مسلسل الثريا
مسلسل الثريا
د. منير الشامي
ولن نعرض له كاملاً. وإنما نستعرض أجزاءه الأخيرة لأنها تلقي ضوءاً على العمل السياسي والوطني في حلب خلال هذه الفترة. وأهم الجوانب السياسية فيه:
1- جهاد الوطنيين الأتراك ضد المظالم العثمانية، وعلى رأسهم عكاش. شاب من حلب استأثر بقلب ابنة الباشا أحد الإقطاعيين والذي تنسب القرية إليه. ويتابع المسلسل حيث ينتهي في الحلقة الثانية عشرة بانهيار الحكم العثماني، والاستيلاء على قائمقامية (إعزاز) لأن القائمقام هرب خوفاً من الحكومة العربية كما يسيطر الثوار على قصر الباشا ويتصرفون بأخلاقية عالية ويتم زواج عكاش بثريا هانم التي أخذ المسلسل اسمه منها.
2 – تستلم الحركة الوطنية البلد، في ظروف تعود الثقة فيها بالكماليين ضد الفرنسيين فيستعيد الباشا نفوذه وتخبأ الأسلحة عنده، ويعود لاستغلال الفلاحين وظلمهم، ويعمل جاهداً للانتقام من الثوار عكاش زوج ابنته التي تزوجته رغماً عنه ونديم صديقه ويدبر خطة لسجن الاثنين ومحاولة قتلهم بحجة أنهم أرادوا قتله، ويكون قصره محروساً من القوات الوطنية بصفته حليفاً لها ضد فرنسا.
3 – تعرض بدقة وتفصيل أكبر العلاقات بين الوطنيين في حلب وبين الكماليين تحت شعار اتحاد الأمتين ضد الاستعمار الفرنسي، لكنهما سرعان ما تنقشع وتبدو هشاشتها حين عقدت تركيا هدنة مع فرنسا وأوقفت المدد بالسلاح للثوار هنانو وصالح العلي وبدأ الخلاف يشتد في صف الوطنيين بين مكذب للأخبار ومع الحزب الكمالي وبين مصدق من خلال الأخبار الموثقة.
4 – ناظم بيك هو الشخصية السياسية الوسط الذي يمثل الشعور الوطني الواعي مع أن أصوله تركية وهو أخو زوجة الباشا، وعندما رأت السلطة الوطنية التي يمثلها القائمقام شافع أبو ريشة استغل الباشا نفوذه ضد الفلاحين العزل والأبرياء. سحبت قوة الدرك التي تحرس قصره وتتحدث الأخبار خلال فترة الهدنة بين تركيا وفرنسا إلى أن الفرنسيين سحبوا 5000 جندي من كليكيا وبعثوا بها للساحل السوري تمهيداً لغزو سورية بعد استلام غورو مندوباً سامياً لفرنسا.
5 – نقاش في النادي العربي الذي يضم الوطنيين الكماليين مع سفراء الدول الأجنبية: الإنكليزي والأمريكي... الذين يدافعون عن حق فرنسا في الانتداب لترقية الشعب السوري ولولا فرنسا لسقطت حلب وسورية بيد الكماليين والبلاشفة، كما تتنامى الأخبار عن الجيش السوري برئاسة يوسف العظمة الذي يستعد لمواجهة الاحتلال الفرنسي، ونظراً للخطابات الحماسية في النادي العربي فتقوم القوات الفرنسية بإغلاقه، وتتضارب الأخبار عن الحكومة التركية بعد انتهاء هدنتها مع فرنسا بأنها عادت لتمد الثوار بالسلاح.
6 – يحضر إلى حلب ضابط فرنسي برتبة نقيب (الكابتن لويس) وهو صديق عاصم ابن الباشا الذي يدرس المحاماة في فرنسا ويحاول التقرب من ناظم بيك خال عاصم، لكن ناظم يواجهه بأنه جاء مستعمراً لسورية، وأين الحقوق التي كان يدرسها مع عاصم وأين الاستعمار من حقوق الإنسان. يقوم الفرنسيون باعتقال شافع أبو ريشة قائمقام (إعزاز) الذي يساند الحركة الوطنية ويستدعي عكاش ونديم اللذين سجنهما الباشا بتهمة التحريض والعمل على قتله فيوليهما ثقته ويعطيهما السلاح ويدعوهما إلى أن يعودا للعمل الوطني والثورة ضد القوات الفرنسية.
