كيد النسا..
02حزيران2007
د. كمال يونس
كيد النسا..
ومسرحة الأدب الشعبي
د. كمال يونس
يقدم مسرح الغد للعروض التجريبية العرض المسرحي كيد النسا، رائعة الكاتب الكبير الراحل زكريا الحجاوى ، إعداد وإخراج عادل أنور ، بطولة النجمة سلوى خطاب ، عبير عادل ، شريف حلمي ، عصام شكري ، عبير سيف ، شريف عواد0
النص عن التمثيلية الإذاعية ( كيد النسا ) ، والتي قدمت في الخمسينات من القرن الماضي ، لأحد رواد الأدب الشعبي المصري زكريا الحجاوى ، وتدور أحداثها في زمن المماليك بمصر حول حسنة( سلوى خطاب ) ابنة شهبندر التجار العانس الشريرة ، والتي ترفض الزواج من ابن خالتها حسن ( شريف حلمي ) ، بالرغم من أنه يراعى أموالها هي وشقيقها شلبى ( شريف عواد ) ، عن طريق عصابته من الأشرار ، ولكنها ترى فيه خادما لها فقط ، وقد أحاط حسن أخاها بمجموعة من الشباب المنحرفين ، لينصرف عن رعاية ماله إلى الخمر واللهو ومطاردة النساء ، وتعلم من عايقة الدلالة ( عبير عادل ) بجمال صالحة العابدة ( عبير سيف ) التي تقيم مع أمها الكفيفة ، وتكسب عيشها من بيع الغزل للدلالة ، وحبها لابن عمها صالح الشاب الوسيم التقى ( عصام شكري ) ، مما يوغر صدرها وتدبر مكيدة لكي تفرق بين الحبيبين بمساعدة الدلالة ، وابن عمها الشرير ، وتطعنها في شرفها ، ويصدق فيها صالح كل ما اتهمت به ، ويقف بجانبها شلبى بعد توبته ، وحبه لها ولحسن واعتراف حسن بالحقيقة لشلبى ، وتقتاد حسنة لتلقى عقابها ، ومعها الدلالة ، بعد ثورة الشعب على القاضي العبيط الأخرس ، ويرفض شلبى الزواج منها لعلمه بحبها الخالص لصالح ، ويجمع الحب بين الحبيبين0
يقول معد العرض ومخرجه : "قررت أن أقوم بمسرحة كيد النسا لأن المسرح هو الأقرب للشكل الملحمي الشعبي ، الذي يعتمد على على الموروث الشعبي ، وأشكال الفرجة من خيال الظل ، غناء شعبي ، ونمر مضحكة ، تدور أحداثها في زمن المماليك ولكنها تعكس الزمن الذي نعيشه الآن ، بكل ما فيه من سكوت وفساد ، إنها محاولة فنية لتطويع تراثنا الشعبي ، ووضعه في قالب ، لا أزعم أنه جديد ، ولكنه قد يكسر جمود قوالب المسرح التقليدية ، والدخول في نطاق التجريب " 0
أضاف المعد شخصية الأب الصالح الثوري الذي وقف أمام السطان وجاهر برأيه فالظلم شائع ، والضرائب باهظة مرهقة ، والرأي يقمع بالسيف ، وكان يرى أننا ما دمنا قد اعتدنا الظلم ، فالخطأ فينا نحن ، وليس في الظالم ، وكما يقول المثل المصري " إيه اللي فرعنك يا فرعون 00 قال ما لقتش حد يقف قصادي "، وثورة الشعب على القاضي العبيط ، الأخرس عن الحكم والنطق بالعدل ، وأغنية القاضي عبرته عنه أحسن تعبير " القاضي أخرس بيشاور/ ولا عمره يسأل ويشاور / بيلبس الحق أساور / ومشغل البلطجى سجان ، وأيضا حال الشعب الذي افتقد العدل في الأغنية " واقفين على باب القاضي / لكن جنابه مش فاضي / ولا يكون بالحال راضى / وشايف إن الدنيا أمان" ، ومواجهة الشعب بقيادة صالح لعسكر السلطان الظالم ، ومواجهة العسكر لهم بالرماح ، ولكن كان يجدر به تعميق البعد السياسي من الناحية الفنية أكثر من هذا 0
العرض من فصل واحد مدته حوالي الساعتين ، ومكون من 16 مشهدا قصيرا ، أما المشهد الأخير ( 17) فهو أطول من الباقين نسبيا ، استخدم بمهارة في التنقل بينها خيال الظل ، كجزء من الحدث سردا وتعليقا ووصلا ، والموسيقى الشعبية ، والدرويش و المخايل ( لاعب خيال الظل ) ، وكان هذا هروبا بارعا وذكاء يحسب له فى التعامل مع القاعة المسرحية الصغيرة ، وبديلا عن الاستعانة بالمنشدين وعازفى الآلات الشعبية ، وقد ساعده أيضا على سهولة التنقل روعة الديكور ( من تصميم محمد جابر) بين بيت صالحة ، وقصر حسنة ، والسوق ، والشارع ، والحانة ، فالديكور المتوازن ذو المستويات المتعددة يصعد أليه بدرجة سلم لبيت صالحة ، وبدرجتين لقصر حسنة ، مع اكسسوارات العرض