أحمد الألفي

أحمد الألفي

لجان قراءة النصوص بين الحقيقة والوهم

د. كمال يونس

[email protected]

حقيقة نلمسها وظاهرة لا تخفي على أحد من المهتمين بالمسرح ، ألا وهى الخلل في إنتاج العروض المسرحية ذات المستوى الفني والفكري المتردي ، ومرده في الحقيقة المرة من تفشى الوساطة والمحسوبية في اختيار العروض ، واقتصارها على أصحاب السعادة من أصحاب الأقلام المبتزة فيما قدمه البيت الفني للمسرح ، حتى عرفت لجان النصوص بالمقبرة ومتاهة جحا ، مما يدلل على هذه الظاهرة ، ولكي  تتضح حقيقة وكواليس وخلفيات عمل لجان فحص النصوص وتقرير صلاحيتها للعرض على مسارح البيت الفني للمسرح المصري، أجرت العرب هذا الحوار مع أحد أعضاء لجان القراءة الباحث المسرحي الناقد أحمد الألفي، ويعمل باحثا مسرحيا ( عضو بلجان القراءة بالبيت الفني للمسرح ) ، وهو خريج قسم الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية عام 1988 ، وله كتاب عن شعبية المسرح ، وترجم عدة مسرحيات عن الفرنسية ، وهو ابن للراحل رجل المسرح نبيل الألفي أحد أبرز مؤسسي المسرح المصري ، في حوار تحدث فيه على طبيعته واضعا النقاط فوق الحروف مبديا رأيه في حرية تامة .

ـ ما هو دور باحث الثقافة المسرحية في البيت المعنى للمسرح ؟

* وظيفة استحدثت في أوائل التسعينات ، وما يزال مصطلحا غائما بعض الشيء ، ويقتصر عمله على قراءة ما يسند إليه من نصوص مسرحية ، وكتابة تقارير  صلاحية عنها من حيث قابليتها للعرض المسرحى.

ـ هل تطور مفهوم تلك الوظيفة بعد مرور حوالي 17 عاما ؟

* لم ألحظ أي تطور يذكر ، فقد كنت أرى أن الباحث الثقافي المسرحي عليه أن يحضر البروفات للعرض المسرحي ، ويبدى رأيه للمخرج ، في سبيل معالجة القصور الفني للعرض المسرحي قبيل عرضه على الجمهور ، بحيث تصبح العملية النقدية مواكبة لتنفيذ العرض من بداياته وخاصة أن الباحث المسرحي خريج المعهد العالي للفنون المسرحية ، وهو مؤهل لذلك ، ولكن على أرض الواقع لم تتح لي فرصة إبداء الرأي الاستشاري، لعدم تكليفنا رسميا بذلك من قبل إدارة البيت الفني للمسرح ، ليقتصر عملنا على  قراءة النص وإبداء الرأى فقط.

ـ  من متابعتنا الدقيقة واللصيقة لعروض البيت الفني للمسرح نجد أن كثيرا من العروض كانت دون المستوى الفكري والفنى ، مما جعل الجمهور يحجم عنها ، إذن أين لجان قراءة النصوص بباحثيها ؟

* في واقع الأمر هناك تجاوز لدورها ، ولسنا كباحثين مسئولين عن أية عروض هابطة ، حيث اقتصر دورنا على إبداء الرأي،  الذي غالبا لا يؤخذ به ، وقد نفاجئ بنصوص أخرى أتى بها مخرجون كي تعرض على خشبات المسارح متخطية للجان النصوص ، ويمكنني القول أن هذه اللجان بمسارح الدولة يمكن تسميتها بلجنة المغربلات ، وهى تغربل النصوص التي يراد التخلص من أصحابها وإلحاحهم ، ولست براض عن مستوى تلك العروض الهابطة .

ـ ولكن يدعى القائمون على الأمر أن هناك إقبالا جماهيريا على تلك العروض الهابطة .. فما رأيك؟

