ما تقلقش.. مولد نجوم جدد
ما تقلقش.. مولد نجوم جدد
د. كمال يونس
يعرض مسرح الشباب فى مسرح السلام بقاعة يوسف إدريس العرض المسرحي "ماتقلقش"، عن مسرحية توفيق الحكيم " بنك القلق " ، من إعداد وإخراج الشاب جمال عبد الناصر ، وفى كلمته للجمهور عن سر اختياره لهذه المسرحية من بين روائع توفيق الحكيم قال " أنصحك ألا تقلق ، وفى نفس الوقت أحرضك على القلق ، فما دمت إنسان فأنت قلق ، ومن منا لا يقلق على حاله ، وحال أهله ، ومستقبل أبنائه ، بل ومستقبل البشرية كلها ، هكذا قرأت رواية بنك القلق ، وقد استنقذتني منذ القراءة الأولى ، فقررت خوض هذه المغامرة "، وقد سبق لجمال عبد الناصر تقديم ثلاث مسرحيات لتوفيق الحكيم ،" الشيطان في خطر ، الدنيا رواية هزلية ، والورطة "، وهو خريج الدراسات الحرة بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ولديه حب جارف وشغف بالمسر ح الكلاسيكي وروائعه، ويتعامل مع المسرح التجريبي بحذر ووعى ، ويسعى إلى تقديم أعمال ذات قيمة فنية وإنسانية.
العرض من فصل واحد ، مقسم إلى خمسة مشاهد ، في المشهد الأول: يلتقي العرض شابين عاطلين أدهم .. صحفي هجر الصحافة (ياسر الطوبجى ) ، وشعبان خريج كلية الحقوق بعد أن قضى فيها مدة طويلة لتكرار رسوبه ( محمد على الدين ) وقد التقيا مصادفة في حديقة ليبيتا فيها، فهما مشردان ، ضائعان ،يلبسان ثيابا رثة ، تعبا وكلا من البحث عن عمل بعد تخرجهما من الجامعة ، فيفضفضا عما يدور بخلدهما ، وتبرز فكرة لأدهم أن يفتتحا مشروعا تجاريا إنسانيا يداويان فيه القلقين من الناس ، ولم لا ؟، وقد انتشر القلق في المجتمع نظرا للإحباطات آلتي يشعر بها كثير من الناس من حولهم .
المشهد الثاني : يدور في شقة أدهم المتواضعة، وآلتي يعجز عن دفع إيجارها الشهري ، وقد اتخذها مقرا لبنك القلق ، ليستقبل فيها القلقين من الناس ، ليعالجهم بأجر، وقد وضعا لائحة بالأسعار ، قلق لوكس 30جنيه ، عادة 20 جنيه ، كمالة 10جنيه ، يدخل عليهما متولي الصحفي ( جمال عبد الناصر ) وهو زميل قديم لأدهم في الصحافة ، ليعرض عليه مساعدة ميرفت هانم ( ريم هلال ) وهى سيدة أعمال ، كان والدها الإقطاعي سيد البلدة آلتي كان يعيش فيها أدهم ، حيث كان أبوه يعمل كحلاق للقرية ، ويعطيه مبلغا ما كان يحلم به كمقدم أتعاب .
المشهد الثالث: تدخل ميرفت هانم عليهما في البنك ، وتعرض عليهما أن تشاركهما، وتفتح مقرا للبنك في الزمالك الحي الراقي ، وتغريهما بأنها التي ستقوم بالتأسيس وكل التكاليف ، ويوافقان.
المشهد الرابع: في المقر الجديد للبنك في الزمالك، حيث تعلن اهتمامها بعلاج المتذمرين الساخطين دون سواهم ، وتعطيهما مقابلا ماديا مغريا نظير هذا العمل على أن يتحملا المسئولية كاملة ، وتبقى هي وراء الستار ، ويبدأ البنك في استقبال عملائه ، وأولهم الداعية الديني المزيف المنافق أبو العلا فتح الله ( عمرو عبد العزيز )، وقد وضح تماما من سلوكياته أنه أبعد ما يكون عن الدين ، وقد اتخذ الدعوة إلى الله كنوع من الاسترزاق ، والمتاجرة بالدين ، وثاني عميل هو الباشا ( تامر ضيائى ) وهو من البشر الذين يعيشون في الماضي ، مع انفصال تام عن الواقع ،والأحداث، والناس من حولهم ، والثالث المتعصب الكروي (هانى حسن ) الذي اضطر لقتل زميله لأنه اكتشف أنه يشجع النادي المنافس ، وما لجأ لتعصبه الكروي إلا من فرط فراغه ، وعجزه عن الفوز بفرصة عمل ، على الرغم من الرقم الهائل للوظائف التي تعلن عنه الحكومة، وأثناء مناظرة أدهم للحالات يدخل شعبان ليخبر زميله أن ميرفت هانم سيدة الأعمال إنما تدير نشاطا معاديا ضد البلد فيبلغا الشرطة،التي كانت تراقبهما ، ورغم ما عانوه في السابق إلا أنهم يحبون وطنهم .
