٍ لإصدار التسجيلات الفنية في دبي والإمارات، وقد استمر يوسف الخاجه في إدارة الشركة في حين تركها ابنُ عمه زينل الخاجه بعد مدةٍ من العمل، وكانت الاسطوانات التجارية التي تبيعها وتوزعها الشركة لا تأتي إليها مباشرة، بل كانت ترد عن طريق البحرين، ولهذا كانت الشركة في بداياتها تتعامل مع بعض وكلاء شركة (غراموفون) من أصحاب التسجيلات في البحرين للسبب آنِفِ الذكر، وعلى العموم كانت البحرين في ذلك الوقت إحدى المحطات الرئيسة في الخليج في عملية الاستيراد الفني من الهند والعراق ومصر، وإعادة التصدير إقليمياً.
وأضاف العبدان في سرده لتاريخ الحركة الموسيقية قائلاً: أصبحت شركة (دبي فون) وكالةً لشركتي (ماركوني) و(هِز ماسترز فويس / His Master's Voice) في دبي وعموم ساحل الإمارات، وكانت الاسطوانات التي تستوردها شركة (دبي فون) تحوي أغنيات من قوالب عربية عدة، فمنها الأصوات الخليجية الكويتية والبحرينية، والأدوار اليمنية، والبستات العراقية، كما كانت الشركة تستوردُ اسطواناتٍ من القاهرة أيضاً تحوي طقاطيق مصرية، وهذا التنويعُ في استيراد الاسطوانات الفنية يعكسُ الشخصية الأدبية والفنية والتذوقية ليوسف الخاجه وزينل الخاجه صاحبَي الشركة، ولا عجبَ فقد كانا مثقفيْن وطالبَي معرفة منذ أن تلقيا تعليمَهما في المدرسة الأحمدية بدبي إلى أن أصبحا تلميذيْن لشاعر دبي ذائع الصيت مبارك بن حمد العقيلي، خاصةً يوسف الخاجه الذي لازمَهُ زمناً طويلاً، وجمع أشعارَه، وحفظ مخطوطاتِهِ من الضياع بعد وفاته، وهو الذي أعطى نصوصاً من أشعار العقيلي اختارها بعنايةٍ للمطرب محمد عبد السلام لكي يُلحنها ويُغنيها ويُسجلها على اسطوانات لصالح شركته (دبي فون) عام 1952، وكان العقيلي وقتها ما يزال على قيد الحياة .
وكانت هذه القوالب الغنائية معروفةً لدى المهتمين بالطرب والموسيقى في عموم مجتمعات المُدن العربية الساحلية في الخليج، ومنها دبي التي عرفت الطرب الشعبي باكراً حيث كان يَفِدُ إليها العديدُ من المطربين والموسيقيين من الخليج واليمن في زياراتٍ تتكرر بين مدةٍ وأخرى منذ أوائل القرن العشرين، ولمّا أصبحَ لبعض هؤلاء المطربين شهرةٌ ظاهرةٌ في دبي قرّر السيد يوسف الخاجه أن يُسجلَ لهم اسطواناتٍ لصالح شركته بدلاً من أن يستمر في استيراد الاسطوانات، خاصةً أن عملية التسجيل واختيار المطربين والنصوص ستمكنه من التحكم في الإنتاج حسب الذوق السائد، أو حسب ما يتطلبه السوق، أو ربما حسب رؤيته الفنية والأدبية الخاصة، وبهذا القرار أصبحت شركة (دبي فون) أولَ شركةٍ وطنيةٍ للإنتاج الفني في الإمارات كما ذكرتُ سابقاً، ولكنْ أين وكيف سيكونُ التسجيل؟
ثم قال العبدان: تكن شركة (دبي فون) تملك آلة تسجيل ولا مصفوفات، فكان لابد من الاستعانة بمحلٍّ يملك كل ذلك، كما أن عملية تحميض المصفوفات وطبعها على اسطواناتٍ حجريةٍ كانت تُجرى في الهند في الأربعينيات والخمسينيات حيث يوجد فرع الشركة الإنجليزية (غراموفون) في بومبي، فكان لابد من السفر، وهكذا سافر كلٌ من يوسف الخاجه وابنُ عمه زينل إلى مدينة بومبي في الهند من أجل تسجيل اسطواناتٍ تجاريةٍ خاصةٍ بشركتهما؛ مصطحبين معهما مجموعةً من المطربين والموسيقيين، منهم مطرب دبي الفنان محمد عبد السلام، والفنان اليمنيّ ناصر أحمد حبشي، وكان مطرباً وعازفاً متمكناً، وبعض العازفين على آلات الإيقاع، منهم علي الخضر وآخَر اسمُهُ سلمان .
وامتدت المحاضرة لحوالي ساعة بين سرد تاريخي وعرض صوتي وعزف موسيقي ممتع وصولاً إلى قراءة العبدان احدى قصائده الشعرية التي أمتعت الجمهور وأظهرت تعدد مواهبه حيث يجيد الشعر والرسم والغناء والعزف والكتابة النقدية الأدبية والتشكيلية.
وفي نهاية المحاضرة قدمت الدكتورة فاطمة الصايغ درعاً تذكارية للباحث علي العبدان وشكرته على جهوده الطيبة في الحفاظ على هذا التاريخ وتوثيقه للثقافة الاصيلة في المجتمع.
وعلى هامش المحاضرة وقع علي العبدان نسخاً من كتابه الجديد "مقالات الشعر الشعبي ـ 2012 / 2022" الجزء الأول، وهي مقالات تعرض السمات الأدبية والفنية للعديد من قصائد الشعر الشعبي في الإمارات.
وسوم: العدد 1001