الأديب محمد الحسناوي والسينما
( 1 )
محمد الحسناوي رحمه الله |
نجدت لاطة |
رحل عنا الأديب الإسلامي محمد الحسناوي ، رحل عنا بعد أن عاش للإسلام ، فلم تكن حياته إلا للإسلام ، ولم يكن أدبه وشعره إلا لهذه الدعوة ، فرَحِمَه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته .. اللهم آمين .
وسيكتب عنه الكثير ، سيكتبون عن شعره ، وعن أدبه ، ولكن هناك ميزة في الأستاذ الحسناوي قلّما سـينتبه إليها أحد ، وهي وعيه بأهمية الفنون المستحدثة ، وأعني هنا السينما ، فقد كان لديه وعي كبير بأهمية السـينما في حياتنا المعاصرة .
ولكي يُلمّ الأستاذ الحسناوي بهذا الفن المستحدث فقد كان يذهب هو ورفيق دربه الأستاذ عبد الله الطنطاوي إلى السينما ، فقد كانا يذهبان منذ أيام شبابهما إلى السينما ، ويطّلعان على هذا الفن الذي استقطب شرائح المجتمع بأكملها .
وأنا أعلم أن البعض سيقول لي : هل أنت تذكر مساوئ الحسناوي أم محاسنه ؟ فأقول : أنا أذكر أهم محاسنه ، لأن الوعي بمستجدات العصر هو المهم في الدعوة ، ومن خلال هذا الوعي يخرج العمل الدعوي الصحيح والصائب ، وبالتالي تنجح الدعوة .
وفي السنة الماضية ( أي قبل سنة من وفاته ) قلت للأستاذ الحسناوي : سيُعرض فيلم إيراني في مؤسسة شومان ، فقال لي : إذا كنتم تريدون الذهاب إليه فخذوني معكم . فالأستاذ الحسناوي كان طيلة حياته يتابع هذا الفن المستحدث لِما يرى له من أهمية كبرى في حياة الناس .
وحين ألقيت محاضرة فـي رابطة الأدب الإسـلامي في عمان تحت عنوان ( المسرح الإسلامي وضرورة إشراك المرأة فيه ) قلت في المحاضرة : في أيامنا الحالية يمكن أن نسمح للمرأة في التمثيل في المسرحية الإسلامية ، بسبب كون مجتمعنا الحالي مختلطاً بشكل كبير ، وحين تقوم الدولة المسلمة التي تحكم بشرع الله يمكن أن نفصل في المسرح بين الذكور والإناث ، فيكون هناك مسرح خاص للرجال ، ومسرح خاص للنساء ، وتكون المرأة في المسرحية ممثلةً ومُخرجةً ومُشاهدةً ، وهذا شيء طبيعي في المجتمع المسلم الذي ـ هو في الأصل ـ يفصل بين الذكور وبين الإناث .. ولكن الأستاذ الحسناوي اعترض علي بعد المحاضرة وقال أمام الجمهور : حتى حين تقوم الدولة المسلمة فينبغي أن نشرك المرأة في المسرح الإسلامي ، فتقف جنباً بجنب مع الرجل في هذا المسرح ، لأن الإسلام لا يمنع من إشراكها فيه ، وذكر تعليلات مقنعة لرأيه . وبالفعل فقد رأيت رأيه صائباً ، وفيه من الفهم العميق الشيء الكثير . فالأستاذ الحسناوي كان ذا وعي كبير ، مع جرأة كبيرة أيضاً ، لا يخاف لومة لائم ، ولو كان هذا اللائم من إخوانه ، فالحق أحق أن يُقال .
