مرحلة جديدة للنشيد الإسلامي

على هامش الثورات العربية ..

نحو استقطاب أوسع للجماهير

نجدت لاطة

[email protected]

 ما تزال مشكلة استقطاب الجماهير المشكلة الكبرى في النشيد الإسلامي، فما تزال نسبة جمهور المنشدين خمسة في المائة من الجمهور العربي، وإن أشهر منشد عندنا يُباع له خمسة وعشرون ألفاً من الأشرطة والسيديّات، في حين يصل مبيعات أشهر مطرب أو مطربة إلى مليون شريط وسي دي..

 مع أن النشيد الإسلامي استخدم كل ما هو متاح للمطربين، كاستخدام الأشرطة والسيديّات والفيديو كليب ومواقع الإنترنت والقنوات الفضائية الخاصة بالنشيد والمسابقات الإنشادية الضخمة (مسابقة منشد الشارقة)، وأُنشئت رابطة للفن الإسلامي، وتمّ استخدام الموسيقى.. أي أن المنشدين استخدموا كل ما هو متاح للمطربين، ومع ذلك فما زال معظم الجمهور العربي يتجه إلى المطربين والمطربات.

 فالنشيد الإسلامي حدثت فيه تطورات كبيرة، ولكن ـ للأسف ـ لم تُحدِث هذه التطورات نقلةً كبيرة في استقطاب الجماهير.

 ومع قيام الثورات العربية نريد أن نستغل الوضع لإحداث هذه النقلة في استقطاب الجماهير، لأن استقطاب الجماهير قضية دعوية مهمة للنشيد، فإلى متى نترك هذه الجماهير للمطربين والمطربات يمسخوا فيهم كيفما شاؤوا؟

 فأنا أدعو كافة المنشدين إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة، عنوان هذه المرحلة (نحو استقطاب أوسع للجماهير). فهذه المرحلة ستسهم ـ إن شاء الله ـ في استقطاب الجماهير.

 وهذا يعني أن المنشدين سيضعون في حسبانهم ـ في هذه المرحلة ـ ما يهم الجمهور غير الملتزم، أي سيحاولون الاقتراب من اهتمامات هذا الجمهور.

 لذا فهذه المرحلة تحتاج إلى القيام بأمور عدة، هي:

 أولاً ـ التخفيف من الموضوعات الدينية في الأناشيد، فالجمهور غير الملتزم لا يحتمل أن يسمع الأناشيد الدينية فقط. فمن غير المعقول أن تقتصر الأناشيد على الموضوعات الدينية، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال : (روّحوا عن هذه القلوب فإنها تملّ) والنشيد الديني جدّ، لأنه ابتهالات ومدائح نبوية وروحانيات ودعويات وجهاديات، فيحتاج في المقابل إلى موضوعات ترفيهية وترويحية تكون خارج الإطار الديني، كالموضوعات الإنسانية والحياتية والعاطفية وغير ذلك من موضوعات الحياة.

 ثانياً ـ استكمالاً للبند الأول، لا بدّ أن يعمل المنشدون على إيجاد الأناشيد العاطفية، ونعني هنا أناشيد الحب والغرام. فالجمهور غير الملتزم الذي اعتاد على الأغاني العاطفية لا يحتمل أن ينتقل من المرة الأولى إلى الأناشيد الدينية، أي يصعب عليه أن ينتقل من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين من المرة الأولى، فلا بد من التدرّج مع الجمهور، ولا بدّ أن نلبّي حاجات الجمهور ما دامت ضمن الإطار الشرعي، والأناشيد العاطفية الملتزمة بتعاليم الدين مباحة ولا يوجد مأخذ عليها، وخير مثال عليها ألبوم المنشد موسى مصطفى (أحبيني) الذي ما زال ألبوماً يتيماً في جانبه.

 وبصراحة أكثر، لماذا يترك المنشدون هذا الجمهور العريض للمطربين والمطربات ليعلموهم الحب والغرام؟ أليس الأولى بالمنشدين أن يقوموا بهذه المهمة فيقدمون أناشيد الحب والغرام تتسم بالعفة والطهارة والمعاني الإنسانية السامية؟

 ومن نافلة القول أُذكّر المنشدين بالإمام حسن البنا وما فعله حين أنشأ مسرح الإخوان المسلمين، فقد ذكر الأستاذ عصام تليمة في كتابه (حسن البنا وتجربة الفن) أن الإمام البنا ابتدأ مسرح الإخوان المسلمين بمسرحية عاطفية اسمها (جميل بثينة) التي كانت تتحدث عن قصة الشاعر العذري (جميل) وحبيبته ( بثينة)، ولكن كانت المسرحية ضمن الإطار الشرعي، فلباس (بثينة) كان محتشماً، وهو لباس المرأة العربية القديمة.

 فالإمام حسن البنا رحمه الله وجد معظم موضوعات المسرح المصري آنذاك تتحدث عن الحب والغرام، كنوع من اجتذاب الجمهور، فجاء الإمام البنا بمسرحية تتحدث عن الحب العفيف المتمثل في الشاعر العذري جميل وحبيبته بثينة.

 فنرجو من المنشدين أن يقتدوا بتجربة المسرح الإخواني في مصر أيام ثلاثينيات القرن العشرين، فقد كانت تجربة ناجحة جداً، وقد استقطب المسرح الإخواني الجماهير الكبيرة، وصار منافساً قوياً للمسرح غير الملتزم. فعلى سبيل المثال: كانت المسرحيات الإخوانية تُعرض في أكبر صالات المسارح في القاهرة والمدن المصرية، كمسرح الأوبرا وغيره.