* إن الإقبال الجماهيري على بعض تلك العروض آلتي يقدمها مسرح الدولة ويحاكى فيها المسرح الخاص في أسوأ حالاته يشكل بادرة خطيرة ، فهذا بإمكانه تزييف واقع الحركة المسرحية ، فلو كان الإقبال على مسرحيات جادة دون هذه التوابل " النجومية " التي يستضيفها مسرح الدولة لقيل أن هناك حركة بعث في المسرح المصري، وهذا مخالف تماما للواقع ، إذ لم تعد هناك أية حدود فاصلة بين عناصر العرض ، وقد حدث فعلا نوع من تبادل العناصر على مستوى التمثيل والإخراج والديكور بل والتأليف أيضا ، وقد فتحت الأبواب على مصاريعها ، ليأخذ مسرح الدولة بمنهج القطاع الخاص من حيث تقديم العروض لفترات طويلة ، مما أوقع مسرح الدولة في تناقض مع ما لديه من بقية التزام في نظرته إلى شباك التذاكر وحصيلة الإيرادات اليومية للعروض ، مع المفترض فيها من مستوى ومضمون ، وأرى أن المتمسكين بتقديم العروض الهابطة بسبب افتقادهم القدرة على العطاء الجيد ، أو تحقيق الربح من أقصر الطرق ، لاشك يستغلون إلى أبعد مدى قابلية العروض المسفة للانتشار ، ويعتبر موقفهم هذا معوقا للتنمية الثقافية ، إن المسرحيين من أنصار الفن الهابط لا يخجلون من المجاهرة بوصم الجمهور بأنه هو الذي يريد منهم الإسفاف ، مفترضين خطأ أن الجمهور جامد ثابت على حال لا يتغير ، وهنا تكمن المغالطة المتنافية مع البديهيات ، ولا يستقيم لها عود أمام حركة التاريخ، والواقع أن المسرح عموما يعتبر أحد الروافد الهامة ، ذات التأثير الحي والعميق في المجتمع ، وهو بحاجة إلى جهود مخلصة ورعاية واهتمام ببحث مشاكله ، وتهيئة المناخ لتطوره في الاتجاه الصحيح.

ـ كيف ترى التمايز بين المسارح على اختلاف أدوارها من موقعك القريب من الحركة المسرحية ، وواقع الإنتاج المسرحي لعروض البيت الفني للمسرح ؟

* أخفقت المسارح في الحفاظ على هويتها ، وانقسمت المسارح من حيث نوعية العروض إلى نوعين الأول تيار يسير فيه مسارح الطليعة والشباب والغد بتقديم العروض التجريبية ، والثاني عروض القومي والحديث والكوميدي تقدم نفس الشكل والمضمون لتفقد المسارح هويتها ودورها المنوط بها وتميزها الفكري والفنى.

ـما رأيك في تقديم عروض الريبورتوار مثل الملك هو الملك والملك لير وأهلا يا بكوات ، ونجاحها الجماهيري في ذات الوقت الذي تفشل فيه العروض المنتجة حديثا ؟

* ليس هناك نظام ريبورتوار ، ولكن ما يحدث هو إعادة تقديم عروض قديمة ، فنظام الريبورتوار يعتمد على تقديم ذات المسرح لعروضه القديمة مواكبة مع عروض جديدة من إنتاجه بشكل منتظم ، وجداول معلن عنها قبيل العروض بفترة كافية ، ومرد هذا إلى وجود عراقيل كبيرة فليس هناك أماكن كافية لتخزين الملابس والديكورات ، وأرى أن إقبال الجمهور على العروض القديمة المعادة يدلل على حنينهم وتمسكهم بالفن الجيد وحنينهم إليه ، وهو بحاجة إلى أعمال جديدة لها نفس القيمة الفكرية والفنية ، وأرى أن نظام الريبورتوار منوط أساسا بأعمال المسرح القومي دون سواه.

ـ   ما الخلل الإداري من وجهة نظرك المتسبب في تردى حال مسرح الدولة ؟

* البيت الفني للمسرح مؤسسة ليست ذات نظام ثابت ومستقر ومتطور ، العملية الإدارية كلها مرهونة بفكر الرئيس الجديد ، الذي ينفي ما كان من سابقه، ويقدم من جعبته ،  ومن منظوره الشخصي ، بنظرة متفردة ما يريده للبيت الفني للمسرح ، أي يبدأ من جديد ولا ينظر للقديم ولا يستفيد من أخطائه أو صحة ما كان منه ، وفي ظل هذا وعدم وجود استراتيجية محددة وثابتة ، يتأثر مستوى العروض .

ـ يتردد كثيرا مصطلح موت المؤلف ، بل وموت المسرح .. فما رأيك؟

أنا ضد هذه المقولة ، فطالما هناك حياة فهناك مسرح ينبض بأحاسيس وهموم الناس ، يعبر ويرفه عنهم يسليهم يحفز يثير أفكارهم ، المسرح فن حي يقدم لجمهور حي مباشرة وبتفاعل حي ، ولذلك لن يموت المسرح أبدا، وكذلك المؤلف ، ولكنني أخشى أن يسود اتجاه التأليف الجماعي على كل العروض المقدمة للجمهور.

ـ ما أثار مهرجانات المسرح التجريبي على الحركة المسرحية ؟

* تأثير إيجابي ضعيف جدا ، ليس على المستوى المنشود ، فالمشكلة تكمن في أننا نلهث وراء كل جديد دونما ضابط ولا رابط ، وأرى أن يقدم مهرجان المسرح التجريبي كل 4 سنوات حتى يتاح للجمهور والمبدعين التعرف يشكل منتظم على أشكال وأنماط التجريب ، ولا شك أنه أضاف بعض الجرأة في تناول النصوص وأشكال تقديمها ، ولكن كثرة التجريب وطغيانه على العروض التي يقدمها مسرح الدولة طغى على المسرح التقليدي المتعارف عليه لدى الجمهور الذي أنف بشدة من هذه العروض فجعلته يعرض عن ارتياد المسارح .