7 – يفاجأ الباشا بعودة عكاش ونديم ومعهما البواريد والسلاح فيجن جنونه ويقول إنهما سيعودان كعصابة لقطع الطرق، ويهددان حياته وأمنه، لكن الكابتن لويس الذي استلم قيادة القوات الفرنسية في إعزاز وصار مكان القائمقام شافع، يأتي ليزور الباشا ويبلغه تحيات ابنه عاصم. ويسلمه رسالة منه فيهتبلها الباشا فرصة ليضع يده بيد الفرنسيين ويطلب الحماية، فتأتيه قوات الدرك الفرنسيين لحماية القصر وهكذا يتقلب الباشا بين الحماية العثمانية ثم الحماية الوطنية ثم الحماية الفرنسية.
8 – لكن ابنته تقف ضده وتسعى جاهدة لتتملك الأراضي متحدية أباها، وتستطيع بقوة شخصيتها أن تضغط على عكاش وتحول بينه وبين الالتحاق بالثوار الوطنيين في منطقة إعزاز بينما يمضي نديم معهم بعد وفاة زوجته الأرمنية التي حضرت مذبحة الأرمن، وشهدت قتل أهلها أمام عينيها، وبقيت الكوابيس تلاحقها من هذه المناظر الفظيعة حتى ماتت كمداً وأرقاً لأنها لم تعد تستطيع النوم خوفاً ورعباً من تلك المناظر.
9 – الحرب تنتهي بين الأتراك والفرنسيين والأتراك يتخلون عن الثوار ويقوم الوطنيون في حلب على جمع التبرعات للثوار بالاعتماد على الذات، ولا تجدي لقاءات الحزب الكمالي والعربي في حلب بينما يكون دور ناظم بيك المحامي هو المرافعة في المحاكم العسكرية الفرنسية دفاعاً عن الوطنيين المظلومين والثوار المتنقلين، وتتوتر العلاقة بينه وبين الكابتن لويس الذي ينزعج من مرافعات ناظم بيك وسخريته بالفرنسيين الذين ينادون بحقوق الإنسان ويستصدر قراراً بمنعه من المرافعة في المحاكم العسكرية.
10 – خان إستانبول في حلب يتحول إلى سجن وهو لا يصلح زريبة للحيوانات، وجميع السجناء يستغيثون به لكنه غدا عاجزاً عن العمل بعد منعه من المرافعة، فاستدعى شاباً وطنياً أصبح يدرب ويعمل معه ليقوم بهذه المهمة وهو خريج السوربون، في الوقت الذي تصل أخبار هنانو باعتقاله من الإنكليز وتسليمه للفرنسيين وتحدي الكابتن لويس لناظم بيك أنهم سيقتلون هنانو، ويهزمون الثوار.
11 – مظاهرات كبرى تقوم في حلب من أجل إبراهيم هنانو ويعتقل ناظم بيك وزملاؤه الوطنيون بتهمة التحريض على الثورة ضد الفرنسيين ويعيشون بين صفوف المظلومين والثوار المسجونين المحكومين بالإعدام لكن القاضي الفرنسي يبرئ هنانو وفي هذه الأثناء يأتي بكري أحد الثوار السوريين ويزور الشيخ. أحد زعماء العشائر الكبار، ويتفق مع أولاده على حرق سراي إعزاز، وينجحون بذلك حيث يُقتل حوالي 27 فرنسياً ويجرح ستون، وتقوم قيامة الكابتن لويس ويستدعي الشيخ ويقف الشيخ بصلابة وحزم أمامه، ويغادر القاعة تحدياً للويس فيستصدرون حكماً بإعدام أولاده، وكان الشيخ عظيماً في صلابته وعبادته ومواقفه فيدخل على نسائه ويمنعهن من البكاء ويفخر بما قام به أولاده ويكون زوج ابنته هو المحامي الذي يدربه ناظم بيك على المرافعة.
