نحو مسرح إنشادي
نحو مسرح إنشادي
آلاء شحادة
[email protected]
شهد النشيد الإسلامي في السنوات الأخيرة تغيرات متسارعة وتطورات متلاحقة، لا يخفى على أحد أنها أخرجت النشيد إلى طورٍ جديد يتسم بالجدية والاحتراف، الأمر الذي أدى إلى اتساع رقعة النشيد، وظهور الفيديو كليب الإنشادي الذي حفلت به القنوات الفضائية المختلفة، الملتزمة منها وغير الملتزمة، بل وأصبح للنشيد قنوات فضائية خاصة.
إلا أننا يمكن أن ننحو بالنشيد منحى آخر يزيده التصاقاً بالجمهور وتأثيراً به، وذلك من خلال إيجاد مسرح إنشادي يشترك فيه المنشدون، فنجمع بين فن التمثيل وفن الإنشاد، فيكون أثره أشد وأقوى. فكما أن الإنشاد المصوّر أشد تأثيرًا من الإنشاد المسموع، فإن الإنشاد الذي يتخلل قصة درامية على المسرح سيكون أشد تأثيراً أيضاً.
ولا تخفى الإيجابيات العديدة لإقامة المسرح الإنشادي، إذ أنّ الرسائل التي يؤمل الفن الإسلامي إيصالها للجمهور ستصل بشكل أفضل، فقد تكون هذه الرسائل يصعب إيصالها بالإنشاد البحت، لا سيما أن مدة المسرحية تصل إلى أضعاف مضاعفة من مدة إلقاء الأنشودة، مما يجعل التأثير أشد .
ضرورة وجود مسرح إسلامي هادف :
المتابع لحركة الفنون في بلادنا يجد أن المطربة فيروز قدمت مؤخرًا مسرحيةً غنائيةً بعنوان (صح النوم) في بعض الدول العربية، وقد كان لهذه المسرحية ضجّة كبيرة، لا سيما ما أحدثه عرض تلك المسرحية في العاصمة السورية دمشق. فيحق للمسلم الغيور أن يتساءل: لماذا لا ينشط المنشدون في إنشاء مسرح إنشادي ملتزم؟ فالمرء يعجب من نشاط وتفاني هؤلاء في فنهم الهابط وتقاعسنا وتكاسلنا في فننا الإسلاميّ الهادف! فالجماهير تتعرض ليل نهار إلى مسخ رهيب من تلك الفنون الهابطة، ولا يجوز لنا أن نقف متفرجين دون أن نعمل شيئاً، والله تعالى قال في كتابه الكريم (والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف) والفن الهابط هو من المنكر الذي يدعو إليه أهل هذا الفن، بل هو من أسوأ أنواع المنكر، لأنه يمسخ الأخلاق ويشوش العقول. ثم قال الله تعالى بعد آيات قليلة من نفس السورة (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) والفن الإسلامي الهادف هو من الأمر بالمعروف، بل هو من أفضل أنواع الأمر بالمعروف، فلا يخفى على أحد أن الفن الهادف هو وسيلة تربوية مهمة في توجيه السلوك والأخلاق. فالفنون الإسلامية ينبغي أن تقف في وجه الفنون الهابطة، وينبغي أن تكون بديلاً حقيقياً عنها.
ويذكر الأستاذ عصام تليمة في بحثه الرائع (حسن البنا وتجربة الفن) أن الإمام حسن البنا رحمه الله أدرك بوعيه الكبير أهمية المسرح في توجيه الأجيال، لا سيما حينما رأى المسرح غير الملتزم بدأ يغزو العقول ويمسخ الأخلاق، فعمل الإمام البنا على إنشاء فرق مسرحية كثيرة ، لكي تقدم المسرح الإسلامي الهادف، ولتقف في وجه المسرح غير الملتزم . وهكذا يجب أن يكون كل مسلم غيور على دينه ودعوته .
وفي خلال فترة وجيزة استطاع المسرح الإسلامي في زمن الإمام حسن البنا أن ينافس المسرح غير الملتزم، وصارت المسرحيات الإسلامية تُعرض في أكبر مسارح القاهرة. فحين يكون المسلم مُقدِماً ومبادراً يوفّقه الله تعالى ويكتب له القبول عند الناس، لكن بشرط أن يكون الفن الذي يقدّمه الفنان المسلم الملتزم متقناً من الناحية الفنية والموضوعية، لأن أهل الفن الهابط أتقنوا فنهم اتقاناً كبيراً، فلا بدّ أن يكون الفن الإسلامي متقناً بشكل كبير أيضاً كي يجذب الجمهور إليه.
موضوعات المسرح الإنشادي :
من الضرورة بمكان أن تكون الموضوعات التي تدور حولها أحداث المسرحية الإنشادية تلامس واقع الناس في حياتهم اليومية والمعاصرة، فلا نكثر من المسرحيات التاريخية، ولا من المسرحيات ذات الصبغة الدينية، وإنما نقدم مسرحيات تمس واقع الناس ومشاكلهم، ولكن من خلال رؤية إسلامية واعية، ومن خلال حبكة درامية جميلة، فنجمع بين المتعة والفائدة. لأن بعض الفنانين الملتزمين يصرّ على حشر أحداث المسرحية بالوعظ والإرشاد المباشر الذي يُشعِر المشاهد وكأنه في محاضرة دينية، فيشعر بالملل والسآمة.