 ثالثاً ـ ضرورة إيجاد الآلات الموسيقية المختلفة بجانب المنشد في صالات المسارح وفي اللقاءات التلفزيونية. وهذا الأمر يتطلّب من المنشد جرأةً وشجاعة، ونحن ما دمنا نعتقد بأهمية الموسيقى للإنشاد فلا بدَّ أن نُقْدِم على هذه الخطوة، وهذه الخطوة ستعطي النشيد الإسلامي دفعةً قوية نحو الأمام.

 فالمنشد ينبغي عليه أن يوجِد الآلات الموسيقية في كل مكان ينشد فيه، سواء أكان ذلك في الأستديوهات أم في صالات المسارح أم في اللقاءات التلفزيونية. وإن لم يفعل ذلك فكيف سيملأ المساحات التي تأخذها الموسيقى في الأنشودة؟ والمنشدون الذين استخدموا الموسيقى كانوا يقعون في حرج كبير حين يُطلب منهم إحدى الأناشيد التي استخدمت الموسيقى فيها بشكل كبير، لأنهم لن يستطيعوا إنشاد الأنشودة كما هي مسجلة في الأستديو. وقد حدث هذا مراراً مع المنشدين، وحين كان المنشد ينشدها كان الجمهور يشعر أن هناك خللاً في الأنشودة، أي أنه يوجد فرق كبير بين الأنشودة كما هي مسجلة في الكاسيت وبين الأنشودة التي يسمعها في صالة المسرح.

 لذا نجد أن الأناشيد التي اعتمدت على مساحات واسعة من الموسيقى لا تُنشَد من قِبل المنشد على صالات المسارح أو في اللقاءات التلفزيونية، أو لنقل أن المنشدين يتهرّبون من إنشادها.

 والمشكلة أن المنشد ما زال يشعر بالحرج من الجمهور إذا أدخل معه الآلات الموسيقية إلى صالة المسرح، لأنه يخشى أن يُحدِث وجود الآلات الموسيقية مشكلة مع الجمهور. فالجمهور الملتزم ما زال لا يتقبّل رؤية الآلات الموسيقية بجانب المنشد.. صحيح أنه يتقبّلها من حيث السماع، ولكن من حيث رؤيتها فهو ما زال يرفضها. وحدث ـ مرة ـ مع المنشد أيمن حلاق في برنامج (ويحلى السمر) الذي كان يقدّمه الأستاذ إيمان بحر درويش على قناة الرسالة، فقد جاء الجمهور ـ وهو جمهور ملتزم ـ إلى البرنامج وجلسـوا في مقاعدهم، ولكن حين أدخل المنشـد أيمن حلاق الآلات الموسـيقية رفض الجمهور حضور البرنامج، وتمّ إلغاء تصوير الحلقة.

 فنحن نريد أن نُقْدِم على مرحلة إيجاد الآلات الموسيقية بجانب المنشد، نريد أن نرى فرقة موسيقية متكاملة خلف المنشد، كالفرقة الموسيقية التي تقف خلف المطربين.. فمن غير المقبول فنياً أن نرى خلف المنشدين مجموعة من المطبّلين وضاربين الدفوف فقط، نحن نريد أن نرى العازفين على الأورك والجيتار والعود والناي والبيانو والجاز والكمنجة وغير ذلك من الآلات الموسيقية الأخرى.. أليست هي قسمة ضيزى أن يختص المنشدون بالطبل والدف، ويختص المطربون ببقية الآلات الموسيقية؟؟ أنا أشعر أن المطربين ينظرون إلى المنشدين على أنهم متخلّفون لاكتفائهم بالطبل والدف دون الآلات الموسيقية الأخرى.

 وبالمناسبة .. الطبل والدف هما أسوء الآلات الموسيقية، لأنهما يصمّان الآذان ويعوقان وصول الكلمة إلى الأذن. وهل يُعقل أن يكون الطبل مهماً للموسيقار مثل البيانو؟ وهل الدف مثل العود؟ فمتى يدرك المنشدون هذا الأمر؟

 وعدم وجود الآلات الموسيقية في صالة المسرح أو في اللقاءات التلفزيونية يجعل المنشد ـ في كثير من الأحيان ـ ينشد أنشودته بطريقة (بلي باك) أي هو يحرك شفتيه فقط، لأن الأنشودة مسجلة، وهذا غش للجمهور في الصالة، وغش للمشاهدين في القناة الفضائية. والمشكلة أن المنشدين يعتقدون أن إنشاد الأناشيد بطريقة (بلي باك) شيئاً عادياً، ولكن إذا أردنا الحقيقة فهو غش كبير للجمهور، وضحك عليهم، والمهرجانات الغنائية لا تقبل أن يغني أحد المطربين بهذه الطريقة، ولو أن مطرباً فعل ذلك فيمكن أن يحاكموه قانونياً على ذلك، أي يمكن أن يجعلوه أن يدفع غرامة على هذا الغش. وحدث ـ مرةً ـ أن غنّت المطربة (أليسا) أغنية بطريقة (بلي باك) في إحدى المهرجانات، فما كان من الصحافة إلا أن شنّت عليها هجوماً عنيفاً (يعني بهدلوها على الآخر)

 فوجود الآلات الموسيقية بجانب المنشد ضرورة فنية في هذه المرحلة، وعلى المنشدين أن يعملوا على حل هذه المشكلة.

 فهذه الأمور الثلاثة هي ضرورية في هذه المرحلة، وهي مهمة في جذب الجمهور غير الملتزم، نرجو من المنشدين أن يُقْدِموا عليها.