زمن العصابات
علي الأحمد
نشر احد الكتاب السوريين المشهوريين برفضه قيم الامه واخلاقها وتقاليدها ، وهو من ابناء احدى الاقليات المتحكمه بخناق سوريه (الوطن ) ، نشر مقالا ينتقد فيه مجريات واحداث المسلسل الشعبي الذي يكتسح الجماهير العربيه من المحيط الى الخليج بسبب بساطته وعمقه في التعبير عن حال المجتمع السوري قيل اكثر من خمسة عقود من الان . وهو مسلسل باب الحاره ، وعنوان مقاله (زمن الحارات) .
ومن الطبيعي على ذلك الكاتب وغيره ممن تربوا في احضان البعث العظيم ومخيمات الطلائع حيث يتم تعليم الفحش والرذيله بدلا من القيم والاخلاق ، من الطبيعي ان يصدر منه اي كلام مشابه لما قاله في ذلك المقال المسف وما نعت به حياة السوريين في السابق وما تميزت به من نخوه وشهامه ورجوله ونصر للمظلوم والاخذ على يد الظالم مهما علا قدره . ولكنه راى في تلك الصفات الحميده ( تكشير وعبوس وعوده الى عصور التخلف كما قال ) ، حيث لا يعجبه ان ترتدي المرأة لباس الحشمة والوقار بل ان تخرج كاشفة عاريه لكي يروق له ولامثاله التمتع بما وهبها الله لها من صفات .
وهذه فقرة مما قاله ذلك العبقري : (
إن هذه النوستالجيا الغريبة لأيام زمان، تظهر بالفعل عجز هذه المجتمعات والحكومات عن التأقلم والتكيف مع قيم العصر والحداثة، ومواكبة العولمة) . انتهى كلامه
اي عولمة يتحدث عنا الرفيق كاتب المقال ، واي حداثه واي تاقلم ؟ هل كان هناك قبل ستين او سبعين عاما اي حداثه او تطور ؟ لقد كان عهد الاستعمار والحروب العالميه التى حصدت مئات الملايين من البشر ، وكانت ثقافة الاغتصاب والقتل هي السائده بعد ان تم للمستعمرين القضاء على اخر معقل لخلافة المسلمين وتم فرض اتفاق سايكس بيكو الذي قسم الامة التى كانت موحده لقرون طويله ، وغرقت الامة في معظمها تحت نير احتلال فظيع لا يرحم ، وظهرت الحركات القومجيه النتنه مثل البعثيين التى نحصد اليوم بعد خمسين عاما مرارة العلقم من افعالها وجرائمها . وكرد فعل على ذلك الواقع ظهرت في ذلك الوقت حركات التحرير والمقاومه التى يتناول المسلسل جانبا منها من خلال دعم اهل الشام لثوار فلسطين ضد اليهود ،والتعاطف الشعبي الذي بدأ بالتولد مع الايام الاولى لقيام دولة اليهود على ارض فلسطين ، بالرغم من شحة الموارد ، وما على الكاتب الجهبذ الا ان ينظر لحال سوريه اليوم وقد احتلت ارضها لاربعة عقود وما فعله النظام الحالي لتحريريها ، وهو النظام الذي يتبجح صباح مساء بالصمود والردع ولكن في الاذاعه فقط وليس على الارض .
نعم هناك قسم كبير من السوريين يحنون لايام زمان ، حيث الرجوله والعنتريه وعدم الخوف من السلطه الذي يتجسد اليوم في ذلك الكم الهائل من الرعب الذي نشرته اجهزة الامن الحاليه . كان مخفر الشرطه في تلك الايام سيئا بسيطا لا يخاف منه احد ويمكن حل الامور ببساطة زائده وبوسة شوارب ، اما اليوم فهناك الحقد والغل من اجهزة الامن ضد شرائح واسعه من المواطنين ، وهناك زنازين وتعذيب وانتزاع للاعترافات باساليب تندى لها جبين الانسانيه .
وهناك حنين لايام زمان حيث المحبة بين الجيران والتعاون وتحمل اعباء الحياة والعون للمحتاجين وكل تلك السلسه من الاخلاق ، مثل احترام رجل الدين ومراعاة احكام الاسلام في كل كبيرة وصغيره ، والرضوخ الكامل للشرع الاسلامي عند الخلاف .
من حق الكاتب الا يعجبه ما جاء في المسلسل لانه ربما لا يعرف قيمة تلك القيم لانه تربى في بيئة جاحدة مشركة لا تعرف الدين ولا تحترم الاخلاق ، لذلك ولانه يفتقد ذلك في صغره فهو ناقم عليها في كبره ، ببساطة لانها لم يعايشها واقعا ملموسا وانما عايش حياة الكذب والغش والخداع .
ُثم ينتقل كاتب المقال ليقول ما يلي :
(
القيم والتقاليد "الدمشقية" العريقة، التي يحاول هذا المسلسل أن يقول أنها كانت
موجودة وناصعة البياض، وإلى آخر هذه السلسلة المملة من الخطاب الممجوج والجاف،
لم
تفلح لا سابقاً، ولا لاحقاً في أن تطعم الناس عسلاً ولوزا) . انتهى كلامه
هل تطعم سياساتكم الحاليه اليوم للناس عسلا ولوزا يا صديقي ؟ ام اطعمتهم وحلا وطينا وفقرا مدقعا وثراء فاحشا لابناء المتسلطين واعوانهم ، الم يكن الدمشقيون بالف خير تلك الايام يا صاحبي ؟ ربما كانت حالهم الماديه اقل من اليوم ولكنهم كانوا ينعمون بالكرامة والشهامه ونصرة المحتاج ، اما اليوم فقد اذهبتم الكرامة ومرغتم انوف الاشراف بالطين بسبب بغيكم وظلمكم وتهوركم ، لقد كان الناس بالف نعمه حيث عملتهم صامده وقوية والخيرات متوفره والناس تحب بعضها البعض ولا مخبرين ولا جواسيس ولا اجهزة الامن .
ليس غريبا عليكم ان تنقموا على المحبة وعلى الخير وعلى القيم لانكم لا تعرفوها ، لانكم افتقدتموها في صغركم لذلك فانكم تحقدون على من يتعامل بتلك الصفات الراقيه .
اصدق تعبير لحب الناس لتلك الحقبه وما فيها من عادات وتقاليد ، هو ما يقوم به الناس في المشرق والمغرب العربي وحول العالم من متابعة لاحداث ذلك المسلسل السوري . وما على كاتب زمن الحارات الا ان يطق من الغيظ . والسلام .