أين الفن الإسلامي يا مراقبنا العام
نجدت لاطة
مرّ هذا الصيف في الأردن دون أن يُقام مهرجان إنشادي ، ودون أن نشاهد مسرحيةً إسلامية ، وكأن الفن الإسلامي ليس له جمهور متعطش له ، وكأن الفن الإسلامي ليس من مهمته إنقاذ الجماهير العريضة التي تتعرض ليل نهار إلى أشرس غزو في تاريخ المسلمين في جميع مناحي الحياة ، الثقافية والأخلاقية والفنية والإعلامية .. وكأن الإسـلاميين ليسوا معنيين بإنقاذ تلك الجماهير الضائعة .
وفي المقابل ، أُقيم مهرجان جرش الغنائي ، وعُرضت مسرحية ( بودي جارد ) للمثل عادل إمام ، فرقص الجمهور على تأوهات المطربة نانسي عجرم وأغاني كاظم الساهر وغيرهما ، وضحك الجمهور حتى الثمالة وهو يشاهد الممثل عادل إمام ، الذي هو إمام في الضحك والكوميديا .
أما نحن الملتزمين فقد وضعنا أيدينا على خدودنا نندب حظنا على الفن الإسلامي الغائب في فصل الصيف ، الذي هو فصل الراحة والتنزه والفرفشة عن النفس من وعثاء فصل الشتاء ، وقد تبيّن لنا أن فصل الصيف لا يختلف عند الإسلاميين عن فصل الشتاء .
فخطر ببالي خاطر وسؤال أتوجه به إلى المراقب العام للإخوان المسلمين ، باعتباره زعيم أكبر حركة إسلامية ، وباعتباره المسؤول الأول عن كافة الأنشطة المختلفة ، والفن الإسلامي واحد منها ، والسؤال هو : أليس الإسلام علّم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الله سيسأله عن شاة عثرت في أرض العراق لِمَ لم يُعبّد لها الطريق ؟ وإذا تعثّر الفن الإسلامي في هذا الصيف ألن يسأل اللهُ المراقبَ العام لِمَ لم يأمر بإقامة مهرجان إنشادي ؟ ولماذا لم يأمر بتحضير مسرحية إسلامية ؟
هل أصبحت الشاة أهم من الفن الإسلامي يا مراقبنا العام ؟ فالشاة لم تغب عن بال عمر بن الخطاب ، والفن الإسلامي كله غاب عن بال مراقبنا العام في هذه الصيف .
وسؤال آخر : مَن المسؤول عن ضياع الجماهير ؟ هل نضع المسؤولية على الغزو الفكري القادم من واشنطن ؟ أم أن المسؤولية الكبرى تقع علينا نحن الإسلاميين الذين ـ نزعم ـ أننا حاملون لواء الإسلام ؟ فالله عز وجل أرجع سبب هزيمة المسلمين في غزوة أحد إلى المسلمين أنفسهم ، وقال لهم ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أنفسكم ) أي أن الله لم يُرجع سبب الهزيمة إلى حنكة المشركين حين التفوا حول جيش المسلمين .
وأنا لا أُحمّل المسؤولية على المراقب العام فقط ، وإنما تقع المسؤولية أيضاً على كل أمير حركة إسلامية ، فجماعة الدعوة والتبليغ مسؤولة عن ذلك ، وجماعة الصوفية مسؤولة عن ذلك ، وجماعة السلفية مسؤولة عن ذلك ، وكل أمير جماعة مسؤول عن ذلك ..
وكذلك تقع المسؤولية على كل أمير جماعة إسلامية في كل بلاد الإسلام ، والمرشد العام للإخوان المسلمين في مصر هو أول المسؤولين عن ذلك ، لأنه أكبر زعيم إسلامي لأكبر الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي . والفن الإسلامي غائب أيضاً في مصر ، فلم نسمع عن مسرحيات إسلامية في مصر ، ولم نسمع عن مهرجانات إنشادية في مصر .
وأرجو أن لا يبرر أحد لي بأنه يوجد تضييق على الإسلاميين في مصر ، فأنا أعلم أنه يوجد تضييق على الإسلاميين في مصر ، لا سيما على الإخوان المسلمين ، ولكن هذا التضييق ليس في مجال الفنون ، وإنما في مجال السياسة .
فالإخوان المسلمون في مصر لديهم حرية كبيرة في مجال الفنون ، ولكن المشكلة أن العقول الإسلامية التي تعرف أهمية الفنون في هذا العصر غير موجودة في مصر . فعلى سبيل المثال : لماذا لا يقدّم الإسلاميون في مصر الدعم المالي للفنانين التائبين لإنتاج المسلسلات والأفلام الإسلامية ؟ من المؤكد سيعترض أحد علي ويزعم أن الإسلاميين في مصر لا يملكون الأموال التي تكفي لإنتاج الأفلام والمسـلسلات . فأقول : إن الإسلاميين في مصر يملكون تلك الأموال ، وهم قد صرفوا الملايين في الانتخابات الفارغة التي خاضوها قبل سنتين . ولكن هم ـ برأيي ـ غير مقتنعين بدور الفنون في حياتنا المعاصرة ، لذا هم لا يصرفون فلساً واحداً لها .
ويبقى سؤال آخر أتوجّه ها إلى الشباب الإسلامي الذي ينتمي إلى تلك الحركات الإسلامية ، فأسأله : إذا كان المرشد العام أو المراقب العام قد غفل أو قصّر أو تقاعس أو تكاسل عن إيجاد الفن الإسلامي .. فلماذا لم يقم الشباب الإسلامي بتنبيهه على تقصيره ؟ ولماذا لم ينتقده أحد في ذلك ؟ أليس الإسلام هو الذي علّم تلك المرأة أن تعترض على الخليفة عمر بن الخطاب حين أراد أن يحدد المهور ، ومن ثم أرجعته إلى صوابه ؟ فالإسلام لم يعلّمنا أن نصحح أخطاء حكامنا فقط ، وإنما علّمنا ـ أيضاً ـ أن نصحح أخطاء قياداتنا الإسلامية ، لأن الله عز وجل سيسألنا جميعاً عن تقصيرنا في إيجاد الفنون الإسلامية المختلفة ، بدءاً بالمرشد العام وانتهاءً بأصغر فرد في الحركة ، لأن المسؤولية تقع على الجميع.