السينما الإسلامية والأحلام الضائعة

ورسالة أخرى إلى الشيخ يوسف القرضاوي

نجدت لاطة

[email protected]

الشيخ العلامة يوسف القرضاوي

عجيب أمر الإسلاميين في هذا العصر .. فهم إذا أرادوا أن يتحدثوا في قناة فضائية عن الاقتصاد الإسلامي استضافوا خبيراً اقتصادياً محسوباً على الإسلاميين، وإذا أرادوا التحدث عن القضايا الطبية أو عن القضايا التربوية أو عن القضايا النفسية أو عن القضايا السياسية أو عن أية قضايا أخرى.. استضافوا متخصصاً في المجال نفسه. ولكن إذا أرادوا أن يتحدثوا عن السينما استضافوا شيخاً، مع أن السينما أبعد تلك المجالات عن المشايخ والعلماء والفقهاء، لأنهم لا يعرفون شيئاً عن هذا الفن، وهم ـ قطعاً ـ غير متابعين للأفلام والمسلسلات والمسرحيات، بالإضافة إلى أنهم لم يقرأوا كتاباً واحداً عن فن السينما، ولا عن تأثيره الكبير في المشاهد، ولم يتابعوا أخبار هذا الفن المستحدث، أي أنهم صفر بل أصفار على الشمال في معرفتهم بفن السينما. إذاً فلماذا يُستضافون؟؟

ففي البارحة كانت حلقة برنامج الشريعة والحياة في قناة الجزيرة عن السينما الإسلامية، وكان ضيف الحلقة ـ كالعادة ـ الشيخ الجليل يوسف القرضاوي حفظه الله وأمدّ في عمره.. وأنا هنا لا أنتقص من قدر الشيخ يوسف، لأنه عندي وعند الكثيرين  فقيه العصر، وإنما أنتقص من قدر الإسلاميين الذين يقومون باستضافة الشيخ للحديث عن السينما الإسلامية، لأن القنوات الإسلامية الأخرى تستضيف شيخاً أيضاً عند الحديث عن السينما.

وحين تمّ الإعلان عن موضوع الحلقة كنت أحسب أنهم سيستضيفون فناناً ملتزماً كالفنان حسن يوسف، أو غيره من الفنانين الملتزمين، أو يستضيفون أديباً إسلامياً كبيراً، باعتبار أن الأدب قريب جداً من السينما التي تقوم أصلاً على تمثيل قصة أدبية. ولكن لم يتم استضافة أحد من هؤلاء، لذا كانت الحلقة باردة وليست ذات جدوى، وكل الذي استفدناه من الحلقة أن الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله كرر الفتوى التي أجاز فيها وجود سينما إسلامية تنضبط بحدود الشرع.

أي أننا ندور في حلقة مفرغة، فلا نحن حصلنا على سينما إسلامية، ولا نحن سعينا لإيجادها، وإنما بقينا نضرب أخماساً في أسداس ونصدر فتاوى بشأنها ونحلم مثل ذلك الصياد الذي رأى أرنباً وتخيّل أنه اصطاده ثم باع فَرْوَه فاشترى بثمنه دجاجتين فباع الدجاجتين فاشترى خروفاً فباعه ثم اشترى بقرة فباعها فاشترى مزرعة فصار غنياً.. وفي الأخير انتبه الصياد إلى الأرنب الذي ولى هارباً. ونحن كذلك نتمنى وجود السينما الإسلامية ونحلم بها ونصدر فتاوى لها، وفي الأخير لا نجد سينما إسلامية ولا أفلاماً إسلامية ولا مسلسلات إسلامية ولا حتى مسرحيات إسلامية، وإنما نجد خيبتنا، ونجد مع هذه الخيبة ضياع الأمة ومسخ شبابها وفتياتها على يد صنّاع السينما الحالية، فنلعن الظلام ونتباكى على ضياع الأمة، ونكون كما يقول الشاعر:

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ ... والماء فوق ظهورها محمولُ

فالسينما الإسلامية تحت متناول أيدينا، وسهل إيجادها، وعندنا كبار الممثلين التائبين غير المنعزلين، فعندنا حسن يوسف وسهير رمزي وسهير البابلي وعفاف شعيب وصابرين ومحمود الجندي وحنان ترك وحلا شيحة وغيرهم .. والمال الخاص لتمويل هذه السينما موجود، فالإسلاميون عندهم أموال تفي بالغرض، ولكن المشكلة في عدم قناعة قادة العمل الإسلامي والعلماء والمشايخ بجدوى السينما الإسلامية.

