مسرح الطفل في عين البيضاء

(كلمة ياسين سليماني بمناسبة العرض الأول لمسرحية "هواية أسامة")

ياسين سليماني

[email protected]

الأساتذة الحاضرون، الإخوة، الأصدقاء، الزملاء...

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته...

   سعيد جدا اليوم أن أقف اليوم أمام جمع مثل هذا يضم أساتذة أعزاء وإخوة وأصدقاء جاؤوا ليحتفوا معنا بالعرض المسرحي الذي عملنا عليه طيلة الفترة الماضية وهذا من اجل المناقشة وتبادل الفائدة.

وكلمتي هذه تتمحور خطوطها العريضة حول المسرح وجدواه، وأبدأ بمقولة حفظتها في الجامعة، للفيلسوف الفرنسي برغسون الذي يقول:" الشعب الذكي هو الشعب الذي يهتم بالمسرح".

ونطرح سؤالا صغيرا على أنفسنا: هل اهتممنا بالمسرح حقا؟ أليست الشعوب العربية هي أخر شعوب العالم احتكاكا بهذا الفن؟ اوليست الجزائر من أخر الدول المهتمة به؟ اوليست الكتابات المسرحية وقاعات المسرح التي تكاد تنعدم اكبر دليل على ذلك فإذا أخذنا مدينة عين البيضاء مجالا للحديث نجد الأمر أسوأ وأصعب.

أدباؤنا الجزائريون مع كامل الأسف لم يعتنوا  بهذا الميدان الحقيقي، فتعالوا  على الكتابة المسرحية واتجه اغلبهم نحو الرواية والشعر خصوصا، لان هذين الفنين يقدمان لأصحابهما المجد الأدبي في حين لا يصل للمسرحيين شيء رغم أن هناك أعمالا على قدر كبير من الجودة لكنها قليلة إن لم نقل نادرة.

أما حين نتطرق إلى مسرح الأطفال فإننا نجد أن الأمر أكثر إغراقا في السوء... فإلى جانب عدم الاهتمام الكافي بهذه الفئة المهمة من المجتمع، فإن القلة القليلة من الذين حاولوا في هاذ الموضوع أخطأوا من حيث أرادوا إصلاحا... ذلك أن الطفل عند الكثير من المبدعين  في هذا المجال ليس إلا كتلة من السذاجة والحماقة، ويجب أن نهبط إليه، لأنه دون مستوى، وهذا الكلام ظاهر الخطأ، لأن الطفل – كما أرى- هو رجل- أو هي امرأة- صغير أو صغيرة بمعنى أن الطفل لديه كل مواصفات الإنسان الراشد، ولو أنه ينظر إلى الأشياء ببساطة لا بحمق وغباوة.

إن أدب الطفل يتخذ من المسرح وسيلة لبناء كيان الطفل عقليا ونفسيا ووجدانيا وسلوكيا ويساهم في تنمية  مداركه وإطلاق  مواهبه وقدراته، وبذلك ينمو ويتدرج الطفل بصورة صحيحة، على أنه تجب مراعاة وضوح الرؤية وقوة الإقناع والمنطق، والمسرح عموما هو للفكرة أولا، لا للتسلية فإذا توافر الاثنان كان أفضل لأن غياب التسلية يؤثر على تقبل الطفل للعمل.

حين نتحدث عن واقع المسرح "عين البيضاء" نجد أن أول مسرحية كتبها مبدع ينتسب إلى المدينة هي مسرحية بلال بن رباح لمحمد العيد آل الخليفة وهذا سنة 1936م أريد أن أسأل: من هذه السنة: 1936م إلى 2009م ما الذي قدمناه للمسرح؟ كم مسرحية كتبنا؟ وكم من مسرحية قرأ قراؤنا؟ وشاهد جمهورنا.

سيقول قائل إن الكثير من مسرحيات فنانين من عين البيضاء شاركت في مهرجانات وطنية، وفي رأي إن هذه المسرحيات ربحت جوائز فيما خسرت جمهورها عين البيضاوي حتى أصبح بعض أو الكثير من أساتذتنا الأفاضل يقولون باستفهام لا يخلو من التعجب: وهل يوجد في عين البيضاء مسرح؟ ما الفائدة حين اربح جوائز ومراتب أولى ولا تعرفني مدينتي و أهل مدينتي لأني لم أرد إيصال إبداعي إليهم؟

