الفن رسالة نبيلة

يرتبط الفن والجمال مع الإنسان ارتباط الروح بالجسد ، لا ينفك عنا ولا ننفك  عنه ، قد يقول أحدهم هذا قول مجمل يحتاج لتفصيل ، فالمؤسف أن البعض يغالي فيه حد التطرف والبعض الآخر  يتساهل فيه حد التميع والتفسخ ، وهذا شطط كبير. 

وقد لخص  البيت الشعري الذي يحفظه جميعنا رسالة الفن وغايته  

يقول إيليا أبو ماضي : 

ومن يعش في الحياة بغير جمال 

لا يرى في الوجود شيء جميلا 

العجيب ، وجدت  البعض يعدم ساحة استشعار الحس والجمال ، فيضع البيض جميعه في سلة  واحدة ، والفن تتحكم فيه ضوابط جمالية و أخرى  إنسانية واجتماعية  وضوابط شرعية وقانونية ..

لهذا نجد أن أعمالنا الفنية تترصدها  مقصات  الرقيب ، بسبب مخالفتها قوانين النشر والبث ، ولا يشك أحد أن هذا  المنتج الفني ، يحمل بصمة الإبداع ولكنه لم يراعي فيه البعد القيمي ، فلا يحظى بالقبول والتزكية.

لهذا علينا أن ننظر للفن من منظور قيمته الفنية ، وآثارها القيمية،  فلا نطلق العنان للفن الرخيص ، الذي انعدمت فيه روح المجتمع وقيمه وأبعاد أصالته ، بدعوى أنه فن وإبداع وأنه يلبي حاجات إشباع النفس ، فإذا كان هذا الفن  يلبي  حاجات نفسية للإنسان ، لا نقف عند قدسية رسالته  وأبعاد قيمتها في البناء التربوي والاجتماعي الإنساني،  فأحسب أن رسالة الفن بهذا المنظور رسالة قاصرة محدودة الأبعاد ، مقصورة النظرة  في مدلول نفعيتها. 

نعم الفن من أهدافه  أنه يغدي الروح و يشبع رغبتها الفطرية ، يفرغ الشحنات السلبية للإنسان،  كما يقوي دافعيته للانطلاق والحركة ، كل هذه الحاجيات لا نهملها   ، لكن كل هذه الحاجيات التي تقبلها الفطرة السليمة ضرورة وحاجة ملحة ، ومع هذا تبقى رسالة الفن ترقى لأبعد سامية قيمية .

فالفن رسالة بناء وتحصين ووسيلة تواصل إيجابية مع الذات والمحيط ، تتفاعل معه بإيجابية  ، لعل أصدق وصف أنقله – لموريس دي فليمانك يلخص فيه المعنى الحقيقي للفن يقول :  " اللوحة الجيدة هي مثل الطبخة الجيدة، يمكن أن تتذوقها، ولكن لا يمكنك شرحها " 

 كما أن الفن إذا أفرغ من الفائدة ،  سوف يصبح  مادة رخيصة ، فسوف يجعل من  الآداب والفنون وسيلة  هدم مدمرة ، يصعب على أصحاب التربية إصلاح ما يفسده الفن الرخيص ، لهذا يعد الفنان إنسان صاحب رسالة نبيلة ، يكون  في المجموعة عنصر لا يستهان بدوره  الرسالي والعكس صحيح  ، لهذا يقول – السيد فينسينت فان غوخ : 

" الفن وُجد لمواساة أولئك الذين كسرتهم الحياة " 

لهذا كله لا يمكن أن يعزل الفنان نفسه في الزوايا الضيقة أو يحجب عن عينه النور وتبصر الحقيقة ، فعيش الهروب السلبي ، فالفن مادة تحرر من الأسر ، فهو وسيلة تغيير سلمية مؤثرة ، فيجعل من الصورة والكلمة سواء كانت شعرا أو نثرا أو رواية أو أقصوصة ، أو مسرحا جميعها وسائل  تصنع الأمل  الدافع للحركة ، الدافع لليقظة. 

يقول   السيد  فينسينت فان غوخ : 

" ابحث عن النور والحريّة، ولا تتعمق في تأمل شر الحياة " 

في آخر المقال نؤكد جملة من الرسائل الإيجابية ، على الفنان الحقيقي أن يزرع الأمل في النفوس ، على الفنان الرسالي نشر الفضيلة بين المجتمع،  وعلى الفنان الرسالي أن يجعل من الفن أسلوب حياة راقية تهذب الذوق ، فنقبل على الحسن ، ونفر من التفسخ أي كان لونه ومصدره ، كما يتوجب على الفنان أن يكون ضمير أمته يعيش أفراحهم وأتراحهم ، بالمختصر المفيد نحرص  أن يكون الفن رسالة إيجابية  تعمر وتبني  ، لا وسيلة تدمر وتهدم. 

وسوم: العدد 1082