الإفيهات السخيفة

الإفيهات السخيفة والعبث بالسلطان الحائر

حنان مطاوع تؤكد نجوميتها المسرحية وتعلن للجميع ابن الوز عوام

د. كمال يونس

[email protected]

يقدم المسرح الحديث على مسرح ميامى بوسط القاهرة رائعة الكاتب توفيق الحكيم السلطان الحائر بطولة حنان مطاوع مع محمد رياض ، مفيد عاشور، أحمد فتحى ، خالد جمال ، محمود عبد الغفور ، موسيقى وألحان هشام طه ، أشعار مصطفى سليم ،ديكور وملابس د0محمود سامى ، استعراضات د0عاطف عوض، إضاءة وإخراج د0عاصم نجاتى 0

تدور أحداث العرض المسرحى السلطان الحائر حول فكرة الصراع بين القوة والقانون كأداتين من أدوات الحكم ، وقد قال مؤلف المسرحية نفسه محددا الفكرة التي يرمي إليها من تأليف المسرحية: "هذه المسرحية كُتبت في خريف 1959م، عندما كان المؤلف في باريس يشهد فيها ما يجري في عالم اليوم، ووحيها ذلك السؤال الذي يقف عالمنا اليوم أمامه حائراً: هل حل مشكلات العالم هو في الاحتكام إلى السيف أو إلى القانون؟ .. في الالتجاء إلى القوة أو المبدأ"، وإن الذي أوحى له بفكرة هذه المسرحية هو ما شعر به إبان إقامته في باريس من صراع دولي عنيف بين القانون ممثلاً في هيئة الأمم المتحدة، والقوة ممثلة في القنابل الذرية والهيدروجينية وتبدأ الأحداث بالقبض على نخاس أعلن أن السلطان الحالى المنتصر على الأعداء إنما كان عبدا وهو الذى باعه للسلطان سابقه ، فى استفادة من التاريخ والموقف الشهير للقاضى عز الدين بن عبد السلام إبان الحكم المملوكى ، ومابين رأى الوزير فى الاحتكام إلى السيف ، والقاضى فى الاحتكام إلى القانون ، يرى السلطان الاحتكام إلى القانون فيرضى أن يباع فى المزاد لأنه من مقتنيات بيت المال،وحتى يصل من يصل للحكم بقوة القانون الذى يشترط أن يكون الحاكم حرا وليس عبدا ، وليس بقوة السيف الذى يفرض سياسة القوة الغاشمة  ،فإنما يحمى العرش القانون أولا وليس السيف وحده، وهو مايؤكد على الدور الأصيل والأساسى للحاكم فى حماية الشريعة والقانون ، وهو ماعبر عنه القاضى بقوله: والآن فما عليك يا مولاي سوى الاختيار: بين السيف الذي يفرضك، ولكنه يعرضك، وبين القانون الذي يتحداك ولكنه يحميك! .."فالأمة فى حاجة إلى القاضى العدل الذى يقضى بالعدل ويرفع راية العدالة حاجتها إلى قوة الجيش ، إذن الاحتكام للقانون واحترامه فيه الأمن كل الأمن للحاكم والرعية ، وهو سبب من أسباب القوة الحقيقة للأمة، ويبدأ المزاد ومابين مزايدة الخمارليجذب الزبائن لحانته ، والإسكافى كى يكون له مجدا ووضعا اجتماعيا متميزا ، تشتريه الغانية الحسناء وترفض أن تتنازل عن ملكيته لها ، حتى يقضى فى بيتها ليلة واحدة ، يحكم البلاد فى النهار ، ويصير عبدها بالليل ، ليكتشف السلطان أنها ليست عاهرة، وما هي إلا امرأة تحب الأدب والفن،ولكن القاضى والوزير يلجآن إلى الحيلة التى قامت بها سابقا ومنعت بها إعدام النخاس ، وهو العبث بموعد آذان الفجر ، ليقدم الوزير والقاضى موعد الآذان، وهو ما ترفضه الغانية ويرفضه السلطان لما فى تلك الحيلة من عبث بالقانون، على الرغم من كون اللجوء للسيف كان سهلا ليخرس لسان النخاس عن ذكر كون السلطان عبدا ، وإن لم ولن يفلح فى إسكات تهامس الناس بتلك الحقيقة ، ولجؤه للقانون كان لإخراس الألسنة ،وتثبيت دعائم ملكه على أسس من الشرعية والقانون، ولما لمحت فيه الغانية الحسناء رغبته الأكيدة فى اللجوء للقانون تعتقه، خاصة بعد أن تأكد لها أن القاضى والوزير دبرا تلك الحيلة من تقديم موعد الآذان حبا للسلطان وإخلاصا له0         

