مرايا لونية
أنين أنثى بإبداع جلي وأحاسيس راقية
تقرير – أميمه العبادلة
أحدى عشرة نجمة درية أضاءت سماء خانيونس، اليوم، ببديع الألوان الصريحة ومدمجها... كورود جورية تتلألأ في المكان.. بل كفراشات فتية تبحث عن النور.. فرسمت بحركتها المتموجة أنات موجعة على أوتار الزمن المر.. بترجمة حسية عميقة لمعاناة مباشرة أو غير مباشرة عن أحاسيس أنثوية غاية في الرقي عبر معرض تشكيلي تحت مسمى "مرايا لونية" والذي أفرزه مركز ثقافة الطفل الفلسطيني، عبقا عطَّر مرايا الروح، وبث في أجواء الفن صرخة مكتومة أنهكها كبت وعنف وحرمان ولامبالاة..
أحدى عشرة فتاة في بداية الربيع من حياتهن الواعدة شاركن بلوحاتهن الثمانية والعشرين في معرض للفن التشكيلي أسمينه "مرايا لونية"... وما للمرايا من وظيفة سوى أن تعكس حقيقة ما يمر من أمامها من مواقف ووجوه وخبرات وفن وجنون وأشياء أخرى.. كل ذلك كان تحت إدارة وإشراف مميز من قبل جمعية الثقافة والفكر الحر وبدعم من صندوق الأمم المتحدة الإنمائيUNDP.
رأيتهن وراقبتهن جميعا، كن بذاتهن لوحات بديعة تمشي على الأرض بيننا.. وراقبت عزف الألوان على مراياهن فكان شيئا مدهشا... بل فاق حدود الدهشة بمراحل..
الفنانة الواعدة أماني الأخرس، نجمة ضمن باقي النجمات، تفاؤل لا يخلوا من ألم كان يشع منها.. من عينيها.. ومن صوتها.. سعيدة بالمعرض إلى الحد الذي جعلها تعجز عن الوصف بدقه.. تقول:" المرأة في قطاع غزة تحديدا مهمشة ولا اهتمام بها أو بمشاعرها ولعل الأمر يزداد سوءا كلما اتجهنا جنوبا.. لاشك أن هناك فرقا آخر بين غزة وخانيونس".. لكنها تعود وتضيف:" أحمد الله فإن عائلتي هم أول من شجعني وكانوا دائما بجانبي لتحفيزي على ممارسة الرسم.. المعارض بالنسبة لي أمر غاية في الأهمية فمن خلالها أكون كيانا فاعلا ومنتجا.. أتمنى أن يتكرر دائما ليصل فننا للجميع.. وأتمنى أن نكون قد أحسنا إيصال المعنى"..
كما أماني كانت نرمين أبو العلا الفنانة الواعدة هي أيضا والتي عبرت عن فكرة رفض العنف بلوحاتها وحكت لنا عن أحلامها التي تحولت رمادا بفعل ظروف لا إرادية السيطرة:" القصص التي رسمناها كانت مما نعيشه كل يوم في المجتمع من حولنا سواء عشناها فعلا أو لامسناها مع أقرب المقربين لنا فسيطرت علينا كما سيطرت عليهم وتأثرنا بها جدا.. نتمنى أن تكون لوحاتنا صرخة توقظ المجتمع.. وأن تصل رسالتنا وفننا إلى كل مكان لنتحرر من كل القيود المادية والمعنوية في غزة".. مؤكدة في نهاية حديثها على نقطة أجمعت عليها أغلب الفنانات المشاركات وهي أن المرأة دوما تجيد التعبير عن المرأة وأحاسيسها بشكل أفضل وأكثر دقة من الرجل..
التقينا الفنان محمد عبد الهادي والذي أشرف على عمل الفنانات، بشكل مباشر، من خلال عقد ورشات عمل ولقاءات عصف ذهني ومتابعة مستمرة من بداية اختيار الفكرة مرورا بمزج الألوان وانتهاء بإقامة المعرض.. مشيرا إلى أن طبيعة الصعوبات التي واجهها معهن تمثلت في تأطير خيالهن ضمن فكرة واحدة وهي العنف ضد المرأة.. ثم اختيار الفكرة وتقليصها حتى لا تتجاوز حدود اللوحتين.. وتكرار استخراج اللون المناسب بعد عدة محاولات من المزج بين الألوان..
وأوضح عبد الهادي أن سبب اختيار العنف ضد المرأة لموضوع اللوحات هو أن المرأة مهمشة ومعنفة في المجتمع نتيجة لعدة ظروف وعوامل ساهمت في تفاقم هذا الأمر.. منوها أن الفنانات المشاركات عبرن عن هذا الأمر بإحساس عال بهذه المعاناة التي كان بعضهن قد عشنها بالفعل أو لعلهن لامسنها بقوة من محيط مقرب جدا لهن.. مردفا أن:" قامت الفنانات المشاركات بتفريغ الأفكار والألوان على اللوحات كتفريغ نفسي عن معاناة خاصة بهن أو لإحساسهن بوضع المرأة في قطاع غزة والتي أثقلت كاهلها كل الظروف وهذا ما ساعدهن على تفريغ كم كبير من الطاقة السلبية والتحرر منها"..
