الشاعر المبدع السوداني " الهادي آدم "

مبدع من الزمن الجميل

الشاعر المبدع السوداني " الهادي آدم "

" لن يرحل النيل "

توثيقي للفن السوداني

سليمان عبد الله حمد

شاعر سوداني ولد في مدينة الهلالية في السودان تخرج في كلية دار العلوم بالجامعة المصرية وحصل على درجة الليسانس في اللغة العربية وآدابها ، وحصل على دبلوم عالا في التربية من جامعة عين شمس ، ثم حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة الزعيم الأزهري بالسودان وعمل معلما بوزارة التربية والتعليم 000

للشاعر الهادي أدم شعر وافر وله دواوين ، أشهرها ديوان (كوخ الأشواق) الذي يعده النقاد من أفضل ما قدم للأدب وللمكتبة السودانية ، ثم (نوافذ العدم) و (عفواً أيها المستحيل) ، وكتب أشعار أشهرها قصيدة ( أغداً ألقاك) التي غنتها كوكب الشرق ( أم كلثوم ) فيما كتب العديد من القصائد آخرها قصيدة لم تنشر بعد بعنوان (لن يرحل النيل) يصور فيها بريشة الفنان ذكرياته العزيزة التى عاد يتفقدها في حي منيل الروضة الذي سكنه في صباه 000

ويعتبر النقاد الراحل الهادي آدم ، أنه ظل لعقود في مصاف الشعراء الكبار ، ليس على مستوى ا لسودان ، وإنما على مستوى العالم العربي ، ورغم انتمائه لجيل سابق للحركة الشعرية المعاصرة ، فإنه يعتبر من الشعراء المحدثين 000

ويقول الهادى آدم عن نفسه 0000

( ولدت في قرية أصبحت مدينة الآن هي قرية الهلالية على شاطئ النيل الأزرق جنوبي الخرطوم وتابعة لمحافظة الجزيرة وهي بيئة زراعية تجارية ، والمؤكد أن الإنسان يتأثر بمسقط رأسه وموطنه 000 والبيئة التي نشأت فيها أهلها أناس بسطاء طيبون يحرصون على الرزق الحلال في الزراعة والتجارة ويؤازرون ويشاطرون بعضهم بعضاً في الأفراح والأحزان ، ويعتبرون كل من ينتمي إليهم جزءاً لا يتجزأ منهم ) 000

ولقد شدت كوكب الشرق (أم كلثوم)  نبرة القصيدة كما سجلتها على أسطوانة لصوت القاهرة في العام نفسه 000

وبالرجوع إلى ديوان الشاعر السوداني الهادي آدم الذي نشرت ب هذه القصيدة ، يتضح أن ما نشر بالديوان شيء وما غنته أم كلثوم شيء مختلف تماماً حتى أنه قد يبدو أن الشاعر السوداني قد اضطر لإعادة صياغة كلمات هذه القصيدة من جديد وذلك إرضاء لذوق أم كلثوم وشهرتها العريضة 000

ففي الديوان المنوه عنه والذي صدر في عام 1962م تحت عنوان (كوخ الأشواق) عن إحدى دور النشر السودانية بالقاهرة العنوان الأصلى لقصيدة ( أغداً القاك) هو (الغد) وأن مطلها هو :                                                أغداً ألقاك

يا لهف فؤادي من غد

وأحييك ولكن

بفؤادي أم يدي

وقد أشار صالح جودت والذي يعود إليه الفضل في اختيارها إلى وجود تعديلات على هذه القصيدة حيث قال ( وجاء الهادي آدم إلى القاهرة والتقى بأم كلثوم وكان معها محمد عبد الوهاب وقرءوا القصيدة مرة وأثنين وثلاثاً وعشراً وعدلوا وبدلوا وقدموا وأخروا ، إلى أن استقروا على الصورة النهائية لهذا القصيدة 000

ولقد بقيت في أدراج أم كلثوم حوالى عام دون أن تشدو بها 000 ومما يجدر الإشارة إلى أن كم التعديلات التي أجريت على كلمات هذه القصيدة كبير لدرجة لم نعهدها في غيرها من القصائد التي تغنت بها أم كلثوم 000

