الخوالي

الخوالي

د. منير الشامي

مسلسل سوري. يخرجه: بسام الملا.

والإعداد الدرامي فيه لـ: نجاح المرادي

يتناول دراسته المجتمع الدمشقي نموذجاً للمجتمع السوري في أواخر العهد العثماني.  ويضاف هذا المسلسل إلى الخوالد من المسلسلات. حيث قدم وضعاً أميناً ودقيقاً لهذا المجتمع في هذه المرحلة بعيداً عن أي تأثيرات أو أفكار مسبقة. يعرض المجتمع على حقيقته دون خضوع لتقريرات محددة وأراء مفروضة.

واستطاع هذا المسلسل أن يقدم عرضاً أميناً للقيم التي كانت تحكم هذا المجتمع والحفاظ على العهود والمواثيق من فريق الخيرين فيه. كما قدم بالمقابل صورة الشريرين المتسلطين والمتنفذين وكيف تخلوا عن كل القيم في سبيل مصالحهم وملذاتهم ومطامعهم.

واختار الحدث الرئيسي للمسلسل في أن يكون الحج. وقدَّم صوراً تاريخية وثائقية عن أهمية هذا النسك في الأمة، ومدى اهتمام المسلمين فيه. بكل عاداته وتقاليده الراسخة الثابتة في أعماق هذا المجتمع.

ونمضي على الخط نفسه في عرض المسلسل أولاً ثم تقويمه بعد ذلك.

أبو هاشم الشخصية الرئيسية في المسلسل وهو رمز الخير والخيرين فيه. له أربع بنات. وكان يحلم بصبي وجاءه هاشم. فنذر لله عز وجل إن عاش هذا الصبي حتى يبلغ سبع سنين أن يحج ماشياً على قدميه ويأخذه للحج معه.

بينما يقابل أبا هاشم رئيس المخفر الذي يمثل السلطة القمعية. ويمثل الشر والشريرين. ابتدأ حياته بتلفيق تهمة لخيرة شباب القرية صياح الذي يعمل أجيراً في الفرن بالسرقة فيساق إلى المخفر. ويعذب عذاباً شديداً هناك. فيفر من القرية مقرراً الانتقام من رئيس المخفر. بينما يستغل رئيس المخفر هذه الحوادث لرفع ثمن الخبز والتضييق على أهل الشاغور. ويقنع الحكمدار وهو بمثابة نائب الوالي في هذه الجرائم فيقره عليها. ويتدخل نصار في رفع الظلم عن يتيمٍ يضرب ويهان فيساق للسجن، ويلقى العذاب الذي لقيه صياح. فيخرج وينضم إليه. ويقرر أن ينتقم من رئيس المخفر. فيستغل دعوته عند أبي هاشم ويطلق النار عليه. فلا يصيبه، ويصيب هاشم. وكاد هاشم أن يقتل لولا أن تداركه الله. واستطاع رئيس المخفر من جواسيسه أن يعرف أن الذي أطلق النار هو نصار. وكان يريد قتله. فحقد عليه. واستغل الأمر لإيغار صدر أبي هاشم على نصار. وقد أقدم على قتله لثأر قديم.

فيصعد رئيس المخفر الأحداث ويستجلب فرماناً من الوالي يمنع التجول. لأهل الشاغور حتى يحضروا نصاراً، ويعلن أبو هاشم أنه أسقط حقه. حيث قاموا بجلب خال نصار أبي صلحي وتعذيبه أشد العذاب ليحضر نصاراً أو يعلم بمكانه، وتنجح وساطة أبي هاشم، فيخرج أبو صلحي. ويبدأ الناس بالاستعداد للمسير إلى الحج. لكن أم نصار تعتذر لعدم وجود ابنها معها. ونشهد مركب الحج. والاهتمام الحافل به. وكيف أن عرس الشام في مثل هذه المواسم. ويقوم نصار سراً بزيارة أبي هاشم، ويعلن الحقيقة. فيثق أبو هاشم به. ويعده بتزويج ابنته له بعد العودة من الحج قائلاً له: بتعتبر حالك من الآن صهري.

