المسلسلات... دعوة للأخلاق أم دعوة للانحلال؟!
المسلسلات...
دعوة للأخلاق أم دعوة للانحلال؟!
حذيفة العاصي
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مقولة راجت بيننا، شأنها شأن كثير من الأفكار الدخيلة على مجتمعنا، المنافية لعاداتنا وتقاليدنا، والساعية للطعن في ديننا، هذه المقولة كثيراً ما بتنا نسمعها ليل نهار على ألسنة الناس وعبر القنوات الفضائية، وهي: "أن المسلسلات التاريخية تدعو إلى الأخلاق" فما هي حقيقة هذه العبارة، وهل هي صحيحة؟! وهل هي موافقة للشرع؟! وهل حقيقة أن هذه المسلسلات تدعو إلى الأخلاق والبطولة؟! أم أنها تعمل على تغريب المجتمع المسلم وتبعث فيه العجز والجبن والخوار؟!
وإذا كانت هذه المسلسلات حقيقة تدعو إلى البطولة والأخلاق فلم انعدمت أخلاق الكثير منا في الواقع، واكتفينا بالصلاة والعبادات، أي بالجانب العبادي فقط، بعيداً عن الجانب العملي، والله يقول: "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت45، والرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وقد كان عليه أفضل السلام والسلام خلقه القران، بينما لم تعد صلاتنا وصيامنا تنهيانا عن منكر، أو تأمرنا بمعروف؟!
ثم ما بال تلك البطولات التي نشاهدها في هذه المسلسلات لم تعد تحرك فينا ساكناً، رغم الذل والهوان والانكسار الذي نعيش، ورغم المجازر التي يتعرض لها أخوتنا في كل مكان، في فلسطين والعراق وسوريا وأفغانستان والشيشان والصومال وغيرها من بلدان المسلمين؟! وكأن هذه البطولات التي تعرض علينا قد أوهمتنا بأننا قد قمنا بدورنا المنوط بنا، وأشعرتنا بأن هؤلاء قد قاموا به بدلاً عنا، ولسان حالنا يقول أنه لا داعي لنكلف أنفسنا ونقدم شيئاً؛ فانعدمت البطولات في واقعنا، ولم نعد نسمع عنها إلا في المسلسلات، اللهم إلا معارك كلامية يغرقنا بها أصحاب الشعارات الجوفاء، ومجازر ترتكب بحق الشعوب المسلمة العزل.
وتحولُ هؤلاء الذين يمثلون البطولة في المسلسلات، ويزعمون أنهم أبطال، إلى حشرات بلع الخوف ألسنتهم، كما فعل الفنان "دريد لحام" صاحب مسرحيات وأفلام "غوار الطوشة" الشخصية المشهورة، صاحبة مقولة "لما يضربك الغريب شكل، ولما يضربك ابن بلدك شكل تاني" والتي نقدت الظلم وانتهاك كرامة المواطن أيما نقد من قبل، ولكن من خلال التمثيل والتنفيس فقط، ولما جد الجد وجدتهم نكصوا على أدبارهم وتنكروا لكل ما قالوه من قبل، واختاروا أن يكفروا بما خدعوا به الناس سابقاً، ويتخلوا عن مظهر الفرسان الذين لا يقولون إلا شكلاً واحداً، وشكلين ما بيقولوا، ويظهروا بمظهر الإنسان الرعديد الجبان، ويقفوا إلى جانب القوي الغاشم المستبد، ويغرسوا سهام حقدهم بالشعوب المقهورة التي انتفضت لرفع الظلم الواقع عليها.
