مهرجان الفن الهابط شهر كامل

مهرجان الفن الهابط شهر كامل

ومهرجان الفن الطالع يومان فقط

حقاً إنها لقسمة ضيزى

نجدت لاطة

[email protected]

انتشرت بكثرة في شوارع عمان في هذا الصيف صور المطربين والمطربات المشاركين في مهرجان الأردن ( الذي هو بديل عن مهرجان جرش الفني ) وهذه الصور هي لعلية القوم من أهل الغناء ، فهناك أليسا وجورج وسّوف وعمرو دياب وراغب علامة وعاصي الحلاني وعبد الله رويشد والشـاب خالد ، وهناك فنانون أجانب .. وهناك آخرون يُتركون للأخير ولا يعلنون عنهم كي يشتري الجمهور التذاكر الموجودة في السوق ، وأعني بالآخرين نانسي عجرم وهيفاء وهبي وكاظم الساهر باعتبارهم الأكثر جمهوراً .. ومدة هذا المهرجان شهر كامل ، من 9 تموز إلى 8 آب .. وتكون كل ليلة خاصة بفنان ، بحيث يحييها بمفرده بشكل كامل ، ولا يرضى أن يشاركه أحد فيها ، وتكون مدة الحفلة ساعتين ، وتمتد إلى أكثر من ساعتين بحسب تفاعل الجمهور مع الفنان ، وبحسب مواهب كل فنان ، فهل يقبل الجمهور بسـاعتين لفاتنة الزمان والمكان نانسي عجرم ، لذا قد تصل مدة الحفلة إلى ساعات طويلة .

 ثم انتشرت أخبار مهرجان الفن الطالع ( وأعني النشيد الإسلامي ) فكان كذلك في شهر تموز ، ولكن مدته يومان ، يحضره بحسب علمي ( موسى مصطفى وعبد القادر قوزع وأسامة الصافي ويحيى حوى ومصطفى العزاوي وبعض الفرق وآخرون .. ) فينشد المنشـدون جميعهم في هذين اليومين ، في كل يوم ربع ساعة ، وتكون مدة الحفلة في كل يوم ثلاث ساعات ، فيسمع الجمهور خلالها لجميع هؤلاء المنشدين في كل يوم .

 وهذا يعني أن الجمهور غير الملتزم يعيش مع أهل الطرب شهراً كاملاً ، والجمهور الملتزم يعيش مع الإنشاد يومين ، فأليست هذه قسمة ضيزى ؟ هل يُعقل أن يكون للفن الهابط شهر كامل وللفن الإسلامي يومان ؟ ولماذا ينشط أهل الباطل في فنهم الهابط ونتكاسل نحن في فننا الإسلامي الهادف كما تساءلت بذلك الكاتبة آلاء صالح شحادة في مقالها الرائع ( نحو مسرح إنشادي إسلامي ) ( 1 ) ؟

 مع أن الإسلاميين لديهم الإمكانيات المالية لإحياء عدة حفلات فنية عبر أشهر الصيف ، ولكن المشكلة ليست في الإمكانيات المالية ، وإنما المشكلة في الإمكانيات العقلية والذهنية ، لأن معظم قادة العمل الإسلامي في الأردن وغير الأردن ما زالوا مغيّبين عن فهم العصر ومتطلباته ، فهم لا يدركون أن الفنون في عصرنا أصبحت هي الموجّه الأول في حياة الناس ، وهم لا يدركون أن الأفلام والمسلسلات والأغاني هي الكتب الثقافية التي يقرأها كل الناس ، فتشكل حياتهم وتثقف عقولهم وتوجه سلوكهم ، وهم ـ أي قادة العمل الإسلامي ـ لا يدركون أن المحاضرات تراجع دورها وأصبحت من الوسائل الثانوية جداً في التوجيه .

 ومن الغريب أننا نجد المنشد يأتي من خارج الأردن لينشد في المهرجان ربع ساعة في كل يوم ، في حين أن المطربة نانسي عجرم لا تقبل بإحياء ليلة واحدة ، لذا هي تحيي في المهرجان ليلتين ، بالإضافة إلى إحياء عدة حفلات أخرى في شتى الفنادق الضخمة ، وتكون حفلاتها في هذه الفنادق حتى الصباح .. فهل يُعقل أن يأتي منشد من خارج الأردن لنسمع منه ربع ساعة ، وتأتي مطربة هابطة فيُسمع لها في ليلتين ؟ فلماذا لا نراعي شعور المنشد القادم من الخارج ونقدره تقديراً لائقاً به فنجعله يحيي حفلة كاملة بمفرده ؟ فمثلاً المنشد عبد القادر قوزع يستطيع أن يحيي حفلة كاملة بمفرده ، بل وكذلك سائر المنشدين المشهورين.