المرحلة الثانية

تتطور الأمور. ويدخل عرفة أجيراً اللحام أبي حرب على الخط. ويُكشف أمره بأنه يعرف مكان نصار وصياح ليقوم أول صدام بين الشرطة وبينهما وينتهي بمقتل صياح. وقتل بعض جنود المخفر ثم تكبر القضية. ويوعز رئيس المخفر بإطلاق النار على الوالي من أحد جواسيسه ثم يقنعه بأن نصار هو الذي أطلق النار ليستصدر حكماً بالإعدام عليه. ويمتد نفوذ نصار في القرى حيث يصل إلى دوما لعند أحد وجهائها الكبار أبي جواد. ويمضي جواد متنكراً قبل عرسه بيومين ليسأل عن أم نصار ويبلغها تحيات ابنها. فيقبض عليه. ومن هنا تتعقد القضية أكثر بأكثر باعتقال جواد ويصبح إنقاذه هدفاً رئيسياً لنصار.

ويزداد ظلم رئيس المخفر والحكمدار معه والوالي فيمنعون القوت عن الناس. فيقوم نصار بمن انضم معه بمهاجمة قافلة القمح التي يحرسها رئيس المخفر. فيستولي على ما فيها. وكاد أن يقتل رئيس المخفر الذي ساقه طَلْبَة (أحد المتحمسين مع نصار) له ليقتله بنفسه. غير أن طلبة يقتل ويفر رئيس المخفر. وتصل القضية إلى الوالي بأن القمح قد أخذه نصار. بعد أن كانوا يريدون استغلال قوات الناس. والتحكم في أرزاقهم.

لكن نصار استطاع بالتعاون مع أبي جواد من دوما وأبي علي أن يدخلوا القمح في المخدات إلى البيوت. وارتبطت مشاعر الناس بنصار الذي أصبح رمزاً لأهل الشاغور، وحبيباً لهم رجالاً ونساءً. بينما ازداد كيد رئيس المخفر، والحكمدار. وحاولوا الانتقام منهم. فخال نصار يساق للسجن، ويعذب أشد تعذيب. وتم مهاجمة المخفر من نصار ويحاول إنقاذ خاله دون جدوى. ويقسم نصار أن لا يرى أمه حتى ينقذ جواد الذي أسر وعذب بسببه ويعود إلى أمه فتراه. وأثناء هذه التطورات يتابع الحج. وأهم ما تم فيه هو تعرض قافلة الحج للخطر والموت عطشاً، حيث يكاد يموت هاشم. وقد أنقذه بقارورة ماء من أخته الصغيرة، ونقل مشاعر الحجاج وأسوأ ما في الأمر أن رئيس المخفر استغل غياب أبي هاشم بعد أن عرف أن طلبة كان مع نصار. وهو الذي كان يعمل في حانوت أبي هاشم. فيحرقون حانوته، وتقوم ابنة أبي هاشم بضرب أحد الشرطة وجرحهم، وقام الشرطي المضروب برد الإهانة وضرب ابنة أبي هاشم خطيبة نصار، لقد غدا نصار رئيساً لعصابة كبيرة تنتقم من ظلم الشرطة وجور السلطان، وتتم عملية استدراج اثنين من الشرطة وأسرهم، وهم الذين كانوا يسيئون للسجناء ويتحدون مشاعر الناس، ويمضي بهم إلى قاعدة نصار، حيث يقومون باستجوابهم للتعرف على مكان وجود جواد وهل قتل أم لا يزال حياً. فيعرفون منهم عن حياته وانتقاله إلى الحكمدارية. ثم يقتل الشرطيان ثأراً لمقتل خال نصار تحت التعذيب عندهم.

المرحلة الأخيرة

حيث تصل الأحداث إلى الذروة.

الحجاج يقضون مناسكهم، ويتجهون بالعودة إلى بلادهم، ونصار يحاول الوصول إلى مكان وجود جواد في الحكمدارية عن طريق سائق الحكمدار الذي يأخذ معه كلبته قبل، ويدخل إلى السجن ويتأكد من انتقال جواد من سجن الحكمدارية. أما عمران فيعرف أن المستودعات مكدسة بكل أنواع الحبوب ولا يطعمون الشعب شيئاً، ويصل الخبر إلى نصار، وأن هناك سجن خلف المستودعات، فيخطط نصار وعمران للدخول إلى هذا السجن. حيث أن عمران يتمكن من سرقة الختم للحكمدار ويزور ورقة باسمه يطلب فيها أخذ الحبوب للحجاج، في هذا الوقت تتوارد الأخبار عن سيل كبير في بصرى، وتاه الحجاج وغرقت أرزاقهم، ويطلبون المدد من الشام، فيبعثون لهم بالمعونة، ويكون في بيت أبي هاشم قلق كبير على الحجاج.