12 – بعد أن أطلق سراح هنانو رأى الكابتن لويس أن لا معنى لسجن ناظم بيك وزملائه طالما أن النضال السياسي مسموح به، ويقوم ناظم وزملاؤه بإخراج جريدة وطنية يقومون بتحريرها يكون لها دور كبير في تهييج الشعور الوطني واسمها التشبث.
تتسارع الأخبار عن أن سلطان باشا الأطرش أعلن ثورته في الجنوب وامتدت الثورة إلى دمشق فيحاول ناظم بيك وزملاؤه إحياء الثورة في حلب وإعزاز من جديد والتي انتهت بعد حرق سراي إعزاز لكن خوف الناس وقلة الموارد وقلة السلاح لا تعين على ذلك، وهو الهدف الذي خطط الوطنيون من أجله وهو اللقاء بين ثورة الشمال وثورة الجنوب.
13 – الفرنسيون يقصفون دمشق، ويستعملون الإرهاب لملاحقة الثوار ومن يمدهم، ويعتقل الوطنيون: فارس الخوري، وعبد الرحمن الشهبندر، ويعاد اعتقال ناظم بيك ويستمر سنتين في السجن، وبعد أن اطمأنت فرنسا إلى إخماد الثورة، رفعت الأحكام العرفية وأصدرت العفو عن جميع السجناء ومنهم ناظم بيك وإخوانه ومنهم أولاد الشيخ الذين أحرقوا السراي وحكم عليهم بالإعدام، وقائد ثورة إعزاز.
14 – وينتهي المسلسل دون نهاية، حيث يتجه ناظم بيك لزيارة الباشا وزيارة عكاش، ويبدأ بالتفكير بمستقبله وأرضه وزواجه، ويتحدث عن أخطاء الثورة وبعض سلبيات الوطنيين ويدعو إلى إعادة الكفاح المسلح والعمل ضد الفرنسيين حتى لا يبقى في سورية منهم أحد، ويتحقق الاستقلال التام.
وقد حرصنا على الحديث عن هذا الجانب من مسلسل الثريا لأن المسلسلات السابقة لم تعرض أبداً للعمل الوطني في حلب ورجالاته، وبذلك تكتمل الصورة عن هذه المرحلة، والملاحظ أن مسلسل الثريا بعيد عن أي تحيز ضد الإسلام أو معه، ويعرض الواقع بأمانة كاملة، وكانت آخر كلمات ناظم بيك: الفرنسيون أخمدوا الثورة في الجنوب وفي الشمال، وما استطعنا أن نعمل شيئاً. نحن صدقنا الحلفاء واعتمدنا عليهم في تحرير بلادنا، الحكومة الكمالية خانتنا، الثورة لا تموت 4 و5 و100 لابد من العمل حتى تحقيق الاستقلال.
الملاحظة الثانية:
شيء جميل أن لا ينسوا المشاركة الإسلامية بالثورة والقضية الوطنية من خلال شخصية الشيخ كامل القصاب، لكن عرض الشيخ بهذه الصورة هو عرض يهين الإسلام أكثر مما يحسن إليه، فالشيخ انفعالي عاطفي، ليس له رأي مستقل. إمّعة يتبع رأي الآخرين ليس أساسياً في الحركة الوطنية، لا في التخطيط ولا في التنفيذ، يستفيدون منه عند الرغبة في إثارة الجماهير، بينما العقلاء والمخططون القادة هم الوطنيون الأحرار الذين يريدون هدم الحواجز بين الأديان وبين الرجل والمرأة، ومن مواصفاته كذلك ضيق أفقه، فهو لا يقبل النقاش أبداً في استيراد السلاح من البلشفيك الكفار، وكأن الإنكليز والافرنسيين ليسوا كذلك، وهو يحتقر المرأة فعندما وقفت زوجة الشهبندر تتكلم، قال مزدرياً لها: لم يعد إلا الحريم يعلمونا، وعندما ردت عليه فليس عنده حجة، إنما يخرج غاضباً مقاطعاً الاجتماع.