وأولى هذه التعديلات كما سبق وذكرنا كان في عنوان القصيدة نفسها ثم شمل بعد ذلك الأبيات والكثير من كلمات هذه الأبيات ، ففي البيت الأول استبدلت أم كلثوم كلمة (يا خوف) بدلاً من ( يا لهف) 000 كما غيرت الشطر الثاني من البيت نفسه بحيث أصبح يقول ( يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد ) بدلاً من (وأحييك ولكن بفؤادي أم يدي ) كما أهملت أم كلثوم ثلاثة أبيات آخرى من هذه القصيدة وقد نشرت بالديوان على هيئة شطرات منفصلة 000

وهي التي يقول فيها الشاعر الهادي آدم :

أم بطرف خاضع اللمح كليل مجهد

لست أدري كيف ألقاك ولكن صدى

ظامئ أرهقه البين وطول الأمد

ووفقاً للترتيب العام للأبيات في هذه القصيدة المنشورة بالديون 000 فقد بدلت أم كلثوم في مواقع بعض هذه الأبيات ، مثال ذلك أنها قدمت الأبيات التي تقول مطلعها 000

آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا 000 على الأبيات التي في مطلعها 000 أنت يا جنة حبي واشتياقي وجنوني 000 وتزامن ذلك مع التعديل الذي أدخلته أم كلثوم على بعض كلمات هذه الأبيات 000 فنراها قد اختارت كلمات 000 آآآآه كم أخشي 000 بدلاً من أأأأأنا اخشى 000 وكذلك 000 أهلت فرحة القرب به بدلاً من 000 وتوالت الدهشة القرب 000 وكلمة 000 احتمل بدلاً من 000 أستبطن 000

كما شهد الجزء الأخير من القصيدة تغييرات كثيرة سواء في الكلمات أو في إضافة ابيات جديدة كتبها الهادي آدم وهي ليست موجودة أصلاً في قصيدته المنشورة بالديوان 000 ففي الأبيات التي تقول فيها 000 هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر 000 كانت في الأصل 000 هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر 000 والملاحظة الواجب الإشارة إليها هي بأن الشاعر الهادي آدم قد اضطر إلى إعادة صياغته بالكامل من جديد 000  حتى تقبل أم كلثوم أن تشدو بها 000

وأنه بلا شك بأن ما بذله الشاعر الهادي آدم مجهود كبير حتى تصل كلماته إلى صوت وحنجرة كوكب الشرق أم كلثوم وكذلك إلى آذان الملايين من عشاقها 00 كما كتبت للشاعر الهادي له في الوقت نفسه شهادة بقاء أبدي في عالم ا لشهرة وعالم قصائد الشعر 000

ومن أجل ذلك رأينا أن نقدم له باقة كلمات 000 قد سطر بعضها عن نفسه 000 واستكملها البعض الآخر 000 ولقد أستهل ما كتبه هو نفسه في مقدمة ديوانه 000

( كوخ الأشواق ) بقوله 000 ( لعل من أصعب الأشياء أن يقدم المرء نفسه بنفسه 000 ولكن لا يقل عن ذلك حرجاً أن يدع غيره يحدثه عن خلجات نفسه 000 وقد اخترت الأول على ا لثانية ، ولي من الأصدقاء الأجلاء من يشرفني أن يقدموا شعري للناس فما عساي أن أقول 000 !!!

وقد رحل في 30/11/2006 م الشاعر السوداني الهادي آدم عن عمر يناهز الثمانون عاماً بعد حياة زاخرة بالعطاء في ميادين الأدب والثقافة والفكر داخل السودان وخارجه ، وقدم خلالها للمكتبة العربية عدداً من الأعمال والإصدارات الشعرية العديدة 000

مع تحياتي لكم حتى يحين اللقاء أحبتي في لوحة من لوحات الإبداع الفني السوداني ، مع مبدع وزمن في الأيام القادمات ...