غياب المنطق في التصدي لمسلسل(في حضرة الغياب)
غياب المنطق في التصدي لمسلسل
(في حضرة الغياب)
جميل السلحوت
بعد عرض الحلقة الأولى من مسلسل(في حضرة الغياب) الذي يتحدث عن سيرة الراحل الكبير محمود درويش، انبرت اقلام تهاجم المسلسل، وفي اليوم التالي طالعتنا وسائل الاعلام بخبر يفيد ان 2000 مثقف فلسطيني وقعوا على بيان يطالب بايقاف المسلسل، لأنه لا يتناسب مع السيرة الذاتية لشاعرنا العظيم، ولا أعلم كيف جُمع الفي توقيع لمثقفين فلسطينيين متواجدين في مختلف دول العالم في أقل من 24 ساعة؟ وقرأت عدة مقالات تهاجم المسلسل وتطالب بايقافه، وان كانت هناك مقالة أو اثنتان تطالب بالتروي في الحكم من باب احترام حرية الرأي، لكن الأمر المؤكد أن أحدا ممن وقعوا أو كتبت تواقيعهم دون علمهم، وممن كتبوا مطالبين بوقف المسلسل، لم يشاهد المسلسل كاملا، وحتى لم يشاهد الحلقة الأولى منه- مثلي أنا-، وهذا يذكر بأصحاب الفكر التكفيري الذين كانوا يصدرون أحكاما تكفيرية على روائيين وقاصين وشعراء ومفكرين، بناء على ابداعات للمحكوم عليهم لم يقرأها أصحاب الرؤوس الحامية، والتي وصلت شطحات بعضهم الى رفع دعاوي امام القضاء تطالب بالتفريق بين المبدع"المتهم" وزوجه، واذا كان اصحاب فكر التكفير والتخوين منغلقين فكريا، فانه لا يمكن أن يكون المثقفون كذلك، لكن السؤال يبقى حول كيفية التقاء"المنغلقين" و"المنفتحين" على نفس النتائج وإن اختلفت الأسباب والمنطلقات.
ولا يختلف اثنان عن صدق نوايا كاتب ومخرج وطاقم الفنانين الذين شاركوا في المسلسل، وهي المساهمة في إحياء وتخليد اسم الشاعر الكبير الذي دخل سجل التاريخ بشاعريته العظيمة، وبسيرته العطرة، فهل هذا جزاؤهم؟ وكيف يسمح مثقفون لأنفسهم باصدار أحكام على عمل فني لم يشاهدوه؟ أم أن سياسة مقص الرقيب الرسمي أصبحت ثقافة يتبناها المثقفون أنفسهم، بعد أن تخلى عنها الرقباء الرسميون نتيجة تطور وسائل الاتصالات، ومن ضمنها الشبكة العنكبوتية-الانترنت- التي تأتي بالعالم للانسان في بيته.
وأعتقد جازما بأن الكبير محمود درويش لو بُعث حيا ما كان ليوافق على هذه الحملة ضد المسلسل، وأنه سيصرخ مرة ثانية(ارحمونا من هذا الحب القاسي)...فنم قرير العين يا بلبل فلسطين فكثيرون ممن يتنافحون"دفاعا"عنك لم يقرأوك، وهذا ما كنت تعرفه قبل أن ترحل الى عالمك الجديد.