النول ، الأريكة ، الأرابسك ، ومفردات الأثاث والمصابيح ذات الطابع المملوكي ، ودكان تاجر الأقمشة ، والقبو فى أحد شوارع القاهرة القديمة ، والنافورة ، وشاشة خيال الظل بتصميمها العربي فى أعلى خلفية المسرح ، وسلمان على اليمين والشمال استخدم أعلى اليمين ( أقوى نقاط العرض ) لتكون منبرا يلقى الأب الشيخ الثائر بكلماته من عليها ، بالإضافة للأبواب عن اليسار في بيت صالحة ، وعن اليمين فى بيت حسنة ، وكل يميز المكان ، مع الستائر متعددة الألوان على جانبي المسرح وقد استخدمت كواليس لخشبة المسرح ، ومع جمال تصميم استعراضات خيال الظل ( أيمن حمدون ) ، الموسيقى التصويرية للعرض وقد غلب عليها استخدام الألحان الشعبية بآلاتها ، والتي صاحبت بعض المواقف الدرامية مثل الناى والأكورديون ، وألحان الأغاني الخفيفة الموحية ( عطية محمود ) وأغاني العرض بكلمات بسيطة عميقة الدلالة ( محمد بهجت ) ، والإضاءة التي حققت إيقاعا عاما وخاصا أبرزت المدلولات الدرامية للمواقف وعمقتها ( لهشام جمعة ) وخاصة في مشهد دخول سلوى خطاب والإضاءة من خلفها في الظلام ، ومشهد لجوء صالحة لله كي يفك كربها ، وكذلك الإضاءة المرافقة لسلوى خطاب في أحاديثها الذاتية ، أو مع العايقة ، الملابس ( هبة مجدي ) متؤامة للعصر المملوكي ، وأجادت اختيار الألوان الأسود لحسن ، والأسود الذي يرتدى عليه عباءة تعكس الألوان لشلبى ، والرمادي الفاتح جدا لصالحة حتى إذا ما سلطت عليه الإضاءة أعطى لونا أبيضا شفافا مع بريق رائع ، وملابس عايقة الدلالة، حلى حسنة والدلالة متناسبة مع الشخصيتين ( د0 ناهد الكرمودى ) ، استعراضات الباليه لمروة ونشوى فى رقصة الجواري والحريق متناسبة ومتناغمة مع نسيج العمل 0
المخرج أجاد توزيع الأدوار كل فيما يتناسب وإمكانياته التمثيلية والبدنية والشكلية ، سلوى خطاب نجمة العمل ، لم تفتها صغيرة ولا كبيرة من تفاصيل الشخصية إلا وألمت بها ، فحققت لنفسها إيقاعا متفردا من الدقة والروعة فى الأداء وتنقلت جيدا بين مشاعر الغيرة والشر والكراهية والحقد واللؤم والكذب فى براعة متناهية ، بجسدها ، ونبرات صوتها ، حتى فى اختيارها لألوان ملابسها التي صممتها بنفسها فاللون البني والذهبي فى مشهد تدبير المكيدة ، والأحمر والأسود عند شروعها فى أعمال الشر ، ومتعدد الألوان كالحرباء عند غواية صالح 0
عبير عادل ( عايقة الدلالة ) لعبت دورها بخفة ظل ورشاقة أداء تمثيلي وبفهم واع وكامل للشخصية ، كوميديانة ممتازة ، عبير سيف تطابقت ملامحها ودورها من حيث الأداء والشكل تبشر بموهبة واعدة ، شريف حلمي أداؤه متلون أضفى العمق على الشخصية ، شريف عواد ، وعصام شكري، حمدي أبو العلا أدوا أدوارهم من منطق البساطة والصدق دون تكلف ، وكذلك باقي الممثلين المشاركين فى العمل ، إلا البعض ممن لجأ إلى محاكاة المسرح التجاري الهابط بالاستظراف والخروج على النص ، مما يكسر الإيهام فى العمل الجميل الرائع بطريقة هابطة ، وقد يفسد الجو العام للأداء فى هذا العرض ، وتزيدهم هذا يجب أن يوضع له حد ، كفى سخافة واجتراء على حرمة المسرح ، وتقاليده 0
من أجمل مشاهد العرض تذلل حسنة لصالح ، ومشهد صالح وتردده فى قتل صالحة وهى تقرأ القرآن ، والشيخ والد صالحة وهو يعظ السلطان بمصاحبة خيال الظل مشهد الختام عند إلقاء القبض على حسنة ، وهى غير مصدقة 0
ولكن كان يجب انتهاء العرض مع خيال الظل للمحافظة على إيقاع العمل السريع من أوله إلى آخره ، والتبكير بعودة الحبيبين قبل مشهد القبض على حسنة 0
بشكل عام تلك مسرحية رائعة تعد من التجريب الراقي بعيدا عن التهويم والخزعبلات والتفاهات التي تقدم باسم المسرح التجريبي ، نجح المخرج أن يحقق إيقاعا عاما للعمل بالربط بين عناصره جميعا ، ونجح في التعبير عن الفكرة التي تبناها، وهى مسرحة التمثيلية الإذاعية الشعبية من الناحية الفنية0