حوار مع عبد الله سعد
البحث عن أوبرا عربية
مخرج الأوبرا الأول في مصر
د. كمال يونس
عبد الله سعد مخرج الأوبرا الأول في مصر والشرق الأوسط ، بدأ دراسته بقسم الغناء بكونسرفتوار القاهرة ، وتخرج وعمل معيدا بالمعهد منذ تخرجه حتى عام 1992 ، ثم درس الإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وحصل على دبلوم الدراسات العليا بقسم المسرح الموسيقى ، وعمل مساعدا للإخراج مع كثير من المخرجين العالميين أمثال رولاند إالياس ( أمريكا ) ، فيتوريو روسى، جان كارلو ديلمانو ، اتيللو كولونللو ( إيطاليا ) ، ميشيل جيبس ، ميشيل أرشمبو ، جان لوى بيشون ( فرنسا ) ،بلامن كارتالوف ( بولندا ) ، ثم سافر بعدها إلى إيطاليا موفدا من وزارة الثقافة ، حيث حصل على أعلى الدرجات العلمية والفنية في مجال الإخراج الأوبرالى ،وحصل على جائزة الدولة للإبداع في مجال الإخراج ، ويقوم بالتدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية ، وعدد من الجامعات المصرية ، ولقد اشترك بالغناء في عدة مسابقات ومهرجانات دولية ، أشاد به النقاد المصريين والأجانب معتبرين أعماله على مستوى لا يقل عما قدم بالخارج ، وأبرز تعليقاتهم التى تحدد ملامحه الإبداعية كمخرج أوبرا محترف و متميز ، مخرج في طريقه للعالمية ، المخرج الذي يحقق الهدف بتقنية فنية عالية ، لا يخرج عن الأطر المرسومة للشخصيات، متفهما بحرفية عالية للمؤلف الموسيقى ، والنص الدرامي ، يحقق في أقل وقت من البروفات ما يريد لعمله ، مما يدلل على فكره المنظم ، يتعامل مع المجاميع محدثا تشكيلات تثرى العمل ، يتميز بالرؤية اللونية في اختيار الملابس والإضاءة معمقا دلالاتها ، من المخرجين القلائل الذين يستخدمون خشبة المسرح كاملة في كل عروضه ما بين عمق وارتفاع ، يهتم اهتماما بالغا بالأداء التمثيلي لمغنى الأوبرا بتدريبات حرفية الممثل لأن معظمهم لم يدرسونها،مما يضفي صدق الأحاسيس وروعة الأداء على أدائهم.
التقته العربي للتعرف على عالمه الإبداعي المتميز ،وطرحنا معه عدة قضايا تتصل بفن الأوبرا ، وبه شخصيا كفنان موهوب، باحثين عن إجابة لتساؤل لم لا يكون لدينا أوبرا عربية ؟ ، وكان هذا الحوار.
* ما مواصفات مخرج الأوبرا ؟ وما الفرق بينه وبين مخرج الأوبريت؟
ـ الفرق كبير جدا إذ يمكن لأي مخرج مسرحي عمل أوبريت باللجوء للمتخصصين في الموسيقى والاستعراضات كل في مجاله ، واهتمامه الأساسي إنما ينحصر في إخراج مناطق الأداء التمثيلية والربط بينها وبين كل عناصر عمله ، أما مخرج الأوبرا فلابد من توافر شروط محددة فيه، من دراسة موسيقية مع تفهم كامل لعمل الأوركسترا ، والتفهم التام لأنواع وطبيعة الأصوات البشرية، مع حرفية توظيفها في الغناء ، ويفضل أن يكون مغنيا أصلا .
*ما موقع الأوبرا العربية على خارطة فن الأوبرا ؟
ـ ليس لها وجود على المستوى العالمي ، ومعظم ما أنتجته لا يعدو كونه تجارب محلية ، نجاحها وفشلها محلى ، وليس لها جمهور حتى نستطيع أن نقيمها،هناك تجارب لعمل أوبرات عربية ولكن نتائجها لم تكن مشجعة وليست على المستوى الفني المطلوب ، ولم يحسن الجمهور استقبالها ، ولكنها في النهاية تجربة.
* وما السر في ذلك؟
ـ كان المفهوم في تنفيذها خاطئا ، لأنه ليس بالضرورة أن أكون فردى ومؤلفي الأوبرا العظام ، ولكن المهم أن أقوم بتأليف عمل غنائي تتوافر فيه المواصفات الفنية والمقومات المتعارف عليها لتوصيلها للجمهور ، من حيث طبيعة الغناء ، وأسلوب التلحين ، والتأليف والتوزيع الموسيقى ، وعلى مستوى الكتابة ما يتناسب مع طبعيتنا كعرب ، من حيث الجمل الغنائية العربية والجرس الموسيقى ، دون فذلكة ولا حذلقة ، من محاولة استخدام تونات ( طبقات ) موسيقية عالية لمجرد أن تبدو غناء أوبر إلى ، أو استخدام حليات غير مطلوبة لنوعية الجمل الموسيقية المغناة ، إضافة إلى أن بعض المؤلفين لا يحسنون ولا يتقنون سر وأهمية التآلف بين الأصوات ، ومعظمهم لا يستخدم الجمل الموسيقية الغنائية بمفهوم الجملة الموسيقية والمستوى الصوتي ، والطبقة المضبوطة المتناسبة والمناسبة لصوت المغنى ، ومرجع هذا كله يرجع إلى أنت معظم المؤلفين ليس عندهم موهبة التلحين ، ولكنهم موزعين موسيقيين بحكم دراستهم .وعلى سبيل المثال أوبرا زواج فيجارو نموذج لأوبرا ترجمت للعربية ، واستسيغت الجمل العربية على ألحان موتسارت ، وأحسن الجمهور استقبالها أكثر من دون جيوفانى ، وكوزي فان توتى ( هكذا يفعلن ) .