كان من بين الحضور د. رياض صالحيه أستاذ الفنون الجميلة بجامعة الأقصى مبتسما وهادئا يجول بنظره بين اللوحات قطعنا عليه استرسال خياله وتقييمه ومتابعته لطالباته لعلنا نفوز ببعض من رأيه حول المعرض والفنانات المشاركات فكان رأيه كالتالي:" أعجبني المعرض جدا والإنتاج قوي ولا شك في أن جمعية الثقافة والفكر الحر رائدة في إظهار المواهب ودعمها دائما.. لكن لفتت انتباهي المبالغة في إظهار المعاني السلبية والتي لم تقتصر على مجرد العنف بل تنوعت ما بين طلب الحرية والعنف والكبت وتصوير الاكتئاب.. لا شك في وجود هذه الأفكار كواقع ملموس لكن علينا أن لا ننسى بارق الأمل الذي لا يجب أن ينطفئ أبدا في حلول غد أفضل ومحاولة تطويع الواقع بشكل مستمر ليكون أكثر ملائمة لنا"..
ويكمل د. صالحيه حديثة قائلا:" اللوحات جميلة وتم التعبير عنها باحساس عال.. لكنني لا أجد تخصيصا في إفراد الإحساس بالنفس البشرية لجنس على حساب جنس فالمرأة والرجل كلاهما مكملان لبعضهما البعض.. مع إقرارنا التام أن للمرأة قوة في تحمل الضغط والأعباء أكثر من الرجل لكن يحتاج الأمر لإدراك وإحساس عال لنقل الرسالة وتصوير المشاعر"..
مؤمن أبو جامع كان أحد الحضور من الجنس الآخر والذي كانت اللوحات المعروضة تطلق صرخاتها في وجه بني جنسه لا جميعهم بل بعضهم فقط.. لا ينكر أبو جامع أن اللوحات تعبر عن واقع مر تعيشه المرأة في كل المجتمعات العربية ربما، لا الغزية فقط.. ويصفه بأنه:"واقع عنف غريب ممارس على المرأة من قبل الرجل والمجتمع ككل".. لكنه يختلف مع الرسامات في طريقة طرح العنف كظاهرة من خلال مجرد لوحات ويقترح حلا آخر للتغير كما يقول:" بالنسبة للأسلوب الذي من شأنه الحد من ظاهرة العنف فقد يكون عقد ورشات عمل للرجال والفئات الأخرى مناسبا أو ربما إعداد برامج إذاعية وتلفزيونية.. أما اللوحات الفنية فهي أسلوب تعبيري عن الواقع فقط لكن لا أعتقد أنه قد يحول الفكر السائد أو يغير قناعات الرجال والمجتمع حول قضايا العنف وصنوف الضغط الممارسة بحقهن"..
أما الشاعر والمخرج يوسف القدرة والذي لطالما عشق المرأة على أسطر قصائده وفيما بينها فيرى أن المعرض قدم فنانات جريئات يفتشن عن ذواتهن من خلال اللوحات.. " جاءت اللوحات بشكل متفاوت من حيث الشكل والمضمون والأدوات واستخدام الألوان.. وجدت أن بعض اللوحات قدمت الفكرة بشكل هادئ ورزين وبعضها الآخر قدمها بشكل صارخ وعنيف في محاولة للفت الانتباه للعنف الموجة ضد المرأة"..
في الختام كان لا بد من وقفة سريعة مع من تحمل ضغط العمل الشاق في الترتيب والتنسيق لمعرض مرايا لونية من مبتداه إلى منتهاه.. أ. بثينة الفقعاوي، و أ. علي الشنا منسق البرامج الثقافية في جمعية الثقافة والفكر الحر والذان أخبرانا بدورهما:" المعرض جاء ضمن برامج وحدة الأنشطة الثقافية في مركز ثقافة الطفل.. في البداية كنا بصدد اختيار موضوع يخص النساء الرياديات في قطاع غزة لكن شدة العنف الممارس على النساء وارتفاع معدلاته جعل بوصلتنا تنحرف لتغطي هذه الفكرة دون غيرها.. أي أن المعرض لم يأت من فراغ.. ونتمنى أن نكون قد وفقنا في كل شيء.. وساعدناهم في تفريغ وطأة هذه الصرخة التي أطلقوها ضمن لوحاتهم"..
قد يكون عنصر المبالغة اختلط مع الحقيقة فانسكب لونا وظلا وخطا متشابكا بتدرج أنيق عبر لوحات هذا المعرض الفني.. وقد تكون بعض الصرخات واضحة تصم أو مكبوتة تؤلم.. وقد يكون للمعرض من أثر في النفس لتتحرر من ظلمها وتعنتها وكبتها.. وقد لا يتعدى أثره حدود تلك اللوحات.. لكن وحقيقة المهم أننا اكتشفنا من خلاله مواهب لا يمكن إغفال الطرف عنها.. وتلبسنا الأمل أن مثلهن قادر على التغيير ولو بعد حين.. لفنانات "مرايا لونية" نقول: كونوا ألوانا زاهية تشرق على الدنيا تفاؤلا وأملا وارسموا الطريق معبدا طوع أناملكم الذهبية.. فهنيئا للفن والمجتمع بكن وبمثلكن دوما..