حتى استحق "غوار الطوشة" المكافأة على حساب دماء الشعب السوري، وتم إعطائه قطعة أرض زراعية تعود ملكيتها لفلاحي منطقة "جوبر" الثائرة، وذلك في تكريم له عبر نقابة الفنانين، وهي من أفضل الأراضي الزراعية لخصوبتها، وقد قال أهالي جوبر، بأن:" الأرض أعطت للشبيح غوار دون علمهم، وفوجئوا بوجود مجموعة من الشبيحة تراقب العمال الذين باشروا ببناء قيلا على الأرض الزراعية للفنن، وحين اعترض الأهالي على ذلك، وبحضور دريد لحام هجم الشبيحة الذين كانوا برفقته، وقتلوا شاباً في العشرين من عمره ينتمي لإحدى العائلات المستملكة للأرض من سكان جوبر آباً عن جد".
وهو الأمر الذي لم تستطع الشعوب الإسلامية أن تطبقه على أرض الواقع من بطولة، في محاكاة للمسلسلات التاريخية، ومالت للخنوع وأخوتهم يقتلون في كل مكان، بينما قامت بتطبيق الجانب الآخر من المسلسلات الأخرى الغير تاريخية، وتتبعت الموضة الغربية، وعرت النساء، واتخذت الصديقات والعشيقات والخليلات، وتحول مجتمعنا إلى مجتمع سافر منسلخ عن كل قيمه وثوابته– إلا ما رحم ربك– وكل هذا ضمن خطط خبيثة ينتهجها "علمانيو" هذه الأمة، وعلى رأسهم الممثلون الذين ينشرون فينا هذه الأفكار السامة من خلال المسلسلات المدبلجة والأفلام الهابطة.
وأما بالنسبة للأساس الذي قامت عليه المسلسلات وهو الأهم، هو أن هؤلاء الذين يمثلون هذه المسلسلات والأفلام، سواءً التاريخية أو الساقطة والتافهة أو المدبلجة، ديوثين لا شرف لديهم ولا يغارون على أعراضهم، إذ كيف يسمح أحدهم لأمه أو أخته أو زوجته أن تمثل دورها أمام رجل غريب عنها، وتخالطهم، وليس تجاوز الشرع بالاختلاط فقط، ولكن من خلال السفور فالكاميرا تنقل لنا المرأة في الشارع محجبة مختمرة من أعلاها لأسفلها وهو الحق في هذا، ولكن إذا ما دخلت إلى الدار اختفي الحجاب وكشفت عن وجهها وشعرها ولبست ملابس النوم الشفافة، إذا كان المشهد في غرفة نوم إلى جانب زوجها – بالتمثيل– تظهر كل مفاتنها له، مطمئنة أن لا أحد يراها سوى ملايين الأعين خلف أجهزة التلفاز، أو إذا كان الأمر بين حبيب وحبيبته، وجدتهما غارقين في أحاديث الهيام والغرام، يضمها بين يديه ويحتضنها وتسقط نفسها بين أحضانه، تشاطره كلمات الغرام والهيام، ويتكلمان بكلام لا يليق أن يكون إلا بين رجل وحليلته، وهي لقطات يكاد مسلسل لا يخلو منها وخصوصاً المسلسلات التاريخية، ومرة أخرى تكون عشيقة تمارس دورها المنوط بها، وأخرى تكون أماً يقبلها أولادها وتضمهم إلى صدرها، ورابعة تكون بنتاً أو أختاً تضع نفسها بين أحضان أبيها –بالتمثيل– وتمرغ نفسها بين أحضانه.