 ولكن مَن المقصود بالظالم في هذه القسمة الضيزى ؟ المقصود هنا ليس غير الإسلاميين ، لأن غير الإسلاميين لا يقرأون مقالاتي ، ولكن المقصود هم الإسلاميون والحركات الإسلامية ، لأنهم هم يحملون أمانة توجيه الجماهير ، وهم المكلّفون بخطاب تلك الجماهير ، فهل كان الله في غزوة أحد يلوم المشركين على هزيمتهم للمسلمين ؟ الجواب : لا ، وإنما لام اللهُ المسلمين وقال لهم ( أو لمّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير ) سورة آل عمران الآية 165 . لذا فإن فشل الإسلاميين في استقطاب الجماهير العريضة نحو التديّن هو بسبب فهمهم القاصر لاحتياجات العصر وضروراته ، وليس بسبب قوة أهل الباطل .

 فالفنون ( الفيلم والمسلسل والنشيد ) هم الباب الواسع للدخول إلى عالم الجماهير ، ويمكن أن نعتبر هذه الفنون هي التوطئة الدعوية الضرورية لهم . فمن خلال هذه الفنون يمكن أن نسحب البساط من تحت أهل الفن الهابط ، ولكن لا بد أن تكون الفنون الإسلامية التي نقدمها متقنة بشكل محترف كي ينجذب الجمهور إليها . وحين رأيت مسلسل ( باب الحارة ) قلت في نفسي : لماذا لم يكن الإسلاميون هم وراء هذا المسلسل الناجح ؟ لأن المسلسل كان ملتزماً ولا شيء عليه من الناحية الشرعية إلا بعض الرتوش القليلة جداً .

 لقد كان الأولى بالإسلاميين في الأردن وغير الأردن أن يستغلوا أشهر الصيف من أولها إلى آخرها ، فيكون في كل أسبوع أو أسبوعين مهرجان إنشادي أو مسرحية إسلامية أو حفل فني .. بدل أن يحشروا عشرين منشداً في مهرجان واحد مدته يومان .

 وأنا أرى أن المشكلة الكبرى في العمل الإسلامي أن قادة العمل الإسلامي ليسوا بحجم المرحلة التي نمرّ بها ، فنجدهم غير قادرين على استيعاب العمل السـياسي حين يدخلون البرلمانات ، وأنا سمعت من أحد قادة العمل الإسلامي ذلك ، فقد قال بالحرف الواحد : حين دخلنا العمل السـياسي شعرنا أننا أطفال في السياسة . وهم كذلك حين أنشأوا رابطة الأدب الإسلامي ، فنجد هذه الرابطة مغيّبة تماماً عن خطاب الجماهير . وهم كذلك في المجال الفني ، فما زال لا يوجد عندنا فيلم إسلامي ولا مسلسل إسلامي ولا مسرحية إسلامية . وفي مجال النشيد فما زال أكبر منشد عندنا لا تعرفه معظم الجماهير ، يعني لو سألنا معظم الجماهير عن اسم أكبر منشد عندنا فإنهم سيقولون لنا بأنهم لم يسمعوا به ، وهذا يعني أن رسالة النشيد لم تصل إلى تلك الجماهير العريضة ، وأنا أستثني سامي يوسف الذي اكتسحت سمعته كل الجماهير ، بل ويمكن القول أن سمعة سامي يوسف بحجم سمعة المطربة نانسي عجرم ، وكما أن نانسي عجرم بيع لها مليون شريط فكذلك بيع لسامي يوسف مليون شريط لألبومه ( المعلم ) .

              

الهامش :

( 1 ) ـ المقال منشـور فـي مجلة المجتمع الكويتية العدد ( 1806 ) بتاريخ 14 / 6 / 2008 .

ـ ملاحظة : معنى ( قسمة ضيزى ) أي قسمة ظالمة وجائرة ، كما جاء في قول الله تعالى ( تلك إذاً لقسمة ضيزى ) سورة النجم الآية 22 .