المشهد الخامس ( الختامي ): يعودا كما كانا إلى الحديقة ، حيث التقيا وقررا إنشاء
بنك القلق ، ويتفتق ذهن شعبان عن فكرة جديدة وهى بنك الحسد، فيصرخ زميله وتنتهي المسرحية.
المخرج جمال عبد الناصر تعامل بوعى كامل لمفردات النص الأصلي الذي أعاد كتابته في ظل الظروف الحالية، فاختار القالب الكوميدي اللطيف الذي يذكرنا بفرقة الريحاني ، ساعده على ذلك موهبة أصلية دارسة للممثلين المشاركين في العرض ، وهم من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية ، أو مركز الإبداع الفني بدار الأوبرا المصرية، وقد أحسن توظيف قدراتهم الإبداعية ، وأحسن توزيع الأدوار عليهم ، ولما جمعهم الحب ، والرغبة في تقديم عمل فني محترم وقيم ، أدى الجميع بروح الفريق الواحد ، بعيدا عن سطوة النجوم ، وأنانيتهم ، وإزعاجهم ، وكواليسهم السوداء ، ودلعهم المرق ، وأجورهم المبالغ فيها ، فحققوا إيقاعا متناغما للأداء التمثيلي الجماعي ، وبرع كل منهم في أداء دوره ، ياسر الطوبجى ( أدهم ) له حرفية أداء عالية تذكرنا بالأداء السلس لعملاق الكوميديا عادل خيري ، محمد على الدين ( شعبان ) كوميديان موهوب ، خفيف الظل ، تامر ضيائى ( الباشا ) موهبة متفجرة ، متألقة ، عمرو عبد العزيز ( الداعية المزيف ) عبق أصيل للموهبة ،وخفة دم متناهية ،ريم هلال ( ميرفت هانم ) واثقة من نفسها وموهبتها ، أدت دورها فى اقتدار، هانى حسن ( مشجع الكرة ) أداء جميل منضبط ومواهب حقيقية، جمال عبد الناصر ( متولى ) أداء صادق معبر ، وهكذا كان أداء الجميع كوميديا من نوع كوميديا الموقف،منضبطا متناسقا ، مدعما لهدف ومضمون العرض.
الديكور واكسسوارات العرض ( أحمد شربي ) . الإضاءة ( يوسف ميشيل ،و عصام على السيد) لعبت دورها في إبراز المضمون العمل وتعميق أثره الدرامي ، الأغاني من تأليف تامر العفيفى وحسام عبد الله ، والتي غناها محمد خلف له تميزت بالحميمية ،واليسر، وعمق المضمون ،كلماتها سهلة متداولة ، كانت جزءا من العمل ونسيجه ، استخدمها المخرج ببراعة في الربط بين المشاهد ، وتجميع مفرداته .وإبرازها في أحسن صورة في حدود الإمكانيات المتاحة والميزانية المحدودة لعروض الشباب، وبهذا أفلح المخرج الشاب أن يحقق إيقاعا عاما للعرض ، وله كمخرج إذ استطاع أن يربط كل عناصر العمل ويقبض عليها في يده.
إن هذا العرض الذي استمر عرضه حتى الآن "90 ليلة عرض" من العروض الجيدة التي أنتجها مسرح الشباب ،عندما كان خالد جلال مديرا له ، وفيه نتاج وثمرة مركز الإبداع الذي يترأسه ويشرف عليه، فالمخرج جمال عبد الناصر هو المخرج رقم 33 في قائمة المخرجين الشباب الذي قدمهم المسرح ورعاهم كما يقول خالد جلال ليكونوا ليضيئوا الحركة المسرحية المصرية ، هم ورفاقهم في جميع عناصر العرض المسرحي ( الإخراج والتمثيل وتصميم الديكور ، والتلحين والغناء، وإذا كانت تلك هي العينة ،وهذا النموذج المشرف للنجاح ، يضع هذا على عاتق هشام عطوة مسئولية تقديم أعمال لا تقل قيمتها الفنية عن العمل الرائع" ما تقلقش ".