ظاهرة نقل ألحان الأغاني إلى الأناشيد ما لها و ما عليها
ظاهرة نقل ألحان الأغاني إلى الأناشيد
ما لها و ما عليها
نجدت لاطـة
تبدو ظاهرة نقل ألحان الأغاني إلى النشيد الإسلامي عند البعض سلبية في كل وجوهها، وقد كان رأيي كذلك إلى وقت قريب، ولكن بعد المتابعة الدائمة لحركة النشيد الإسلامي تبيّن أنه لا توجد سلبيات كبرى في ذلك لأسباب عديدة سأذكرها في ثنايا الأسطر الآتية.
في البداية أقول إنه لايخفى على أحد أن حركة النشيد الإسلامي يقوم بها المنشدون أنفسهم بجهود فردية دون أدنى دعم من أحد، لا من الحركات الإسلامية ولا من المؤسسات الإسلامية ولا من غيرهم. وأعني بالجهود الفردية: التدريب على الأناشيد والتلحين والتسجيل وإنشاء الفرق.. وفي مقابل هذه الجهود يحصلون على مبالغ صغيرة لا تكفي حياتهم المعيشية، لذا تجدهم يرتبطون بأعمال أخرى تشغلهم كثيراً عن النشيد. وبمعنى آخر لا يوجد عندنا منشدون متفرغون للنشيد، فإذا كان المنشد الكبير أبو راتب لم يستطع التفرغ للنشيد، فمن باب أولى بقية المنشدين. وعدم التفرغ أدى إلى ضعف المستوى الفني للنشيد, ورأينا في الواقع أناشيد كثيرة لا تستسيغها الأذن.
إذاً، ما الحل للخروج من أزمة الألحان؟
أعتقد أن أحد الحلول هو الالتجاء إلى ألحان الأغاني ونقلها إلى الأناشيد، وهذا ليس عيباً ولا شيئاً لا يليق بالمنشدين، وإنما هو نوع من التغيير في نمط الأناشيد.
وظاهرة استعارة الألحان من الآخرين موجودة عند المطربين في القديم والحديث، فأغنية المطرب صباح فخري (فوق النخل) وأنشودة (فوق الحرم) هما بلحن واحد، ويقول المنشد الكبير محمد أمين الترمذي بشأنهما: لا ندري إلى الآن مَن استعار اللحن من الآخر، ولا ندري مَن صاحب اللحن الأصلي .
وهناك أغانٍ كثيرة ألحانها مأخوذة من أغانٍ أجنبية، فالمطرب السوري موفق بهجت استعار لحناً من أغنية أجنبية لأغنيته المشهورة:
آه يا أم حمـادة اسـقيني أهْـوة سـادة
والمطربة المصرية " سيمون" استعار ت لحناً أجنبياً أيضاً لأغنيتها:
آه لو يوم تُؤلولي تاه ألبي اللولي
وهاتان الأغنيتان كانت لهما شهرة واسعة في زمانهما، الأولى كانت في أيام السبعينيات والثانية كانت في منتصف الثمانينيات، ولم يعترض عليهما أحد.
وصحيح أن الأصل هو اعتماد المنشد على ألحانٍ خاصة به تميّزه عن الآخرين, ولكن هناك حالات يضطر فيها إلى استعارة ألحان الآخرين, من هذه الحالات:
ـ إعجاب المنشد بلحنٍ ما فيُحبّ أن ينشده بصوته.
ـ قد لا يجد المنشد في بعض الأحيان ألحاناً تناسبه، وفي الوقت نفسه يجد نفسه مضطراً للاستمرار في إصدار الأشرطة ليثبت وجوده في الساحة الفنية، حينها يلجأ إلى ألحان الآخرين.
وقد يعترض علي أحد ويتهمني بفتح الباب أمام المنشدين لسرقة ألحان الأغاني, فأقول إن ظاهرة استعارة الألحان من الآخرين موجودة في الساحة الفنية كما ذكرت قبل قليل, ولا يوجد فيها أدنى مشكلة, وهي أيضاً لا تدل ـ دائماً ـ على الضعف والدونية. ويمكن أن نعتبر هذه الظاهرة غير مقبولة في حالة واحدة وهي أن يعتمد المنشد بشكل دائم على ألحان الآخرين, فعندئذٍ نأخذ عليه هذا المأخذ. ولكن حين يقوم المنشد ـ أحياناً فقط ـ باستعارة بعض الألحان، عندئذٍ تكون هذه الاستعارة لا شيء فيها. بل يحدث ـ أحياناً ـ العكس أي تكون استعارة الألحان تلويناً جديداً في أسلوب المنشد.
ويبقى هناك شروط لاستعارة ألحان الأغاني, لا بد أن يراعيها المنشد، من هذه الشروط:
1ـ حسن الانتقاء والاختيار, بحيث يكون هناك تناغم بين الأغنية والأنشودة، وخصوصاً في موضوعهما وكلماتهما.
2ـ إجادة المنشد لأداء اللحن المنقول، بحيث يضفي عليه روحاً جديدة، لا أن يهبط به فنياً.
3ـ النقل عن ألحان أغنيات مات أصحابها، لأنه في حال موت صاحب الأغنية تعتبر أغنيته جزءاً من التراث، ولا شيء في استعارتها حينئذ. أما إذا كان أصحابها أحياء فسوف يتضايقون ويعتبرون ذلك سرقة، بل وقد يرفعون دعاوى ضد الذين أخذوا ألحانهم دون إذن منهم.
4ـ الابتعاد عن ألحان الأغاني المشهورة جداً, فمثلاً: أغنية " أهواك وأتمنى لو أنساك " لعبد الحليم حافظ غير مستساغ للمنشد أن يستعير لحنها، حتى ولو كان ـ مغنيها مات منذ ثلاثين سنة، لأن هذه الأغنية ترسّخت في أذهان الناس بشكل كبير, وتحتاج إلى عقود عديدة حتى ينساها الناس.
فمن خلال الالتزام بهذه الشروط يكون المنشد في مأمن من سلبيات نقل ألحان الأغاني.
ولابد من التنبيه على أن نقل ألحان المطربين الأموات يُبعد عن الأنشودة ظلال مطربيها, باعتبار أن أجواء الأغنية وذكريات المطرب تكون قد ابتعدت عن مخيلة الناس. فكما نعلم أن إحدى سلبيات نقل ألحان الأغاني هو أن اللحن سيوحي بظلال الأغنية الأصلية، وكذلك سيوحي بظلال المطرب (أو المطربة) الذي غنى الأغنية.
تنويه
إن
نقل لحنٍ جميل من أغنية أفضل بكثير من تأليف لحن ضعيف، لأن الهدف من النشيد
الإسلامي هو الطرب وفق حدود الشرع . وما أظن أننا سنطرب عند سماعنا لأنشودة ذات لحن
ضعيف.