وحين يصل الحجاج إلى الشام، يخرج أبو حسني خال أولاد أبي هاشم وأخته أم هاشم، وتكون أم هاشم قد رزقت بولد في غياب زوجها وأسمته جاسم جاء في الشهر الثامن، وتكون المفاجأة اللقاء. حيث يصل الحجاج جميعاً وليس فيهم أبو هاشم ولا ولده ولا إمام المسجد. فيعيشون بأصعب الحالات إلى أن يلوح من بعيد قافلة حجاج تائهة عن الركب الرسمي، وكان فيها حجاج الشاغور أبو هاشم والإمام وغيرهم وابن أبو حسني، يحث يطلع أبو هاشم بعد وصوله على كل ما جرى في بيته من فاقة وبؤس، وعن استفحال أمر نصار، والحكم عليه بالإعدام، وعن بطولات نصار وإيصاله القمح لأهل الحي والقضاء على الذين يؤذونهم ويذلونهم.

في هذه الأثناء يكون نصار ومجموعته قد وصلوا إلى المستودعات، ودخلوا السجن ووجدوا جواد فألبسوه ثياب أحد الشرطة الذي قتلوه. ويخرج جواد مع المجموعة. ويمضي إلى أهله بينما يصل بعد خروجهم طلب رسمي من الحكمدار مجموعة من الشرطة بعثها عنده، فيقبض على نصار داخل المستودعات، بينما يطلق النار على عمران، ويتظاهر بالموت، ثم ينسحب ليمضي إلى عصابة نصار ويخبرهم باعتقال نصار ويموت عندهم، وحين يبدأ عرس جواد وبعد وصوله بيومين إلى أهله ينتشر خبر اعتقال نصار، فيسارع رئيس المخفر باستصدار أمر بتنفيذ حكم الإعدام قبل أن يعلم الناس بأمره وينتشر خبره، ويعلن هذا على مئذنة المسجد، لكن الأخبار انتشرت في كل أنحاء الشام وغوطتها، واستطاع شباب عصابة نصار الاستنجاد بقراهم في جرمانا وغيرها، ويصل الخبر أبا جواد، فيتحرك بشباب أهل دوما، كما يقوم أبو هاشم بقيادة أهل الشاغور جميعاً ليشهدوا إعدام نصار.

وعند النطق بالحكم بالإعدام يكون المجاهدون قد وصلوا فيطلقون النار على حبال المشنقة، ويسقط نصار حياً، بعد أن حسبوه ميتاً، ثم يعيش حتى يشهد دخول الفرنسيين، ويستشهد في المعارك معهم بعد أن تزوج بنت أبي هاشم، وانجب منها أولاد وبنات، ويسدل الستار على أكبر عصابة حاربت الظلم والظالمين في أخر العهد العثماني.

القيم الخالدة في مسلسل الخوالي

فليست الأحداث معقدة ومتشابكة، لكنها متسلسلة ومثيرة، والممثلون نجحوا في أداء أدوارهم وجذب الجمهور للمسلسل الذي ارتبطت قلوب الناس به، لكن الذي يعنينا من هذا المسلسل نجاحه، أو إخفاقه - مع الاعتراف بقيمته الفنية العالية. وإخراجه الرائع - هو ما يريد المؤلف والمخرج أن يزرع من قيم في ضمير الأمة، ويعرفهم عليها عن طريق التمثيل، لا عن طريق الوعظ المباشر.

ولا أبالغ إذا قلت، أن مسلسل الخوالي هو مسلسل القيم الخالدة في المسلسلات السورية، والذي ينتظم مع مسلسل أيام شامية للمخرج نفسه، لكن هذا المسلسل كان أوسع أفقاً وأبعد مدىً من ذلك المسلسل.

1 - محاربة الظلم

وهو هدف رئيسي إن لم نقل إنه الهدف الرئيسي للمسلسل نفسه حيث يعرض صفحات ناصعة من تاريخ دمشق في مقاومة الحكام الظلمة في هذا العهد، لكن الموضوعية المتناهية فيه أنه لا يعرضه من وجهة نظر قومية بحيث يثير الأحقاد بين العرب والأتراك، بل يعرضه من وجه نظر إسلامية، فالظلم ظلم سواء صدر من العرب أو العثمانيين. ولم يكن طغيان الوالي التركي بأكثر من طغيان الحكمدار العربي، ورئيس المخفر العربي الذين كانا هم أساس هذا الظلم وركيزته، وأحقادهم ومطامعهم حيث ساقوا أهل الشاغور جميعاً للسجون وأنزلوا بهم التعذيب المبرح، وقطعوا عنهم الأقوات ومنعوا الناس من الدخول والخروج، واعتدوا على الحرمات، وساقوا النساء إلى السجون، وقد مثل نصار، ومن قبله صياح جذوة المقاومة للظلم والخروج من أسر البلد ليتحركوا في غوطة دمشق ينشرون في الناس روح الثورة، ويقومون بإحياء روح المقاومة في نفوس الناس فمن أقوالهم:

التربة (أي القبور) أحسن من العيشة في يد الظُلاَّم، الشاغور طول عمره حرة.

ومن أقوال نصار: سلم حالي للكركون انساها، ما أوافق على تسليم حالي طالماً فيَّ نفس يصعد وينزل، حتى أن الطفل رضا اليتيم الأب والأم ينضم للثورة، ويرفض العودة ذليلاً إلى الحي، إلا في مهمات يوصل الأخبار وينقلها، وللحفاظ على حياة نصار ينقذه من أن يقع في يد الشرطة، فيقتل، وأبو جواد يُعَيرِّو ابنيه الصغيرين قائلاً لهما: لو كنتم رجال عالصحيح ما بتخلوا يمشي ولا خطوة (أي نصار) إلا وأنتم معه، أنا ما ربيت هيك شباب، أولادي الاثنين من بيوتهم، يرفضون التعاون مع السلطة ضد نصار.

وجميعهم يحقدون على أبي جمعة المختار وعامله لأنهم جواسيس للسلطة الحاكمة، حتى النساء يرفضون قبول الظلم ويدعون لنصار.

2 - الوفاء بالعهد

وهذه من أهم السمات البارزة في المسلسل، فقد ابتدأت الرواية بعهد أبي هاشم أن يحج ماشياً شكراً لله على هبته هاشم له، وأن بأخذه معه إلى الحج عندما يبلغ سبع سنين، ورغم تعرض ولده هاشم للقتل، فما غير عهده، ولا ثنى عزيمته، وحمداً لله على نجاته، ومضى به إلى الحج، وتبدو عظمة خُلُقه في وفائه بالعهد حين أصيبت إصبع رجله وقطعت، وصار المشي صعباً عليه، وتدخل حتى الباشا أمير الحج يدعوه إلى الركوب لكنه يذكره عهده مع ربه ويقول:

(ورب العزة، اللي وهبني العزة، واللي رفع الكعبة، واللي أعطانا النظر والسمع، ورب الكرسي والعرش، والي رزقني هاشم لو تقطع ما بركب، وعدت رب العالمين، بدي أوفي بعهدي، واللي ما بيوفي بوعده بكون خاين). وتحمل كل آلام الطريق لينفذ العهد الذي قطعه على نفسه مع ربه أن يحج ماشياً.

وذاك عهد نصار الذي بلغ قمة المثالية كذلك، أن يُحرِّم على نفسه رؤية أمه حتى ترى أم جواد ابنها، وتبلغ ذروة المثالية أن تأتي أمه لتراه، فيدير لها ظهره، ويضع يديه على عينيه ويقول لها عهد الله، وتحاول أن تستثير كل عواطفه وتبكي مر البكاء لتمسه وتعانقه، ويعلمها بعهد الله ويبكي، وتمضي أمه ولا يخون عهده، ولا ينظر إلى أمه قبل أن تنظر أم جواد إلى ابنها الذي سجن بسببه، وذاك أبو صلحي خال نصار الذي يشرف على الموت، ويرفض أن يتعرف على مكان نصار. ويعلن للدنيا أنه رجل له كلمته وعهده، ويموت بعد أن يبصق في وجه الشرطي، ويفضل الموت على الخيانة بالعهد.

ورضا ذلك الطفل الذي عاهد الله على الانضمام لنصار، وحاولوا معه كل المحاولات في ثنيه عن الالتحاق بالمجاهدين، ولكن رفض وعرض نفسه للموت، وقتل لإنقاذ نصار من الموت.