العرض مترهل غير متماسك ، مهلهل البناء الدرامى ،إذ أساء مخرج العرض فى التعامل مع النص لما أضاع ملامح التركيبات الخاصة بكل شخصية ، وأقحم شخصية الأجنبى الذى سيشترى الحاكم فى أى وقت ، ولم يستفد من تقنية الفيديو وأقحمها وربطها بفشل ذريع بألف ليلة وليلة ،وكانت الإضاءة باهتة ضالة ضائعة بلا أى أثر درامى ، لكأنما تمت الاستعانة بأحد المتخصصين فى إضاءة الأفراح لإنارة العرض ، الحوارات الارتجالية السخيفة الطويلة الممطوطة وخاصة فى حوار الجلاد والنخاس ، والدس بشخصية الخمار المخنث كعادة الأعمال المسرحية الهابطة ، الفصل الأول بكامله يفتقد الإيقاع الدرامى وسط تهريج الممثلين وخروجهم على روح النص والعرض ، عملية الإخراج رديئة جدا ولم ترتق للمسرح المحترف بل هناك من عروض الجامعة والثانوى ما يفوقها فى الجودة الإخراجية ، الاستعراضات بعضها كان بعيدا تماما عن جو العرض ، ومع استبدال حوار النص بأغان عالية النبرة غير واضحة لعلو الموسيقى على الكلام المغنى ، مع إقحام الأغانى بكثرة فى العرض وعدم توزيعها بشكل جيد، ففى بداية العرض ثلاث أغان متوالية ثم أغان متناثرة تصاحبها استعراضات متنافرة ،ومابين الأداء السخيف الممطوط للجلاد والنخاس ، للجارية والشبشب الذى ظلت ممسكة به لحوالى عشر دقائق فى يدها بعد ضربها للجلاد به ،  وإلقاء صك الرق على الأرض ، والدراجة التى دخل بها المؤذن المسرح ، حسنة العرض الوحيدة هى إبراز موهبة وحضور حنان مطاوع وقد أدت بإقتدار وإجادة دورها إلى حد كبير وتجلى  أداؤها العالى حين تمسكت بحوارات النص وخاصة فى حوار صراع السيف والقانون ، أما محمد رياض فلا شك أن  أداءه يؤكد على افتقاده الحضور المسرحى على الرغم من نجوميته التليفزيونية ، الديكور الذى صممه المبدع د0محمود سامى مشهد القاهرة القديمة بخلفية صورة طبيعية للقاهرة بقبابها ومآذنها ، وأمامها السور ومدخل الحارة ، والحجارة ، والسبيل بصنبور الماء والرسومات والنقوش العربية ، والمشربيات والحانة على المسرح بستارتها الخرزية ، وبيت الغانية الحسناء على يساره ، وألوان البيوت والأسوار والتى تدرجت من اللون البنى ، وبيت الغانية الحسناء من الداخل والنافورة ، والأرابيسك فى الخلفية ، ولكن الإضاءة الفقيرة جدا دراميا لم تقم بوظيفتها فى إبراز جمال الديكور فى أكمل صورة ، فلم تضاء الحانة مثلا ، وتصميم ملابس العرض ثرى جدا معبق بالجمال ملابس الجنود ، وأردية الغانية الحسناء الأخضر والأصفر والبفسجى ، وملابس الاستعراضات ، ليقدم الديكور والملابس ثراء وتنوع لونى جميل رغم الإضاءة الفاشلة تماما فى القيام بوظيفتها الدرامية والجمالية ، وهكذا لم يفلح المخرج فى تحقيق إيقاع عام للعرض إذ أفتقد التحكم الفنى الواعى بمفردات صورة العرض ( السينوغرافيا ) ، وأفتقد الممثلون إيقاعهم الخاص نظرا لكثرة الارتجال وسخافتهل ، يؤكد على ظاهرة العبث بالنصوص بلا رحمة ولا هوادة ولا فن ، ولكن حنان مطاوع أفلتت واستطاعت أن تعلن عن نفسها كنجمة مسرحية جادة ذات حضور مسرحى آخاذ وهى الحسنة الوحيدة فى هذا العرض المهلهل المختل البناء الفنى 0