وكيف يمكن لأشخاص فقدوا الشرف وجعلوا من أنفسهم وأعراضهم ألعوبة لمن شاء وهب ودب، وكل يوم تكون أخته أو زوجته أو ابنته بحضن شخص جديد، أو هو نفسه في كل يوم يواقع زوجة جديدة، أو عشيقة جديدة؛ أن نجعل منهم قدوة لنا، حتى وإن كان في بعض أفكارها التي يطرحونها الشيء الجميل، إلا أنها كالعسل المملوء سماً، تمرر من خلاله الأفكار الانحلالية، وتشجع على الاختلاط، وتحلل السفور، وكل شيء من شأنه أن يعمل على تميع عقيدة المسلم، وإفساد أخلاقه، وما بني على باطل فهو باطل، وكأني بهؤلاء وحالهم الذي هم فيه كحال رجل سرق تفاحة ثم تصدق بها، والأمام أبو حنيفة يراه ويعجب لتصرفه، فيسأله متعجباً من فعله، فقال له: أنا سرقتها فكتبت علي سيئة واحدة وتصدقت بها فكتبت لي عشر حسنات، فقال له الإمام أبو حنيفة –رحمه الله–:" أنت سرقت فكتبت عليك سيئة، وتصدقت بها فلم يقبلها الله منك، لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً" والنية الصالحة لا يمكن لها أن تقلب المعصية طاعة.
وهو حال المسلسلات التي نزعم أنها تدعوا إلى الأخلاق، فنقول إن هذه المسلسلات بنيت على الخطأ، وقامت على الاعتداء على شرع الله وارتكاب المحاذير، فترتب عليها وعلى أصحابها الإثم، دون أن يقبل منهم عملهم هذا، وأما الحديث عن الأخلاق التي سيقدمونها لنا أمر اشد غرابة وعجباً، إذ لن يكون بمقدور إنسان فاقد للأخلاق ومضيع للشرف بأن يقدم لنا أخلاقاً، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ومبدأ يقوم على الدياثة ليس جديراً بأن ينقل لنا أخلاقاً، إلا خلق الرذيلة والانحلال، وإن كان هؤلاء يريدون أن ينقلوا لنا هذه الأخلاق من خلال مخالفة الشرع، فالله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإنما الأعمال بالنيات، حتى وإن كانت حجتهم أنهم يمثلون الدور المنوط بهم، فحجتهم تلك داحضة باطلة!!
ولو سلمنا بعدها بالمسلسلات التاريخية، وفرضنا جدلاً أنها تدعو للأخلاق، بالرغم من أنها تمتلئ بقصص الغرام والهيام، والخزعبلات والخرافات المنافية للشرع وتروج لها، فما بال هؤلاء يمثلون المسلسلات الأخرى الهابطة والتي ترى فيها مجوناً وخلاعة، وعلاقات غير شرعية وتجاذب أحاديث الغرام بعيداً عن عش الزوجية، والدعوة إلى كل رذيلة، بالإضافة إلى مشاركتهم في المسلسلات المدبلجة التافهة، فهؤلاء ماذا سينقلون لنا؟! والمخرجون والكتاب الذين كتبوا مثل هذه الأفكار الهدامة، ماذا سينقلون لنا من الأخلاق؟! وما دام هؤلاء يزعمون أنهم يخافون على أخلاق مجتمعنا، فلماذا يقدمون له ما يسيء إليه، وما يخدش حيائه؟! وما دام هؤلاء يزعمون أنهم أصحاب أخلاق، لماذا يقومون بتمثيل المسلسلات التافهة، والمدبلجة، والتي كان لها النصيب الأكبر في تغيير عادات وأخلاق المجتمع المسلم؟! ثم أليس هؤلاء الذين يكتبون هذه المسلسلات ويمثلها هؤلاء الهابطون، أليسوا هم جميعا منحلين أخلاقياً، ومنحرفين عن الشرع، ومبتعدين عن العادات، تشجعهم حكومات علمانية، لا تعرف من الإسلام إلا الهوية، فهم غير مؤهلين لأن يضعوا في أذهاننا أخلاقاً، وإنما سيضعون في أذهاننا دياثتهم وانحلالهم؟!