3 - خُلقُ الرجال

وذلك من خلال تضحيات أبي علي، وتعرضه للخطر عدة مرات، واستقباله لنصار وإخوانه لكن قمة الرجولة قد برزت عند أبي جواد الذي قيل له أن الطريق الوحيد لإنقاذ ابنك هو إعلام الناس بمكان وجود نصار، وسيكون ابنك عندك، وبدت عوامل الصراع النفسي فلا شيء أغلى عنده من ابنه جواد، ولكن هل يخون العهد ويخون الأمانة، ويعلم السلطة بنصار ومكان وجوده أو أن يقنع نصار بتسليم نفسه، وراح يقول:

لو كان نفس ومال ودم، وأرض لفديت جواد، الحل على كتافي، أصير نذل، صعب كتير، الاثنين ولادي، نصار وجواد، أفدي واحداً بالثاني مستحيل، لا حول ولا قوة إلا بالله، مع أن نصار عرض تسليم نفسه لإنقاذ جواد، فرفض أبو جواد ذلك، ورضي أن يعرض نفسه للموت لإنقاذ جواد، وفعلاً اعتقل بعد إنقاذه وسيق للمشنقة في سبيل ذلك، وطلبه يعرض نفسه للموت وعمران كذلك من أجل البحث عن جواد.

4 - التدين

فالمجتمع كله مجتمع متدين، جميعهم يؤيدون الصلاة، ويبتعدون عن الحرام والسرقة، وإمام المسجد الرئيسي من وجوه القوم ويشارك في حل مشاكل الناس، ويعتبر هو وأبو هاشم الشخصيتان الرئيسيتان في الشاغور، وحتى نائب إمام المسجد تبدو عواطفه صادقة مع أهل بلده، وعندما يصعد إلى المئذنة ليلقي فرمان الحكم بالإعدام على المجرم نصار، لم يتمالك نفسه أن يقول البطل نصار، ويبتعدون عن الحرام، ويفتتحون نهارهم بصلاة الفجر وبذكر الله، وإذا نزلت بهم مصيبة فلا ملجأ لهم إلا الله، يثقون بأن الله هو الرزاق وهو المعطي وهو المانع، فكرهم ينطلق كله من كتاب الله، هو ملجؤهم حين تشتد عليهم الأزمات ويستحيل أن يقسموا قسماً على كتاب الله كذباً ولو بقطع أعناقهم، فأبو جواد لزوجه: خلي شكوتك لربك.

بنت أم هاشم: لا تنسي يامو العبد بالتفكير والرب بالتدبير.

هاشم: بدي روح لعند الرسول، أنا بحبو كتير.

عبد الرحمن باشا أمير الحج: تكرموا الحجاج من أموالي الخاصة حتى يرجعوا.

نصرت تدعو ربها: (وهي خطيبة جواد) تدعو ربها يعيد لها جواد، حرمها الأب والأم لا تحرمها جواد.

لطفية: من يوم يومي حاطة عيني بعين رب العالمين لا تبكي عالميت ما بجوزه الفاتحة بس، أبو هاشم: منهون ليخلصوا الخبزات ما بيخلص الرزق من عند رب العالمين.

هاشم الصغير: أنا عم اذكر أهلي وأبكي عند الرسول واحد بفش ألبو، الحجاج يتجهون إلى ربهم:

يا ذا العطاء يا ذا الوفاء، اسق العطاش تكرماً يا ذا الرجا يا ذا السما، وعندما يحملون الشهيد: لا إله إلا الله، والشهيد حبيب الله، رضا الشهيد الصغير يقول:

شايف الدنيا بيضة، خضار، خضار، أم نصار: ناشدتك بالأولياء والصالحين بيد شوف نصار، نصار عندما يقع في السجن يكون طلبه الوحيد مصحف، ويتوضأ ويصلي لله ركعتين، من أهازيج الحجاج: يا طير وين نـروح، لكامل الأنوار، نحو المدينة ساري، والمدينة يـاروحي، إنت دوا لجروحي.

5 - الشرف

شرف المرأة عند العرب والمسلمين هو أغلى ما يحافظون عليه، والمجتمع الذي يعرضونه مجتمع محافظ لا يزال غطاء الوجه هو رمز هذا الشرف، ولا يجوز لأحد أن يرى وجه فتاة أو حتى خطيبته فهذا أبو هاشم يقول لزوجه:

الناس معادن بتبين عند الشدائد، إنت أخت رجال برأبتك أربع بنات ودكان، وأهل الحي جميعاً يقفون بوجه الضابطية حتى لا يمسوا بنات أبي هاشم بسوء، مع أنها ضربت الشرطي وأدمته، أم نصار تؤخذ إلى السجن، فتخرج الشاغور كلها وتهدد المخفر حتى يخرجوها، ونصار يقتل الشرطي الذي صفع لطفية على وجهها، وتبلغ ذروة هذا الاهتمام، وقد صعد على حبل المشنقة، ورأى أهل الشاغور يقدمون الأهازيج فخراً بنصار، ويضطرون للرفع عن وجوههم فيرى نصار خطيبته، وقد رفعت عن وجهها لتشارك في الأهازيج فيشير إليها بعينه، وهو مقدم على موته فتغطي وجهها وتتابع الأهازيج، والنساء بعيدات عن الاختلاط لهن عالمهن الخاص، وسعادتهن وأفراحهن وأتراحهن، ويجتمعن على الصمدية، وعلى قراءة القرآن الكريم.