مسرحية "هواية أسامة" كان هناك اقتراح لعرضها في دار الثقافة  بعاصمة الولاية، مع ما يتبع ذلك من تجهيزات كاملة وأقولها صراحة إني رفضت ذلك لأني أردت أن يقدم هذا العمل في مدينتي/ في هذا المركز التفافي الذي نشطت فيه لما يقارب موسمين كاملين، رغم الكثير من النقائص من ناحية الإمكانيات، التي كان يمكن أن تتوفر لنا في حال عرضه في مكان غير هذا، وأرى أن حق مدينتي علي- وهذه مسألة مبدأ- ا ناول ما اخرج من إبداع يكون فيها لا في غيرها، ولا ادري كيف ينظر فنانونا في مسألة مثل هذه ؟

   إن المسرحية التي أتينا من أجلها اليوم، جاءت كبداية لمشوار إبداعي في ورشة الفنون الدرامية التابعة لهذا المركز وأقول أنها البداية ولن تكون بمشيئة الله إلا واحدة من بين أعمال أخرى أكثر فائدة وأرقى قيمة.

    وهذه المسرحية ولو أنها أولى أعمالي من ناحية الإخراج إلا أنها ليست الأولى كتابة، فقد سبقتها أربع مسرحيات كما لحقتها إلى حد الآن مسرحيتان اثنتان، رغم أن هواية أسامة أول ما كتبته للأطفال.

إذن فالرهان اليوم على مسرحية هي أول ما يقدمه المركز الثقافي الأمير خالد وأول ما أكتبه أنا للأطفال، كما أنها أول عمل أخرجه ولا أريد الحديث هنا عن المسرحية في تفصيلاتها، حتى لا آخذ حق الحاضرين في مناقشتها بعد العرض ولكن أود الإشارة إلى أن الكتابة المسرحية بطبيعتها صعبة، وأصعب منها الإخراج فإذا ما اقترنت الكتابة والإخراج عند شخص واحد، فلا أظنه إلا واحدا من أولى العزم، ولست منهم على كل حال.

   يجب التأكيد على أن رسالة المسرح ثقافية وحضارية، وإذا انطلقنا من أن كل سيء زائل وعابر سبيل فإننا نجد الثقافة على عكس ذلك، فالثقافة المتنورة، ثقافة السؤال والنقد هي التي تبقى راسخة في ذاكرة الإنسان، من هنا يجب أن يكون لمدينتنا في عين البيضاء تقليد مسرحي لا بمعنى عرض مسرحي يتيم أبتر اليوم وآخر مثله بعد سنوات- كما يفعل بعض فنانينا المحترمين- ولكني أتمنى أن يجتمع المبدعون في المسرح جميعهم لتشكيل مدرسة مسرحية عين بيضاوية يستفيدون فيها من خبرات بعضهم البعض ويتعلم فيها المبتدئ من المحترف، لخلق ثقافة مسرحية حقيقية قادرة على البقاء والعطاء إضافة إلى ذلك أن تكون لدينا أيام مسرحية خاصة بمسرحياتنا لإيصال هذا الإبداع للناس.

كما ندعو أساتذة المسرح أن ينشروا أعمالهم سواء عن طريق الكتاب، أو الوسائل الالكترونية الحديثة، وهذا من اجل إبقائها للأجيال و إشاعتها فلا معنى- في تصوري- لمسرحية تعرض مرة أو مرتين دون أن تؤرشف، لا عند مبدعها ولكن في ذاكرة الشعب الذي أنتجت من اجله.

بهذه المناسبة السعيدة على القلب والروح معا، وأنا بينكم اليوم، يطيب لي أن أشكر جميع من ساندنا من أجل تقديم هذا العمل، أشكر الأستاذ شريف رحيم المكلف بورشة الفنون الدرامية والذي كان أخا جميلا  تعلمت من نصائحه الكثير، وتعلمت من صبره أكثر، شكرا لأخي طارق الذي أمتعني وأمتعنا جميعا بموسيقاه الآسرة طيلة فترة العمل.

كما أشكر جزيل الشكر جميع أعضاء المنتدى الثقافي على مساعدتهم غير المشروطة.

في نهاية كلمتي هذه وأستسمحكم على الإطالة – أقول أنه إن تم لهذه المسرحية النجاح المنشود، فذلك لأن مجموعة جيدة من الشباب عملت بتفان طيلة الفترة الماضية، لم يريدوا من وراء ذلك جزاء، ولا شكورا، أما إن لم تنجح كما نتمنى فلأن مسرحيتنا هذه تمثل الخطوة الأولى في مسافة الألف ميل.

أشكركم مجددا على الحضور، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.