وأغرب من هذا كله أن إحدى القنوات التي تزعم أنها تنتمي إلى أحد الأحزاب الإسلامية، كانت تعرض هذه المسلسلات، كمسلسل "باب الحارة" التاريخي البطولي، وبين كل فقرة وأخرى، تقوم بعمل فاصل وتعلق على موقف ورد في المسلسل بآية من القران الكريم أو حديث نبوي شريف، يريدون أن يجعلوا من "ديثة" بشرهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالنار، قدوة لنا؟! ثم هل من المناسب أن نستشهد على تصرفاتهم بآيات من القران الكريم والسنة النبوية، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، مالكم كيف تحكمون!! وفيهم يقول عز وجل:"وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" البقرة42.
ثم كيف سيكون شعور الشباب والفتيات عندما تدغدغ أسماعهم كلمات الحب والعشق التي ترافق المسلسلات لحظة بلحظة، وخصوصاً المدبلجة منها، وأي أفكار سيحملونها وأي واقع سيمارسونه، والى أي أخيلة سيصلون، ونحن نتركهم فريسة سهلة بيد هؤلاء، حتى يصل بهم الأمر إلى تطبيق ما يشاهدونه والواقع بالحرام كما تسعى إليه تلك المسلسلات؟! والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام يقول لنا: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" دون أن نلتفت لدعوة الله عز وجل لنا بأن نجنب أنفسنا وأهلينا ناراً، وأن لا نكون من الخاسرين الذين قال فيهم:" قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ" الزمر15.
وبعد أن بينت الأحداث العظام التي مر بها إخوتنا في سوريا، بأن هؤلاء الذين مثلوا البطولة تمثيلاً، ليسوا سوى صعاليك وشذاذ آفاق، لا يعرفون معنى الرجولة، بل لا يملكونها من الأصل، وأن الحكومة التي كانت ترعى إخراج هذه المسلسلات، ودبلجة التركية منها، إنما هي حكومة قاتلة، مفسدة مضلة، لذا وجب الحذر كل الحذر من هذه الأفكار التي تروجها بيننا، والتي نفتح أمامها أسرنا كاملة من أجل متابعتها، وخصوصاً تلك المسلسلات التركية المدبلجة، والتي قل أن يخلو بيت من حضورها، فتجتمع العائلة كبيرها وصغيرها، الأطفال الرضع والبنات والشباب القصر، والأم والأب، والشيوخ الركع، لكي ينجذبوا خلف نرمين، وما سواها، حتى ما عدنا نسمع إلا الحديث عن هذه المواضيع التافهة.
هذا ما حيث المبدأ القائم على الباطل، ومخالفة الشرع، ناهيك عن ربط الناس بوقت المسلسل، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك حيث تكثر هذه المسلسلات، ولا تعرض إلا وقت صلاة التراويح، وقيام الليل، وينتهي المسلسل ليشغلنا ترقب وقته القادم، والحديث عن توقعات الأحداث، وما ننتهي من مسلسل إلا وندخل بآخر وهكذا.. بالإضافة إلى تقليد حركاتهم وأقوالهم، والتندر والسمر والحديث عما سيحصل من أمور جديدة قبل حدوثها، وبالخلاصة فلا يصبح شغل الناس إلا الحديث عن هذه الأمور التافهة، والتكلم في التفاهة فقط، بدل أن يكون شغلنا الشاغل تقضية وقتنا فيما يرضي الله ويبعد عنا سخطه؟!
وقد طالعت تصريحاً فاحشاً نشر منذ سنوات لأحد الفنانين المصريين الهابطين، يعترف فيه وبكل وقاحة، أنه قد خان جميع زوجاته، مرجعاً ذلك إلى زياغة عينيه وحبه للحريم، وسبقه اتهام للمطربة اللبنانية "صباح" بخيانة أزواجها، ولكنها عادت لتبين بأنها لم تخنهم جسدياً، وإنما خانتهم بعيداً عن جسدها!! والأسوأ أن كل هذه التصريحات جاءت في برامج حوارية وفي شهر رمضان المبارك عام 2009م، مما يدلل أن ما بني على خطأ، ومن المستحيل أن يصبح صحيحاً، وأن الباطل محال أن يصبح حقاً، ولهذا كانت حكمة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام عندما حذرنا من الوقوع في الشبهات والابتعاد عنها، لان الولوغ في الشبهات سيقودنا إلى أن نضل السبل، يقول عز وجل:" وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" الأنعام153.