والملاحظ أن المسرح غير الملتزم تكثر فيه الكوميديا بشكل كبير، وإن معظم المسرحيات التي يقدمها الفنانون غير الملتزمين هي من نوع الكوميديا، باعتبار أن الكوميديا تُدخل البهجة والفرح والضحك على نفوس المشاهدين، كنوع من تخفيف زخم الحياة المعاصرة التي امتلأت بالمشكلات المختلفة لا سيما الأزمات الاقتصادية الخانقة . والمسرح الإنشادي ينبغي أن لا يغفل عن الكوميديا، حتى لا يعيش بعيداً عن واقع المسرح المعاصر، ولكن يحاول أن تكون مسرحياته الكوميدية هادفة قدر المستطاع، وليس كالمسرح الكوميدي الذي يقدمه الفنانون غير الملتزمين ، لأن معظم مسرحياتهم الكوميدية لا قيمة لها وهدف منها ، اللهم إلا الضحك الذي ليس وراءه شيء .
تكاليف المسرح الإنشادي :
سيتذرع البعض بأن تكاليف العمل الفني كبير جداً وأنه لا طاقة للشباب الملتزم بها ، فأقول : إن تكاليف أية مسرحية قليلة جداً، فهي لا تخرج عن ثمن استئجار قاعة المسرح وثمن الديكور وأمور أخرى ثانوية جدًا، وهي تختلف تمامًا عن تكاليف الفيلم أو المسلسل اللذين يحتاجان إلى مصاريف باهظة. وأرجو أن نكون مُقدِمين ومبادرين ، لأن الأعمال الفنية تأخذ حيزاً كبيراً في توجيه الناس في عصرنا الحاضر، ولا ينبغي أن نتهاون في ذلك، فالعمل الفني وسيلة دعوية لا تقل عن أي عمل دعوي آخر، بل إن العمل الفني الهادف أثره أشد من تأثير كثير من الوسائل الدعوية الأخرى.
جمهور المسرح الإنشادي :
في فترة الثمانينيات من القرن الماضي شهدت بعض الدول العربية بعض المسرحيات الإنشادية، كان من أبرزها تلك التي شارك فيها المنشد أبو راتب في الأردن، وكان هناك إقبال كبير على مشاهدة تلك المسرحيات من قبل الجمهور، وكان للمنشد أبي راتب الدور الأكبر في إنجاح تلك المسرحيات، وذلك لما للمنشد المشهور من رصيد كبير عند الجمهور، وأعني أن الجمهور إذا علم أن المنشد المشهور مشارك في المسرحية فإنه سيأتي لمشاهدة المسرحية، فمثلاً لو شارك المنشد موسى مصطفى أو عبد القادر قوزع أو يحيى حوى أو مشاري العرادة أو أحمد الهاجري أو غيرهم فإنه سيكون للمسرحية صدى طيب عند الجمهور، وسيقبل هذا الجمهور على المشاهدة أكثر مما لو لم يكن هؤلاء المنشدون مشاركين فيها، بل ماذا لو كان المنشدون أنفسهم أصحاب جميع الأدوار الرئيسية؟ فعندها سيكون الجمهور جمهورَين، جمهور المسرح وجمهور النشيد، فنكون قد ضربنا عصفورين بحجر.
وجمهور المسرح الإنشادي سيكون كبيرًا، وذلك بسبب تزايد أعداد الملتزمين، وبسبب تطلع الجمهور الملتزم لكل فن ملتزم وجديد، وبالتالي فإن هذا سيعود بأرباح ليست بالقليلة، لذا فالممثل والمخرج وسائر الكوادر الفنية سيحصلون على أجرةٍ لا بأس بها، مما سيشجعهم على إنتاج مسرحياتٍ جديدة، بل وقد يصل الأمر إلى إنشاء فرقة متنقلة، تعرض المسرحية في دول عدة .
ومما يميز المسرح ـ عموماً ـ تفرده بالاتصال المباشر بالجمهور، مما يحفّز الجمهور على التفاعل مع مضامين المسرحية. كما أن وجود المسرح الإنشادي يفتح الآفاق واسعة لتنوّع الموضوعات، فتضفي على أحداث المسرحية ديناميكة أكبر، مما يولد لدى الجمهور الإحساس بالمشاركة والتفاعل والمتعة .
ولا أعني هنا أن تكون المسرحية كلها بالإنشاد، وإنما أعني أن يكون النشيد جزءًا من أحداث المسرحية، كما فعل المنشد أبو راتب في المسرحيات التي شارك بها. وإنني لأعوّل كثيرًا على الأدباء والشعراء الإسلاميين الاتجاه نحو كتابة هذا اللون من المسرحيات وتسليطه على كافة الموضوعات المختلفة، والتعايش الجاد مع المستجدات ومواكبة التغيرات، لننهض بفن لو قُدّر له الانتشار لكان المحرك الأبرز في مجتمعاتنا .