وقد رأينا بنت الإمام في الحج، كيف تم عقد قرانها من الشاب الشيشاني، وكيف تم طلبها من أبيها عن طريق أبي هاشم، ولولا أنها محرمة للحج لما رأى الشاب وجهها، وإذا اقتضى الأمر أن يكن مقاتلات أو رسولات في أخطر اللحظات، فهن كذلك، فقد قمن بجر شرطيين وربطهما بالحبال، كما كن يتحركن في أثناء منع التجول بإيصال التعليمات وتعريض أنفسهن للخطر, والموت في سبيل الله، وتبلغ جرأتهن في مواجهة الضابطية وتحديهن لها، وفي إعلان كلمة الحق، وفي صبرهن على المصائب، وثباتهن على الشدائد، وهن أحلام الشباب، فطلبة وصياح يحلمان بخطوبة ابنتي أبي هاشم، وجواد يحلم بيوم زواجه من ابنة عمه نصرت.

6 - الصراع بين الخير والشر

ويبقى المسلسل في النهاية صراعاً بين الخير والشر، لكنه الخير المنطلق من الإسلام، والشر المنطلق من الهوى، فالرموز الكبرى فيه أبو هاشم، صياح، نصار، أبو صلحي، أبو حرب، شباب نصار، ومن ورائهم عامة أبناء الشام وضواحيها وغوطتها هم الخير، ومع مقارعة الظلم ومع الحافظ على القيم الإسلامية والشرف والرجولة والمروءة.

وتبقى رموز الشر بالمقابل والتي تمثلت في السلطة الحاكمة وعلى رأسها رئيس المخفر والحكمدار والوالي، كل على طريقته الذين يمثلون الحقد، والكراهية والعمل للمصلحة الخاصة على حساب مصلحة الأمة، ومحاولة قتل الخيرين في البلد والقضاء عليهم لتسلم لهم مؤامراتهم السافلة، والاتهامات الباطلة التي يلصقونها بالشرفاء كي يلوثوا سمعتهم، ويقضوا عليهم، وانتصار الخير في النهاية مهما كان الباطل منتفشاً ومتعجرفاً، فلا يحق إلا الحق.

حيث تخرج الأمة عن صمتها، وتتحرك الشام كلها؛ دمشق بأحيائها وغوطتها، بكل فئاتها ودياناتها تتعاطف مع نصار، ولا ينسى المخرج أن يبرز لنا الدروز في جرمانا، والنصارى فيها، الذين تعاطفوا مع أبنائهم المضطهدين الذين نزل بهم ظلم السلطة، وكيف بارك هذه الثورة رهبان النصارى، وعقل الدروز إضافة إلى العنصر الرئيسي المسجد وأبنائه المؤمنين.

7 - وحدة اللحمة الوطنية

وهي من المعاني التي حرص المسلسل على إبرازها دون أن يكون ذلك على حساب عقيدة الأمة، وعادات وتقاليد أكثريتها المسلمة، متفادياً فكرة الصراع الطائفي، وعارضاً القيم التي تلتقي عليها الأمة كلها، هذا الشر والفساد مهما كان مصدره ومهما كان من يمثلونه ومن وراءه. والذي أخلص إليه أن مسلسل الخوالي هو قمة المسلسلات الشامية على الإطلاق، فلم يكن في إخراجه الفني أقل من المسلسلات الأخرى. لكن القمة فيه هو عالم القيم الإسلامية التي طرحها، ويريد أن يربي أبناء الأمة عليها. والشكر العميق لكاتبه ومخرجه وممثليه، وإلى المزيد من هذه المسلسلات الفنية الهادفة الوطنية القومية الإسلامية المنطلقة من القيم العليا في الأمة. ولا يقاربه في هذا الاتجاه إلا مسلسل أيام شامية، فكلاهما ينبع من معين واحد.