ترى هل كان الشيخ كامل القصاب بهذه الصورة؟ وهل هذا دوره في الثورة والنضال الوطني؟ وهل هو الوحيد الذي كان شريكاً في هذا النضال؟
أسئلة إجاباتها تغاير الواقع، وسأكتفي بعرض شيء من سيرة الشيخ القصاب فقط، ودوره في النضال الوطني.
محمد كامل القصاب 1290 هـ- 1373 هـ - 1873 – 1954م رئيس جمعية علماء الشام، أحد زعماء الحركة الوطنية، العالم المربي.. كان ذا عمل دؤوب، عرف في حال صباه بالفتوة والمروءة والغيرة على أهل حيه، كريم الأخلاق، ناصح الرأي، براً بأصدقائه، معرضاً عن أعدائه، عزيز النفس جداً، لا يألو جهده فيما فيه صلاح أمته، دائم التفكير بها.
أبرز ما في صفحات نضاله في سبيل رفعة شأن الوطن، وسعيه في مجال نشر العلم والثقافة، فبعد عودته من الأزهر رأى الدولة العثمانية تنهار، فأسس مع عبد الغني العريسي وتوفيق البساط ورشدي الشمعة.. وغيرهم من رجالات العرب (جمعية العربية الفتاة) السرية. انتدبه الوطنيون للسفر إلى مصر والاجتماع بأقطاب اللامركزية كالشيخ رشيد رضا ورفيق العظم وغيرهما.. وبعد وصوله إلى دمشق بشهر واحد قبض عليه الأتراك، وأرسلوه إلى عاليه حيث سجن أربعين يوماً.. ثم حاكمه جمال باشا بنفسه.. وبعد قيام الثورة العربية انتقل إلى مصر لأن العمل السياسي فيها أرحب، وأسس هناك حزب الاتحاد السوري... وبعد الحرب عاد إلى دمشق وأسس فيها (اللجنة الوطنية العليا) للدفاع عن حقوق البلاد.. ولما دخل الفرنسيون سورية حكموا عليه بالإعدام غيابياً – كما حكم عليه الأتراك من قبل، فهرب إلى حيفا ورحب به أهلها... وفي سنة 1356 هـ -1937م عاد إلى دمشق بعد صدور العفو العام.. فأسس (جمعية العلماء) التي نالت تصريحاً رسمياً من وزارة الداخلية في تشرين الثاني 1937. ومهمتها دفع ما تعرض له الإسلام من إلحاد وإفساد ومقاومة، وكانت تحت رئاسته سنة... وكان للجمعية مواقف عظيمة إيجابية مؤثرة منها، إلغاء قانون الطوارئ الذي وضعه الفرنسيون والذي رآه العلماء يخالف الإسلام، ويحل عرى الوفاق والإخاء بين المسلمين وغيرهم من الطوائف. فأرسلت الجمعية احتجاجاً شديد اللهجة إلى رئيس الجمهورية، والمجلس النيابي، والوزراء، والمفوض السامي، وجمعية الأمم، ولجنة الانتدابات، ووزير الخارجية الفرنسي، وأثر الاحتجاج في الأوساط السياسية فسقطت حكومة جميل مردم بسبب توقيعه على القانون عام 1939.
كان إلى جانب أعماله هذه تاجراً أسس شركة تجارية في مصر، جريئاً في المضاربة بأمواله. وله عقارات في حيفا استولى عليها الاحتلال.
ترك من المؤلفات كتابين: ذكرى موقعة حطين (بالاشتراك)، والنقد والبيان في دفع أوهام خيزران بالاشتراك مع القائد الشهيد الشيخ عز الدين القسام.
أصابه مرض في المثانة في أخريات حياته فلزم داره مدة طويلة، ثم شفي، وما لبث أن ألم به عارض في دماغه لم يمهله سوى ثلاثين ساعة فتوفي يوم السبت 1373هـ -1954م وصادف يوم وفاته اضطرابات لعلع فيها الرصاص في سماء مدينة دمشق زمن الرئيس أديب الشيشكلي فدفنوه في قبر والده بمقبرة الباب الصغير بجوار مقام الصحابي الجليل بلال الحبشي)
علماء دمشق في القرن الرابع عشر لـ. محمد مطيع الحافظ، ج2 ص 657 -667 مقتطفات.