ومن سنتين كذلك قامت إحدى الدول العربية، والتي اشتهرت بإقامة الحدود وتطبيق القصاص، بالقبض على أحد الشباب الذي اعترف على قناة لبنانية بممارسته للفاحشة، وأكدت الدولة بأنها ستقيم عليه الحد، ومن المؤكد أن الحد قد أقيم عليه، ولكن القنوات التي قادته إلى الفاحشة، والتي يملكها احد أمراء هذه الدولة، مثل قنوات "البي بي سي" و"الروتانا" و"الإي آر تي" التي تعمل على ضخ عشرات المشاهد الإباحية، لم تتوقف عن ضخ الفساد والفاحشة في مجتمعاتنا!!
وفي وهذا رد على الذين يروجون لهذه المسلسلات زاعمين إنها تدعو للأخلاق، وتحث على البطولة، لأنه لا يمكن لمنحل أن يروج لخلق، ولا يمكن لمن لا يغار على عرضه، ولا أعراض المسلمات، بأن يقدم على خير، وهل انعدمت الأخلاق من مجتمعنا حتى ينقلها لنا هؤلاء الكتاب والمخرجون والممثلون الساقطون، الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع المسلم؟! لأننا لسنا بحاجة لهم، ولسنا بحاجة إلى أخلاق ينقلها لنا هؤلاء، فأخلاقهم أخلاق عرجاء لن تزيد مجتمعنا إلا تيهاً.
والأولى بهؤلاء – وأقصد بهم الفنانون الذين رفضوا الظلم ووقفوا إلى جانب شعبهم المظلوم– أن ينهوا نسائهم ويمنعونهن من التمثيل، مقابل دريهمات يفقد بها الشخص عفته وتنعدم غيرته، والمثل يقول:" تموت الحرة ولا تأكل بثدييها" حتى وإن لم يصل الأمر إلى أكثر من كلمات ونوم وحضن وقبلات، وأن ينتهوا هم عن التمثيل بحضرة النساء، لأن هذا كافي لتشويه الشرف وفقدان الغيرة؟! ومن ثم يصل بهم فقدان الحس إلى الوصول إلى حد البلادة!؟
إن مسئولية إيقاف هذا المجون الذي ينتشر فينا كانتشار النار بالهشيم، مسؤولية جماعية، والدور الأكبر فيها يقع على العلماء، وعليهم تقع مسؤولية التصدي لهذه الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وخصوصاً أن حكامنا فقدوا كل شعور بالمسؤولية، ولا هم لهم إلا العمل على إفساد المجتمع المسلم، ونشر الرذيلة ومحاربة الشباب الملتزم، وسجنه وطرده، وتقريب المفسدين منهم، وإبعاد أهل الحق، وتنحية أهل النصح والوعظ، وما لم نقضي على هذا الأمر من جذوره، فإن الفاحشة ستستمر في مجتمعنا، تمزقه، وتفكك روابطه، وتشتت أفراده، وما يروج فينا سيتنقل إلى بناتنا وأبنائنا، بل ينتقل إلى أنفسنا وأهلينا، لنقيم علاقات غير شرعية، واختلاط غير شرعي يفضي إلى إقامة علاقات جنسية قبل الزواج، أو إلى خيانة خارج عش الزوجية.
وأكبر دليل على تشرب المجتمع لهذه الأفكار أننا كنا من النادر أن نشاهد فتاة سافرة، أو أن يكون للشاب صديقة أو خليلة، أو للفتاة صديق أو قرين، بينما الآن أصبح من النادر أن ترى شخصاً وليس لديه صديقة، أو أن ترى فتاة متحجبة، وخصوصاً في المجتمع الجامعي.
