ملاحظة صغيرة

ملاحظة صغيرة

بقلم: عبير الطنطاوي

لاحظنا في الآونة الأخيرة بعض المسلسلات العربية التي تأخذ طابعاً إسلامياً، حسب رأيها، حيث يتكلم ممثلوها باللغة العربية الفصيحة، وترتدي ممثلاتها الحجاب الذي يعتبره المخرج شرعياً. لا أدري ما الهدف الحقيقي من هذه المسلسلات!! هل المقصود منها حقاً هو خدمة الإسلام، وتقديمه إلى الناس بشكل حضاري منمق وجميل؟! إن كان هذا هو الهدف، فهم حقيقة لا يخدمون الإسلام بهذه الطريقة أبداً، بل إنهم ليشوهون الإسلام، ويحطمون وجهه الجميل الذي جبله المولى عليه، لما في هذه المسلسلات من مخالفات شرعية لا حصر لها..

فمن خلال متابعتي لبعض حلقات من تلك المسلسلات رأيت في تلك المسلسلات الفتاة المسلمة وهي تخرج مع زميلها في العمل، وتجلس معه في مكان عام بحجة أنها تريد أن تصارحه بموافقتها على الزواج منها. وهذا الأمر مرفوض في مجتمعنا العربي المسلم ذي التقاليد والعادات، ومرفوض شرعاً أيضاً، وفي حلقة أخرى ترى الزوجة تحضر العشاء الفاخر والشموع على الشمعدان الفخم لغرض الاحتفال بعيد زواجها، أو عيد ميلادها، أو ميلاد زوجها، مع أن الإسلام ليس فيه سوى عيدين: (عيد الفطر وعيد الأضحى) وحبذا لو أطلقوا على مثل هذه المناسبات، أسماء أخرى غير العيد، إن أصروا على الاحتفال بتلك المناسبات، مثل: الذكرى الأولى للزواج.. للميلاد.. إذا ظنوا أنهم بذلك يقدمون الإسلام بشكل يتناسب مع مواصفات الحضارة التي (لا يجوز) أن تكون إلا بالشموع على الشمعدانات.. هذا فضلاً عن الملابس التي يعتبرونها شرعية لأنها تغطي نصف الشعر وتترك النصف الآخر مكشوفاً، والملابس التي على (الموضة) من حيث ضيقها، والبهارج والزينات التي عليها، من غطاء الرأس حتى الحذاء وما بينهما مما يتنافى مع الإسلام ومراميه القريبة والبعيدة، فالإسلام لا يحتاج لتجميله إلى هذه الرتوش التي تغبر وجهه الأبيض الصافي وأن هذه الأفعال ليست حضارية حتى نلصقها بديننا لصقاً فليس من الحضارة الخلوة بالأجنبي حتى لو كانت في مكان عام، لأن فيها تشويهاً لسمعة البنت في مجتمعنا، وفيها ما فيها من ألوان الكذب والخداع والنفاق، وليس من الحضارة والعقل أن نقلد الغرب بكل شيء وليس من الحضارة والإنصاف أن نكذب على أنفسنا ونغير الشكل الشرعي للحجاب الإسلامي.

أما إذا كان الهدف من تلك المسلسلات، هو الترويج للإسلام (الجديد المغرّب) فهذا أمر آخر، إذ تتعلم البنت الحجاب غير الشرعي، وحينما تأتي لتعلمها الحجاب الشرعي لا تقتنع معك، لأنه في المسلسل الفلاني (الإسلامي) في القناة الفلانية (الإسلامية) كانت الممثلة الفلانية تلبس كذا أو تضع على وجهها من المساحيق كذا وكذا..

وخاصة أن تلك المسلسلات لها جمهور محدود وهو الجمهور الملتزم أو المقبل على الالتزام وقد لا يعرف من الدين إلا النزر اليسير فيشرب من هذا المسلسل الماء الملوث الذي يريده القائمون عليه. ويا ويل الأم حين تريد أن تقنع ابنتها بخطأ ما تشاهده، خاصة إن كانت مراهقة وهي مقتنعة تماماً وواثقة من تلك القناة الفضائية (المسلمة) ومن ذلك المسلسل المحترم (الملتزم)..

إنني أناشد الكتّاب والمخرجين وأنا أفترض فيهم حسن النية أن يوقفوا تلك البرامج و المسلسلات التي تشوه شكل ديننا الحبيب. وأنا على يقين أن صرختي وصرخات الغيورين من أمثالي ستجد يوماً ما آذاناً مصغية في المستقبل إن شاء الله.

وملحوظة أخرى على تلك القناة الإسلامية، أن تراعي الحشمة في ملابس مذيعاتها، وتخفف من مساحيق التجميل عن وجوههن على الأقل.. والله إن بعضهن بمكياجهن وملابسهن (الشرعية) ذات الألوان الفوسفورية وحجابهن صاحب اللون الفاقع المتناسب مع لون البشرة ولون الماكياج –ينافسن عارضات أزياء (ديور) و(شاتيل) وسواهما.

ملحوظة أخيرة على تلك الفتاة التي تعرض برنامجاً للشباب، هذا البرنامج المسيء للقناة وللممثلين والممثلات فيه، أتوقف عند سؤالين فقط: أريد صاحب الضمير الحي معد البرنامج ذاك أن يجيب عليهما بينه وبين نفسه لا أكثر:

الأول: ما هدفك من وضع البنت إلى جانب الشاب وكلهم في سن المراهقة؟ نعم لك الحق في أن المرأة يجب أن تشارك الرجل في كل حياته ولكن ينبغي أن تكون هذه المشاركة وفق قوانين الإسلام..

والسؤال الثاني: ما الهدف من طرح المشكلات الجنسية مع تلك المجموعة، ورفع قناع الحياء عن وجوه أولئك البنات الجالسات في تلك الجلسة؟!!

أرجوكم: قدّموا للمسلمين وغير المسلمين في الشرق والغرب، الوجه الحقيقي للإسلام، ولا تلصقوا بديننا شيئاً ليس منه.. وستنجحون ديناً ودنيا إن شاء الله.

وكلمة أخيرة أقولها من قلب مكلوم حيث يطلع علينا في كل أسبوع وجه داعية محبوب إلى النفوس ونرجو أن يكون محبوباً عند الله تعالى كذلك.. يلقي هذا الداعية كلاماً رقيقاً عذباً يمس شغاف القلوب، ويهديها إلى الله بإذن الله، وما يشوه هذا البرنامج الراقي، تركيز الكاميرات بشكل فاضح على الفتيات الحاضرات، والتركيز الشديد على الجميلات منهن، وكأننا جالسون نستمع إلى أغنية حيث ينقل المصور الكاميرا بين المطرب وبين الجميلات الحاضرات ليظهر مدى تأثرهن بالأغنية، أرجوكم، دعونا نتنفّس في أجواء نقية، ودعونا من هذه الأجواء الملوثة، حتى لا ندخل جحر الضبّ الذي حذّرنا منه الرسول القائد أستاذ الحياة، صلى الله عليه وسلم.