* قدمت الإذاعة المصرية بعض الصور الغنائية التي لاقت إقبالا كبيرا من الجمهور العاديين ، ألم تكن تلك خطوة على طريق التأليف الأوبرالى العربي ؟
ـ أوافقك الرأي والسبب في كونها نموذج لأوبرا عربية هو احتواؤها على لحن وتوزيع عربي متوافق والكلام والأذن العربية ، بيد أنه كان ينقصها الصور مثل الدندرمة.
*ما هو موقع الأوبرا المصرية الفعلي على صعيد فن الأوبرا العالمية؟
ـ دار الأوبرا المصرية معروفة عالميا ، وهى عريقة منذ أيام الخديوي إسماعيل ، وهى تقدم الأوبرات القديمة والجديدة حتى الآن ، ولها تواجدها على المستوى العالمي ، وتستقطب فرقا عالمية لها سمعتها وتاريخها.
*كيف ترى النظرة العربية تجاه هذا الفن ؟
ـ كثير من الدول العربية تقدم أوبرات وخاصة أوبرا عايدة مثل أبو ظبي ، والكويت ، وقطر ، ودبي ، والهدف ليس استحسان الجمهور للتجربة في حد ذاتها ، ولكن هي محاولة للتعرف علي هذا الفن ، وبعض الدول العربية تفكر في بناء دور للأوبرا ، وفي مصر يتزايد عدد مرتادي دار الأوبرا من مختلف الأعمار وخاصة الشباب ، وبحكم تخصصي في هذا المجال وحيث أقوم بتدريسه في عديد من الجامعات أوجه الطلاب لحب وفهم هذا الفن.
* ما مدى استفادتك من دراستك للأوبرا في إيطاليا؟
ـ من قبل سفري للبعثة وأنا أعمل وأخرج الأوبرات في مصر ، وطبعا أثقل العلم موهبتي ودراستي، وحصلت على أعلى الدرجات العلمية في الإخراج من إيطاليا ، واتضح هذا جليا في إخراجي لكثير من الأوبرات مثل عايدة ، زواج فيجارو ، إكسير الحب ، توسكا ، سر سوزانا ، مدام بتر فلاى ، الأمبرزاريو ، الصوت البشرى ، التليفون.
*مؤخرا قدمت أوبرا عايدة من إخراج الإيطالي موريتسيو دى ماتيا لم تكن على المستوى الفنى اللائق ، ما السبب من وجهة نظرك ؟
ـ تقديم أي أوبرا يعتمد على رؤية إخراجية إبداعية لمخرجها ، يكون مسؤولا تماما عنها ، ولقد فوجئت بإسناد إخراج أوبرا عايدة للمخرج الإيطالي، وقد جاء ليخرج أوبرا لا ترافياتا ، ولما كان الوقت ضيقا ، اهترأ العرض وتهلهل فضاعت رؤية المخرج ، وظهر عدم تفهمه التام للشخصيات وعدم دراسته للنص ، لتفتقد أوبرا عايدة الإبهار وهو أحد مكوناتها ، وقام باختصارات واختزال في غير محله ، ولم تكن لديه مجموعات كافية من الحشود ، وأساء التعامل مع مساحة المسرح ، الذي جعله ضيقا لأبعد الحدود ، وضاعت بهجة مشهد ما رش النصر وهو أحد المشاهد الرئيسية في أوبرا عايدة ، وهذه التجربة كانت مليئة بالأخطاء ، وهذا هو نفس الخطأ الذي وقع فيه من قبل مخرج الأوبرا العظيم زيفاريللى حين قدم أوبرا عايدة عام2002 على مسرح بوسيتو ، وهو مسرح صغير جدا ، ببعض المغنين ، وأعضاء الكورال مما أثار استياء الجمهور والنقاد.
* لماذا لم تقدم أعمالا للمسرح الغنائي ؟
ـ رغم حصولي على جائزة الدولة للإبداع في مجال الإخراج للمسرح الموسيقى ،كم قدمت من مشاريع للبيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية ،وللبيت الفنى للمسرح إلا أن أحدا لم يصدق في وعوده لي ،رغم أن وزير الثقافة يريد إحياء المسرح الغنائي ، وقد تقدمت من هذا المنطلق بمشاريع عدة ، ووضعت على قائمة الانتظار وتتغير القيادات ولكن دون مردود حقيقي إيجابي، ومن العجب عدم حضور معظم العاملين بالمسرح والإخراج المسرحي والقائمين على إدارة مسرح الدولة عروض الأوبرا.