الناصر صلاح الدين في دمشق
خليل الصمادي
[email protected] عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين/ المدينة المنورة
كنا
صغارا لم نتجاوز العاشرة يوم أقامت مدرسة صرفند التابعة للأنروا برحلة
ثقافية إلى سينما النجوم بمخيم اليرموك أظن أن ذلك كان في أواخر ستينات القرن
الماضي ، يومها صفقنا وصرخنا كلما امتشق أحمد مظهر " صلاح الدين " سيفه مطاردا
فلول الصليبيين يومها لم نع الأحداث التاريخية جيدا لم نفهم إلا البطل الذي يطارد
عدوه ولما كبرنا قرأنا عن حطين وصلاح الدين والقدس والفاطمين وشاهدنا الفلم مرة
أخرى على إحدى شاشات أفلام زمان وتذكرنا الطفولة والبطولة ورسخت مفاهيم جديدة لم نك
نعلمها يوم كنا أطفالا.
وتوالت الأيام وفي خضم صراعات المسلسلات الرمضانية قبل
بضع
سنوات تم انتاج مسلسليين سوريين في عام واحد كل واحد منهما يصور شخصية البطل
صلاح الدين ولكل مخرج مذهب فيما يعرضه وشاهدنا نتفا من المسلسليين وقلنا يستحق صلاح
الدين أكثر من هذا ، وتابعنا أحلام المخرج الراحل مصطفى العقاد وربما رحل عن الدنيا
والحرقة في قلبه لأنه لم يجد منتجا لمشروعه الذي راوده منذ نجاح فلم الرسالة ألا
وهو
فلم يجسد شخصية البطل الفذ صلاح الدين ، وفي خضم أحلام العقاد فوجئنا بفلم
أجنبي عن صلاح الدين يجسد فيه دور البطولة الممثل السوري غسان مسعود وكان للناس فيه
أراء ومذاهب.
واليوم وفي دمشق أيضا البلد التي حضنت صلاح الدين حيا وميتا
استضافت عملا مسرحيا مميزا يمكن أن يضاف إلى الأعمال التي تناولت الشخصية العظيمة
.
قدمت العمل فرقة إنانا بمناسبة الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية لعام
2009
برعاية وزارة الثقافة السورية وزارة الثقافة القطرية
.
العمل من إخراج جهاد
مفلح مدير فرقة إنانا وهذه الفرقة تمتاز بعروضها المسرحية الجادة والتي غالبا ما
تتناول التاريخ العربي وتبسيطه في حركات وإيقاعات ورقصات عديدة تحاكي جوانب عديدة
من
التاريخ ففي الصيف الماضي حضرنا للفرقة نفسها عملا رائعا
"
صقر
قريش " وأما في
الشتاء الذي تلاه فقدمت الفرقة عملا تاريخيا آخر " الملكة ضيفة خاتون" ولها أعمال
تاريخية أخرى لم يتسن لي حضورها ، والأعمال الثلاثة الي حضرتها تتناول التاريخ
العربي في لوحات فلكلورية وأغان هادفة تعطي المشاهد ملخصا عن أحداث تاريخية هامة
ويتخلل هذه الأعمال رقصات أشبه بالباليه إذ يختار المخرج أبطاله من الشبان والشابات
ذوي
الأجسام الخفيفة يكادون يطيرون بالهواء.
وبالعودة لمسرحية صلاح الدين فقد
مزج
المخرج فيها المشاهد السينمائية بالعرض الدرامي الحي فكثيرا ما كانت متداخلة
فيما بينها ولا سيما المعارك بين الصليبيين والمسلمين
.
أعطى هذا العمل معرفة
جيدة ـ لمن تتعبهم القراءة ـ عن سيرة البطل صلاح الدين منذ توليه الحكم بدمشق وضم
مصر
إليه وصور الصليبيين وجشعهم في السيطرة على البلاد العربية واحتلالهم للقدس
وسفكهم لدماء المسلمين، وتدنيسهم للمسجد الأقصى الذي جعلوه إصطبلا لخيولهم وتعرضهم
لقوافل الحجاج و قتلهم للعشرات من المحرمين والملبين لنداء الله وغير ذلك من
الحوادث التاريخية الشهيرة.
واعتمد المخرج على الحوار في لوحات قليلة فُهم من
خلالها التطورات الدرامية والتي كان في نهايتها حواره مع قادة الصليبيين من أجل
الخروج من القدس سالمين غانمين مقابل فدية قليلة أعفي منه الفقراء والمساكين الذين
يخرجوا يغنون لصلاح الدين ويشيدون بعدله.
لم
تقف المسرحية على الأحداث التاريخية
فقط
التي حدثت أيام الصليبين بل كان من براعة الأستاذ جهاد مفلح أن عرج على نكبة
فلسطين بكل أبعادها من احتلال 48 إلى سقوط القدس عام 67 إلى حريق الأقصى عام 69 في
إسقاطات فنية ممتزجة بين الماضي والحاضر ومختصرة في لوحات فنية غنائية وكأنه يريد
أن
يوصل رسالة مفادها : إننا بحاجة لصلاح الدين حتى يخلصنا من الذل والعار
والهوان.