اعترافات خجولة.. ليس هناك وصفاً متاح!!
اعترافات خجولة.. ليس هناك وصفاً متاح!!
سليمان عبد الله حمد
مما لاشك فيه بأن للورش الفنية في ذاك الزمان الجميل دور في خلود تلك الألحان والأغنيات والتي يتردد صداها ويطرب لها كل من يسمعها ، على الرغم من تقادم السنين والأعوام ... فكان لها صدي وذكريات تتردد في مسامع كل الأذواق من جيل ذاك الزمان ولتبقي شاهداً على تواصل الأجيال عبر تلك الحقب المكانية والزمانية !!!...
يتحسر الكثيرون على أزمة الملحنين التي تعصف بواقع الاغنية ، وندرة الملحنين ويمتد مشروع الاسف والحسرة الى ان يصل بالذاكرة الى وقت كان فيه انتاج اغنية، امتع ما يكون واسهل ما يكون، وهو ما عرف بالورشة الفنية أو «السمكرة» وهو تدخل الموسيقيين العازفين في صياغة اللحن النهائي للأغنية قبل ان تنسب الى شخص بعينه.. ويحكى ان قدامى العازفين كانت لهم ادوار كبيرة في صياغة عدد من الاغنيات الخالدة والتي تنسب الى كبار الفنانين تلحيناً.
لكن الاغنية بعد ان تفرقت «لزماتها» بين العازفين هل ينفع ادعاء احد ما.. ان يقول انه صاحب اللحن؟ وما حجم الدور الذي لعبه العازفون في صياغة الحان الفنانين؟ وهل دورهم هذا يعطيهم الحق في الادعاء بالاسهام في الاغنية؟ كل هذه التساؤلات حاولنا الاجابة عليها في عصر يعترف بحق التملك، وينصر صاحب الحق الاصيل.. فيا ترى في عصر الملكية الفكرية هل يمكن اثبات الحق بحجم المساهمة، ام ان العازفين اضاعوا حقوقهم، واي حقوق اضاعوا.
غلاطاً !! ...
يتصادف في كثير من المجالس، ان تشهد «غلاطاً» تاريخيا حول ماض ما.. قد يكون ماضي شخص أو اغنية أو حتى لحن، وكثير من همس المدينة دائماً يدور حول الماضي، وفي حالة ماضي الاغنيات يقول الهامسون ان معظم روائع الاغنيات والتي ارتبط تلحينها بكبار الفنانين في الاصل ليست لهم، وانما لفلان، أو علان، وهي اسماء تمشي بيننا ويرى الكثيرون في الاب الشرعي لعدد من الاغنيات الرائعة إلا انه تخلى عنها طوعاً وكتبت باسم آخرين فهو تحديداً ظل يقر بهذا النسب حيناً ويفر منه احايين كثيرة فعندما يريد ان يفر تكون اجابته «نعم شاركت في صياغة الحان هذه الاغاني» لكن عندما يضيق محيط اصدقائه الملمين بالتاريخ يصمت ولا يكذب ابوته.. وعلى ذات النهج قال الموسيقار «شاركت في عدد من الالحان... فدائماً ما تجد الفنان لديه محاولات ثم نبدى وجهة نظرنا.. والناس بتقبلا»، وحول عدم اقرار بأحقية «80%» من الحان اغنيات بعينها... قال انه لا يستطيع ان ينسب اللحن لنفسه، ما لم يقم به كاملاً... وما تم يجعله مشاركاً في «سمكرة» الكثير من الاغاني «جودت اخطاء صلحت وبدلت» اما فيما تتعلق بالاقدار من اجل الحقوق وقتها كانت الحقوق في التلحين ضعيفة، حيث ان الفنان والشاعر لهما السبق. مشيراً، الى ان الملحن كان اسطورة في التلحين، لكن الحقوق لم تكن مجزية، وعزا دور العازفين في سمكرة الاغاني الى ان الملحنين انفسهم كانوا عازفين، والملحن عازف وملحن، وكلهم ملحنين كان همهم جودة العمل.
ياريت تعود ...
قال لي محدثي، ان كل اغنيات الزمن الجميل كانت جميلة، تمت عبر الورش، وكانت ورش فنية «بي طيب خاطر» لم يكن هناك احد افضل من الآخر، والمهم في العمل من هو صاحب الفكرة الرئيسية، وفي الورشة تكون الاضافة والحذف وتتكامل الروح ليخرج العمل بروح الفريق فكرة جميلة وصياغة محكمة، اما تحديد الحق من منظور الملكية الفكرية فهذا امر صعب ...