والعجيب أيضاً أن مشايخنا يعلموننا أنه في حال فُقد طبيب أو مهندس أو أي صاحب حرفة أو مهنة فواجب شرعاً أن نوجِد هذا الطبيب أو ذاك المهندس. ولكن إذا جئنا إلى الفن السينمائي الذي يخاطب وجدان الأمة بكامله نجد هؤلاء المشايخ لا يذكرون شيئاً عن ذاك الواجب، وهذا يعني أن المهندس الذي يخطط لبناء عمارة أهم بألف مرة من الفنان الذي يساهم مساهمة فعّالة في تشكيل النواحي النفسية والعاطفية والذهنية لدى المشاهد.

وقد يقول قائل: وهل استضافة فنان ملتزم سينفع في حلقة الشريعة والحياة التي تتطلب وجود فقيه ليعطينا رأي الشرع في السينما؟ فأقول: إن الفنان الملتزم سيتحدث عن أهمية السينما في حياتنا المعاصرة وتأثيرها في المشاهدين، ومن ثم ينقل لنا رأي الفقهاء الذين يجيزون وجود سينما إسلامية ملتزمة بضوابط الشرع.

وهناك شيء لا بد من ذكره وهو أن المشاهد غير الملتزم يتضايق حينما يجد شيخاً أو فقيهاً يتحدث في السينما، لأن هذا المشاهد لديه قناعة بأن المشايخ لا يفهمون شيئاً بفن السينما لذا لا يوجد داعٍ لاستضافتهم، ولكن حينما يرى المشاهد فناناً ملتزماً يتحدث عن السينما يشعر بشيء من الارتياح لكلام الفنان الملتزم، لأن هذا الفنان الملتزم سيتحدث عن معرفة وعن خبرة بفن السينما.

على أية حال.. أتمنى من الإسلاميين وقادتهم أن ينتقلوا من مرحلة أحلام ذلك الصياد إلى مرحلة التطبيق.   

رسالة أخرى إلى الشيخ يوسف القرضاوي:

كنت قد كتبت مقالاً قبل سنوات تحت عنوان (رسالة مفتوحة إلى الشيخ يوسف القرضاوي لإنشاء مؤسسة للسينما الإسلامية) في مجلة المجتمع الكويتية، أحثه فيه لإنشاء هذه المؤسسة، ولكن مرّت هذه السنوات دون جدوى.

فالذي أريده هنا من الشيخ يوسف القرضاوي أن ينزل إلى الميدان ويترك المشيخة ويعمل بجد على إنشاء سينما إسلامية. أي أن يقوم بنفسه في إيجاد هذه السينما، فيقوم بدعوة المقتنعين من الإسلاميين بضرورة وجود سينما إسلامية، ويعقدون اجتماعات لذلك، ويجمعون التبرعات لهذه السينما، ومن ثم ينشئون مؤسسة للسينما الإسلامية لإنتاج الأفلام والمسلسلات والمسرحيات.    

بمعنى آخر أريد من الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله أن يخلع الجبة والعمامة، ويهتم بالباقي من عمره بإيجاد السينما الإسلامية، لأنه بصراحة الذي يتابع الشيخ القرضاوي الآن في فتاويه وقراءة كتبه وسماع محاضراته هم خمسة في المائة من الناس، أي هم فئة الملتزمين، لأن الملتزمين هم خمسة في المائة من الناس في هذا الزمن.. فالشيخ القرضاوي أعطى هؤلاء الخمسة بالمائة عمره كله، فما المانع من أن يعطي الباقي من عمره للسينما الإسلامية التي سيشاهدها معظم الناس، وسوف تؤثر فيهم تأثيراً بالغاً؟

وأرجو أن لا يستغرب القارئ من هذا الاقتراح، لأن الإمام حسن البنا رحمه الله ـ الذي هو أعظم قدراً من الشيخ يوسف القرضاوي ـ أنشأ بنفسه المسرح الإسلامي، وكان رحمه الله يحضر بنفسه بروفات المسرحيات، وكان يقف أمام عمالقة السينما المصرية كالممثلين (عمر الشريف ومحمود مليجي وعبد الله غيث وزكي طليمات وأمينة رزق وفاطمة رشدي وغيرهم )..

والعجيب في الإمام حسن البنا أنه لم يصدر فتوى واحدة بخصوص المسرح أو السينما، وإنما كان يبدأ بالتطبيق مباشرة.. رحم الله هذا الإمام العظيم، لقد كان رجلاً بأمة.

وأرجو من الشيخ يوسف القرضاوي أن يقتدي بالإمام حسن البنا وينشئ بنفسه السينما الإسلامية.. وأنا على يقين أن ما سيقدمه الشيخ القرضاوي بخصوص السينما سيكون أفضل ما سيُقدِم به من الأعمال على الله يوم القيامة، لأن السينما الإسلامية ستخاطب الملايين من الناس.