الثنائية الغنائية منبع لتواصل الأجيال
الثنائية الغنائية منبع لتواصل الأجيال
سليمان عبد الله حمد
حَفل تاريخ الأغنية بتجارب متعددة للثنائيات الفنية التي أثبتت نجاحها الباهر في مجال الوسط الفني ، ولكن يبدو أن هذه الثنائيات الفنية غير قادرة على الصمود في وجه مشاكل عديدة أبرزها الاستمرارية والانسجام والتناغم !!!
كيف يرى الخبراء والمختصون تجارب الثنائيات الغنائية، واختفاء الظاهرة، ومدى نجاح التجارب السابقة؟
فهناك من يرأى أن طبيعة الأغنية شعبية جماعية، وظهور الثنائيات جاء لتأكيد الجماعية، لأن الأغنية الفردية كانت قد سيطرت على الموقف، بعدها بدأت الثنائيات تتقلّص بفعل الظهور الكثيف للمجموعات (الفرق الكبيرة)، وكدلالة على ذلك تنوع الأداء الموسيقي للتعبير عن الحياة الاجتماعية سواء في الحياة الحضرية أو حياة القرية مع احتفاظ الأغنية الشعبية بكل تقاليدها وسلوكياتها.
وعن اختفاء الثنائيات في الوقت الحاضر يشير بعض من المهتمين إلى أن الثنائيات لم تعد لها قيمة في ظل الجماعات الكثيرة التي ظهرت، ويؤكد أن المستقبل كله للغناء الجماعي بشرط أن يتغيّر أسلوب الأداء وعدم الاعتماد على آلة الأورغ، وضرورة إدخال الآلات الشعبية لتصل في أقل حدودها إلى عشرين آلة موسيقية، لأن كثرة الأصوات الموسيقية تعطي العمل حيوية وقوة وتمنح العمل الفني نجاحاً مقدّراً.
أن الغناء، أصلاً، بدأ جماعياً في المجتمعات القديمة بعد أن عرف الإنسان كيف يشكّل عبارة غنائية، وذلك في أشكال بدائية مختلفة، إما بترجيع غناء المغني الأساسي بواسطة الكورس والمجموعة أو مشاركته في تشطير الجملة الغنائية، إما بالرد عليه كجملة جوابية أو ما يسمى بالغناء الترادفي، وأن يتبادلوا مع المغني اللحن وهو ما يسمى بالأداء والغناء التبادلي.
ويؤكد بعض المهتمين بشأن الأغنية الجماعية بأن الغناء الجماعي هو السمة الأساسية لكل أشكال وأنواع الغناء الشعبي، البدوي والحضري. أما بشأن البدايات الأولى للغناء الجمالي المدني الذي شهدته المجتمعات الحضرية في نهاية القرن الماضي ..
شهدت الجماعات الحضرية في مطالع القرن الماضي البدايات الأولى للغناء الجمالي المدني الذي تحوّل فيما بعد إلى ثنائيات غنائية انفلتت من غناء الحلقي واتجهت إلى تكوين مدرسة جديدة في الحقيقة بعد رحيل الرعيل الأول من الفنانين الذين كان لهم اليد الطولي في هذه النوعية من الأشكال الغنائية ، فما كان ممكناً لمغنٍ مفرد أن يصل إلى مستوى الأداء المتفرد لهؤلاء لقوة أصواتهم وأسلوبهم في الأداء، ولذلك ظهر الثنائي في مدرسة الغناء الأولي لتضم ثنائيات متفردة في أداء فيه التطريب والطرب الأصيل وقد قدموا بهذه الثنائيات أسلوباً جديداً في الأداء والتعبير وتميّزت ثنائياتهم بالانسجام الصوتي وتوافق مزاج الثنائي في الاختيار وتجويد الأداء، ومن ثم ظهرت ثنائيات أخرى لاحقة بعد بزوغ نجم المدرسة الموسيقية وإتاحة الفرصة لوافدين جدد، فظهرت لأول مرة ثلاثية في نوعية الغناء فهي الثلاثية التي تعتبر أشهر في وقتها والأكثر ثباتاً وتجربة وتفرداً في الأداء، ويعتبر ملحنين تلك الفترة من أميز ملحني المدرسة الموسيقية، ولم يعتيرها الوهن فتحولت إلى ظاهرة تستحق الوقوف عندها طويلا !!!.
والمتابع لحركة الغناء حتى في العالم العربي سيكتشف أن الغناء الجماعي لا يعمّر طويلاً لأسباب من أهمها تنافر المزاج والانفصال أو فقدان الكفاءة الفنية أو تدنيها أو توقف التجربة في مرحلة معينة تجاوزها الزمن أو تخطاها التاريخ.
غناء الثنائيات في تقديري، هو من أصعب
أنواع الأداء، لأنه يستوجب انتباهاً وانضباطاً وتطابقاً في إرسال الصوت
وديناميكيته.
ولكن البعض يعتبر أن تجربة الغناء الثنائي تجربة ثرّة تحكي عن الأغنية المليئة
بالعاطفة، ونفذت إلى وجدان المستمعين لاسيما وأن أي تجربة فنية صادقة يتقبّلها
الناس.
وعن تجربة الثنائيات ومدى نجاحها في الاستمرارية يمكن اعتبار تجربة الثنائيات غالباً ما تكون محاطة بظروف معينة واحتمالات الاستقرار والحركة المتاحة لطرف دون الآخر تتسبب في تباعدهما، أما من الناحية الفنية فلا توجد إشكالات...
فهناك أيضاً من يرى أن ظاهرة الثنائيات ظاهرة طبيعية لنشأة الأغنية التي عرفت بالجماعية، وهي امتداد لمرحلة الإنشاد الديني والتي ظهرت فيها المجموعات والعديد من الثنائيات.
أما في مرحلة الأغنية الحديثة فأن هناك تجارب ناجحة للثنائيات وأما عن اختفاء ظاهرة الثنائيات في الآونة الأخيرة فيمكن اعتبار أن الأمر لا يتعلّق بالثنائيات نفسها، ولكن للركود الفني في الساحة، وعدم اهتمام الدولة بالفنون، الشيء الذي جعل الغناء (ما بأكِّل عيش) مما حدا بكثير من أصحاب الموهبة الغنائية للاتجاه إلى طرق ومهن أخرى لكسب العيش.
وعن مستقبل الثنائيات الغنائية فإن الساحة خالية الآن من وجوه غنائية يمكنها أن تقدم تجارب ثنائية، لكنه في نفس الوقت يمكن اعتبار المواهب موجودة، فقط تحتاج إلى الاكتشاف والصقل والاهتمام.
ومن أهم ما يميز النجاح أن يلتقي الطرفان فكرياً ووجدانياً وذوقياً”. إذ أن الغناء الثنائي أصعب من الغناء الفردي، إن نجاح التجربة الثنائية في الفن تبع من أهمية الاحساس والإيمان بقضية الفن الغنائي عموماً ...
تلك بعض الوقفات حول ثنائية الفن التي تسطر التوثيق لحركة التواصل الفني للأجيال عبر الزمان !!!