أنشودة واحدة أبقته معنا

كاظم فنجان الحمامي

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

ظل الفنان المصري الكبير (محمد عبد المطلب) برفقتنا في رحلتنا الطويلة مع شهر رمضان, منذ أكثر من نصف قرن, بأنشودته الخالدة (رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه), التي صارت من أعذب وأجمل الترنيمات الشعبية في هذا الشهر المبارك, يرددها الناس في المدن والأرياف العربية من طنجة إلى خانقين ومن الفاو إلى نواكشوط, حتى ارتبطت بوجدانهم, وتوارثتها الأجيال, جيل بعد جيل, فرددوها بشغف ابتهاجا وإجلالا بقدوم شهر رمضان, من دون أن يعرفوا اسم الشاعر الذي كتبها ؟, والموسيقار الذي لحنها ؟. .

لقد كتب كلماتها الشاعر المصري (حسين طنطاوي), ولحنها (محمود الشريف), وأخرجها للتلفزيون المصري المخرج (يسري غرابه) في خمسينيات القرن الماضي, ساعده في التصوير (عوني جعفر), وفي المونتاج (عاطف موافي), تقول كلماتها:

رمضان جانا وفرحنا بو

بعد غيابو وبقالو زمان

غنوا وقولوا شهر بطولو

غنوا وقولوا أهلا رمضان

رمضان جانا قولو معانا أهلا رمضان

بتغيب علينا وتهجرنا وقلوبنا معاك

وفي السنة مرة تزورنا وبنستناك

من امتى واحنا بنحسبلك ونوضبلك ونرتبلك

أهلا رمضان جانا قولو معانا أهلا رمضان

">

اما الفنان الذي أدى هذه الأنشودة الرائعة بصوته القوي المميز, فهو محمد بن عبد المطلب بن عبد العزيز الأحمر, المولود في محافظة البحيرة في الثالث عشر من آب (أغسطس) عام 1910, عمل في بداية مشواره الفني في مسرح (بديعة) عام 1932, ولحن له الموسيقار محمود الشريف (بتسأليني بحبك ليه), وتتلمذ على يده شفيق جلال, ومحمد رشدي, ومحمد العزبي, من أروع أغانيه: (ساكن في حي السيدة), و(تسلم إيدين اللي اشترى), زاد رصيده الغنائي على ألف أغنية, وكانت وفاته رحمه الله مساء يوم 21/8/1980, لكنه ظل معنا بصوته الهادر المعبر كلما هل علينا رمضان بإطلالته الجميلة, فنستمتع بسماع أغنيته الرمضانية, التي ظلت موصولة بنسيج الحياة, راسخة في وجدان الناس, مرتبطة بتراثنا العربي, فبمجرد حلول الشهر الكريم تقفز على ألسنة الناس أنشودة عبد المطلب (رمضان جانا), وتبثها الفضائيات العربية كلها, حتى تحولت بعض قفلاتها الموسيقية بمرور الوقت إلى مقاطع ومعزوفات قصيرة تزين افتتاحيات البرامج الرمضانية.

">

وتمضي السنوات, وتتطور الأناشيد والأغنيات, ويتعاقب المنشدون, وتصدح أصواتهم في فضاءات الدعاء والتهجد, وتنتج الاستوديوهات العربية مئات الأناشيد,

لكنها سرعان ما تختفي وتُنسى, ويبقى عبد المطلب ملتصقا في تلافيف الذاكرة, حتى صارت أنشودته جرسا يعلن للناس حلول الشهر الكريم, وظلت كلماتها وأنغامها خضراء مورقة حتى يومنا هذا. .

">

ولابد لنا في نهاية المطاف من التساؤل عن سر حيويتها, وامتدادها عبر هذه العقود الطويلة, فنكتشف بعد الدراسة والتحقيق, إن المنشدين الجدد لا يشبهون المنشدين القدامى, ولا يتفاعلون مع الكلمات ومعانيها, وتنقصهم الحرفية في الأداء. .

في الماضي كان الناس أكثر هدوءا واستقرارا, وكانت حياتهم الفطرية مشبعة بمساحات الذوق الموسيقي والاستماع والتلقي, ومشبعة بالصدق والبراءة. .

">

ولا نحتاج هنا إلى ما يؤيد صحة كلامنا, فقد أضحت هذه الأنشودة من الإيقاعات الرمضانية الراسخة في الذهن, وصارت من المقدمات الإذاعية والتلفزيونية, التي تبشر الناس بقدوم الشهر الكريم. .