تمنى كثير من أصحاب الألحان في ذاك الزمن الجميل أن لو رجع التلحين لزمان الورش التي خلقت الغناء الجميل فكل اغنية تنافس الاخرى «ضنين الوعد» كانت صرة في زمانها. و«كيف يهون» كانت نقلة تاريخية وكذلك «قلت ارحل» وهذا كله يتضافر الجهود أو جهد المجموعة، وحول اخضاع الامر للملكية والحقوق لهذا فإن الامر برمته خواطر موسيقية تنشأ أثناء البروفات ولا يعقل ان يطلب في خاطرة مال.. واضاف «حتى نخرج من الرتابة يجب قبول وجهات النظر في اللحن.. وعقلان يفكران خير من عقل واحد».
لا شك بأن الورشة كانت أمراً متبعاً.. واكثر من اشتهر «بالسمكرة» الملحينين ، حيث عدلوا في الكثير من اغنيات بحيث أن أحد لا يدعي بأنه هذا الجهود والطرب له وحده ،
إلا أنه تبقي حقيقة مفادها بأن «السمكرة» معروفة ومتبعة في كل المفردات الغنائية لهذا يصعب فيها اثبات الحق.
اعتراف خجول ...
ان جهود العازفين في الاغنيات القديمة جهود كبيرة ومقدرة.. وان إدعاءاتهم في محلها رغم انها «تقال بخجل» ويرى الملحن «ما دامت لمساتهم اسهمت في اسعاد الآخرين، لا داعي للقول»، ويروى انه في الفترات السابقة كانت الورشة جزءاً من جهد الناس الجماعي وكانت ضرورية، العدد كان بسيطاً والتجربة جديدة، واثبتت فوائدها في انها تخرج عملاً متفقاً عليه، ولم يكن بها حقوق مادية، «وقتها كان عيباً أن تأخذ مقابل مادي في عمل فني، والطبع يغلب التطبع» ومن عيوب الورشة ان الحق الادبي ضائع.. اضافة الى ان الحق المادي يخافوا ان يتحدثوا فيه.. مما خلق عدداً من التحفظات فهناك «اعمال كثيرة عملها ناس وتغول عليها آخرون» لكن بعد ظهور الملكية الفكرية ومشاكل الحقوق، بدأت هذه الاشياء تخرج للسطح، والذي قاد الناس للمحاكم ان هناك من لا يذكر حتى الحق الادبي. وحقيقة هناك كثير من الاسماء التي ساهمت وصاغت الحان عدداً من الاغنيات الجميلة، فكانت أعمال و بصمات عفوية، اضافوا وحذفوا، وهذا لم يكن خصماً على مقدرة الفنان لانه صاحب الفكرة الاساسية، وضربة البداية.
عيوب ...!!!
وربما من عيوب الورشة في رأي بعض النقاد، انها خلقت ملحنين من لا شئ مستفيدين من جهد المجموعة، ويلمح الكثيرون ان بعض الملحنين ذائع الصيت قد استفاد كثيراً من الورش الفنية فكثير ما يجتمع بالموسيقيين والعازفين في منزله لوضع اللمسات الاخيرة لكثير من الحانه، إلا ان عدداً من الموسيقيين اجمعوا من خلال التجربة أن بعض الملحنين لا يقبل التعديل أبداً و«لو كان يقبل كان الحانو بقت اسمح»، كما قال المصدر الذي فضل حجب اسمه.. وهذا ما جعل عدداً من النقاد الموسيقيين يصفون هذا الملحن بأنه ضيق النفس في المقدمات الموسيقية.
فايروس ...
كثير من الأغنيات الصيت تمت بذات الكيفية فقد شاركت فيها الفرق الموسيقية، وفي النهاية تنسب لشخص واحد، فهل ما قدموه من الحان كان نتيجة ابداعهم ام بمشاركة آخرين؟
ان الورشة من قديم الزمان موجودة، تعاون على النغم، وقال ان اغنيات الزمان الجميل تمت بنفس الكيفية وكانت تتم في «قعدة».
والبعض يسمي الملكية الفكرية «بالفايروس» حيث يرى بمجرد دخول المادة في شئ روحي «خثر» افسدته.. وما تم قديماً لم يكن من اجل المال..
لقد كانت تلك السمكرة الفنية من أهم إبداعات الأغنية في ذاك الزمان الجميل فهي التي ساهمت بلاشك في خلود كثير من الآلحان الغنائية على مر الزمان فلو تسمعها في وقتنا هذا لقلت انها فصلت لجيل اليوم الغد والذي يطرب طرباً يفوق حد الوصف أي ليس هناك وصفاً متاح !!!