وكان الأسـتاذان الحسـناوي والطنطاوي يقترحان علـى القيادات الإسـلامية إنشـاء الفرق المسـرحية وضرورة إيجاد المخرج والممثل وكاتب السيناريو ( الملتزمين ) .. ولكن ـ للأسف ـ كانت هذه القيادات في حالة غياب كامل عن السينما ، فالقيادات الإسـلامية تعيش في واد ، ويعيش الناس في واد آخر ، لأن الأفلام والمسلسلات والمسرحيات ما هي إلا كتب يقرأها معظم الناس ، فهي التي توجّههم في حياتهم المعاصرة ، توجّه سلوكياتهم ، وتخاطب عقولهم ، وتشكّل نفسياتهم ، فماذا بقي في الإنسان غير هذه النواحي ؟؟؟ لذا وجدنا ـ تبعاً لذلك ـ أن الخطاب الإسلامي قد فشـل ـ خلال الخمسين سنة الماضية ـ في اسـتقطاب الجماهير العريضة إلى الدعوة . وبالتالي ابتعد عموم الناس عن تعاليم الإسـلام رويداً رويداً ، وكانت السينما بشتى أشكالها ( الفيلم والمسلسل والمسرحية ) الوسيلة الأشد والأخطر في ابتعادهم . أما السينما الملتزمة فلم يكن لها وجود ، ولم يكن لها دور في ردّ هذه الهجمة الشديدة للسينما المنفلتة عن تعاليم السماء .
وقبل الأستاذين الحسناوي والطنطاوي رأينا ـ في سلسلة مقالات ( البنا وتجربة الفن ) للكاتب المبدع عصام تليمة ـ كيف أن الإمام حسن البنا قد اعتنى بالمسرح بشكل كبير ، فقد كان رحمه يذهب لحضور المسرحيات ، وكان من بروتوكولات دار جماعة الإخوان المسلمين في زمن حسن البنا أن الضيف الزائر لدار الجماعة كانوا يذهبون به إلى المسرح لمشاهدة مسرحية ، وقد يكون هذا الضيف شيخاً أو مفكراً أو أديباً أو سياسياً أو غير ذلك .
ثم إن الشيخ العلامة محمد متولي الشعراوي رحمه الله كان يشاهد الأفلام والمسلسلات والمسرحيات . وكان مما ذكرته الفنانة التائبة غير المعتزلة سهير البابلي أنها قالت للشيخ الشعرواي أنها لم ترتكب أخطاءً كبيرة خلال مسيرتها في السينما ، أي أنها لم تكن ممثلة إغراء ، فقال لها الشيخ الشعراوي : هل تذكرين المشهد الفلاني في مسرحية ( ريا وسكينة ) حيث فعلتِ كذا وكذا في المشهد ؟ فقالت له : وهل تشـاهد أنت هذه الأشياء ؟ فقال لها : وأنا من أين سأعرف بلاويكم .
وقبل سنتين دعا الشيخ يوسف القرضاوي والداعية الكبير عمرو خالد الفنانين التائبين والفنانات التائبات إلى العودة إلى التمثيل وتقديم الفن الملتزم .
فهؤلاء ـ الحسناوي والطنطاوي والبنا والشعراوي والقرضاوي وعمرو خالد ـ كانوا يشاهدون الأفلام والمسلسلات والمسرحيات ، ويحثّون الإسلاميين إلى إيجاد السينما الملتزمة بأشكالها المختلفة ( الفيلم والمسلسل والمسرحية ) .
ولكن ـ يا ترى ـ ماذا يشـاهد المسلم من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات ؟ وهل نُطلق العنان لأنفسنا فنشاهد ما هبّ ودبّ ؟ أم أن هناك حدوداً لذلك ؟ طبعاً لا بد من ضوابط شرعية لذلك ، سأتناول ذلك في الجزء الثاني إن شاء الله .
ملاحظة : معذرة لتقسيم مقالاتي إلى أجزاء ، فقد اشتكى بعض القرّاء من الشباب والفتيات طول بعض المقالات ، لا سيما أن الأفكار التي أطرحها غريبة عن جيل الجديد من الإسلاميين الشباب ، لذا لزم تقديم الأفكار جرعة جرعة .