التراث الشعبي الموصلي... هوية مدينة ينبغي المحافظة عليه
التراث الشعبي الموصلي...
هوية مدينة ينبغي المحافظة عليه
نايف عبوش
من دون خوض في تفاصيل مصطلح الفولكلور يمكن القول باختصار بانه يعني بشكل عام، التراث الشعبي بكل مفرداته. ففي كل شعب، يضيف كل جيل الى التراث ما يتراكم لديه من سلوكيات مستجدة تتجسم بهيئة العادات او التقاليد الموروثة، ويحذف منها مع مرور الزمن ما لم تعد مستساغة لأسباب كثيرة، في عملية صيرورة مستمرة تواكب التطور. وهكذا يتمركز اعتياد ما يسجد من سلوكيات، وما يبيد منها، حسب الحالة التي يعيشها ذلك الجيل. ولعل الملاحظ في هذا السياق، ان التراث الشفاهي، كالكصيد والعتابة، والغناء على سبيل المثال، تتغير دلالات مفرداته، بتعاقب العصور، بشكل اسرع من التغير الذي قد يحصل في المعمار، والعادات، والتقاليد، ربما لكون اثار التراث الشفهي غير ملموسة، مما يجعل عملية تغييرها او اضمحلالها مع الزمن اسهل نسبيا. لذلك نجد ان لكل عصر من هذه الفنون التراثية ملامحه المترسخة فيه من تلك الفنون.
ويظل التراث الشعبي بكل فنونه، وملامحه، ابن بيئته التي افرزته في الزمان والمكان والإنسان، ومن ثم فهو ملك عام لجمهور ذلك الشعب الذي ابدعه، وبالتالي فهم الاولى بالحفاظ عليه، من المسخ والتشويه، والأجدر من الغير برعايته، وتحصينه، من عوامل الضياع والانقراض.
لذلك فإن الحفاظ على الموروث الشعبي للبيئة الموصلية، انما يعني الحفاظ على سمات الشخصية الموصلية، في سيرورتها المتعاقبة عبر الزمن، حيث ان التراث يحمل سحنات الهوية الحضارية لتلك الشخصية، لاسيما وأن الموصل، قد صنعت لها تاريخاً حضارياً ضارباً في عمق الوطن، فظلت بذلك حاضرة ثرية بالموروث الشعبي، الذي يتنوع بخصوصيته، بتنوع المكان والمناخ والناس، سواء في مركز المدينة، أو في الاطراف.
ونظرا لما افرزته العصرنة من تحديات، بوسائلها المعولمة، وفضائها المفتوح على مصراعيه، ورحيل الجيل المهتم بالتراث من الرواة، والكتاب، والفنانين، وخفوت الاهتمام العام بالتراث بتعاقب الاجيال، فقد بدأ الاستلاب يطال الكثير من معطيات التراث، حتى اندثر الكثير من العادات والتقاليد، التي كانت تميز المجتمع الموصلي، وتعطيه ملامحه الخاصة.
ولما لهذا التراث الشعبي الموصلي بكل انواعه، من عادات الزواج، والزي والأكلات، والشعر، والأغنية، والمجالس، والمعمار، ومعايير الصنف المتداولة في السوق، وغيرها، من اهمية بالغة، في تحديد ملامح ألهوية التي تميزه عن تراث الآخرين، فهو يحتاج الى التوثيق بشكل منهجي، لكيلا تتلاشى خصوصية الشخصية المحلية للتراث، في طوفان العصرنة الجارف. وهذا يتطلب تفعيل نشاط مركز دراسات الموصل، ومتحف التراثي الشعبي التراث بجامعة الموصل، بما تراكم لديهم من خبرة فنية، ومعرفة اكاديمية، لكي يتم التمكن من مواكبة ما حصل للتراث من تغيير، وتوثيق ملامحه بعد تركيز الملامح الأصيلة فيه، وحذف المظاهر الزائفة التي لحقت به.
وتبقى مسؤولية الحفاظ على ملامح هذا التراث الثري، وترسيخ خصوصيته، مسؤولية جمعية، اكبر من ان يتم حصرها بمرفق معين. مما يتطلب ان ينهض بهذه المهمة الجليلة، كل من يعنيه امر التراث وخصوصياته، من الكتاب، والفنانين، والباحثين، والرواة، وغيرهم، قبل ان تأتي الايام، على ما تبقى لنا منه من بقايا، فتنطوي صفحات مهمة، من صفحات ماضينا الجميل.