ومن أراد أن يتثبت من هذا ليدخل على جامعاتنا، وحدائقنا، وليمر على مقاهي النت، وشبكات الشات، ليرى شبابنا وبناتنا الذين يهربون من مراقبة الأهل إلى الشات، لإقامة علاقات غير شرعية وأحاديث محرمة، يتعارف فيها الشاب على الفتاة، ثم يتنقل الأمر بعدها إلى صورة، ومن ثم إلى كميرا، وبعدها إلى خروج ووعود بالزواج، ثم بعد أن يقضي منها وطراً يتركها ويبحث له عن فريسة جديدة.
ولأن هذا الطريق من بدايته خطأً، كانت آثاره مدمرة وخطيرة وسلبية على المجتمع، فالله تعالى يحذرنا في أكثر من أية فيقول:"ولا تتبعوا خطوات الشيطان" لأن الشيطان لا يأتي للإنسان ويزين له الإثم بداية، ولكنه يخطوا به خطوة خطوة، يزينها له على أنها شيء صالح، ثم يتلوها بأخرى إلى أن يصل به بعدها إلى الضلال المبين، وهذا ما حصل مع قوم آدم وقوم نوح وغيرهم من الأقوام، عندما أتاهم الشيطان فطلب منهم أن يتذكروا الصالحين منهم وأن يضعوا لهم صوراً حتى يبقوا في ذاكرتهم ولا ينسونهم، ثم جاءهم بعد هذا وطلب منهم أن يصنعوا تماثيل لهم، إلا أن طلب منهم أن يعبدوهم ويسجدوا لهم، موقعا إياهم بالشرك وعبادة الأصنام، خطوة خطوة، يقول عز وجل:" يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً، يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً" النساء26– 27.
وأما مسؤولية الآباء والأمهات فعليهم أن يربوا أولادهم على التقوى، ويعلموهم سيرة الجيل الأول ويجعلوا من هذا الجيل قدوة لهم، متخذين من رسول الله – صلى الله عليه وسلم– وصحابته – رضوان الله عليهم– والتابعين وتابعيهم بإحسان القدوة الحسنة، وتعلم الأخلاق الحميدة، وأن نخلق فناً ينبثق من شريعتنا ويوافق عادتنا وأعرافنا، لا أن يجعلوا من المطربين والفنانين قدوة لهم.
بالإضافة إلى أن يتوجب علينا أن نراجع كثيراً من هذه البرامج والمسلسلات والأفلام، وإن كان لا بد أن يكون هناك مسلسلات فيجب أن يكون لها ضوابط، بعيداً عن الدياثة والاختلاط، يجتمع لها أهل العلم ليؤصلوا للأمر أصوله، وأن نشجع الفنانين الذين وقفوا إلى جانب الشعب السوري، ومن لديه القدرة على الإبداع، على خلق تمثيل هادف لا يخالف الشرع، وأما الدعوة إلى أن نغلق شاشاتنا كما قال أحدهم فلا، بل إننا نطالب من يسمون أنفسهم أولياء الأمر أن يتقوا الله في أنفسهم وفينا، لأننا أن أغلقنا الشاشات فلن نستطيع أن نعزل أنفسنا عن المجتمع، ففي المدارس يتحدث الأطفال عن أحداث المسلسل وفي البيوت وفي الدوائر، وفي كل مكان، فإذا منعوا من البيت قد يذهب بهم الأمر إلى شيء أعظم من هذا، ولن نستطيع أن نجنب مجتمعنا هذه الفتنة، ونبعد عنه الفساد والانحراف إلا بمخافة الله وتوسيد الأمر لأهله، بدل أن نسمح للزناة بأن يفتخروا بفاحشتهم، وبكل وقاحة أمام الخلق أجمع.