أهل الكهف

عبد الله الطنطاوي

      فيلم كرتون  

سيناريو: عبد الله الطنطاوي

[email protected]

الشخصيات

الراوي

 الملك دقيانوس: كهل في الخمسين

الوزير: كهل في الخمسين

قائد الحرس: في الأربعين

الفتيان السبعة: من السادة الأشراف، في مقتبل العمر/ العشرينيات

الملك الصالح: في الخمسين.

وزيره: شيخ في الستين.

قائد الحرس: في الأربعين.

صاحب المطعم

كومبارس: مجموعة من الرجال.

الآيات القرآنية: 9 -26: تلاوة بصوت طفل

الأناشيد:

1 - أنشودة في البداية تتحدث عن مباهج الحياة التي يقتلها الطغاة.

2 - أنشودة في الوسط، تتحدث عن الكفر والإيمان.

3 - أنشودة في الختام، تتحدث عن البعث والنشور والجنة والنار ويوم القيامة.  

"نقدم فيما يلي نص الحوار في الفيلم"

ص. الراوي: هذه مدينة أفسوس.

إنها مدينة قديمة..

مدينة جميلة..

ولكنها تفتقر إلى الإيمان بالله الواحد الأحد.

مؤثر: أصوات العربات

       أصوات وقع حوافر الخيول

       أصوات الحمحمة والصهيل.

       أصوات غائمة للناس.

الراوي: حاكم هذه المدينة كافر

       يعبد الأصنام، ويأمر الناس بعبادتها.

الراوي: إنه الملك دقيانوس..

         إنه حاكم جمع بين الكفر والظلم والطغيان..

الراوي: في هذا القصر الفخم الضخم، يقيم   الملك الظالم دقيانوس وحاشيته الكافرة.

الراوي: الأصنام والأوثان كما ترون، في كل مكان من  القصر. وفي شوارع المدينة وساحاتها العامة.

القائد: أين جلالة الملك؟

الخادم: فوق يا سيدي القائد.

مؤثر: وقع أقدام صاعدة.

مؤثر: نقرات على باب.

مؤثر: صوت إغلاق الباب.

صوت الملك: ادخل.

الملك: ماذا تريد؟

الحارس: قائد الحرس في الباب.

الملك: قل له يدخل.

الحارس: تفضلوا يا سيدي.

القائد: صباحك سعيد يا جلالة الملك.

الملك: وصباحك.

القائد: الموكب جاهز يا سيدي.

مؤثر: أصوات حمحمة الخيول وصهيلها

مؤثر: صوت عجلات العربة.

مؤثر: أصوات طبول.

مؤثر أصوات خوار البقر والغنم.

مؤثر: صوت عجلات العربة وحمحمة الخيول وصهيلها.

هتافات: يحيا الملك –عاش الملك.

مؤثر: أصوات الأبقار والأغنام والناس الذين يذبحونها.

القائد: انظر إلى ذلك الشاب يا مولاي.. إنه لا يشارك أهله في الذبح والعبادة.

الملك: ماذا يعني هذا؟

القائد: يعني أنه صابئ، لا يؤمن بعبادة الأصنام.

الملك: هل هو من السادة أو من العامة؟

القائد: بل من السادة يا مولاي.

القائد: انظر إلى ذلك الفتى يا مولاي؟ إنه ينسحب من الاحتفال.

القائد: هل نتركه وأصحابه يا مولاي؟

الملك: وهل أصحابه من السادة أو العامة؟

القائد: بل كلهم من أبناء السادة والنبلاء يا مولاي.

الملك: إن هذا لمحزن.

القائد: انظر يا مولاي.. لقد لحقه الفتى الثاني، وجلس بجانبه تحت الشجرة.

الملك: أراك حزيناً أيها القائد؟

القائد: جداً يا مولاي.

الملك: ولماذا كل هذا الحزن؟

الوزير: لأن أولئك الشبان من السادة والنبلاء يا مولاي.

الملك: وماذا يهم؟

الوزير: هذا يعني أنهم يؤثرون في العامة بتصرّفهم هذا.

القائد: ولا نستطيع محاسبتهم.

الملك: بل نحاسبهم، ونقطع ألسنتهم ورقابهم إذا لم يعودوا إلى ديننا.

الراوي: هؤلاء الشبان المؤمنون يتعارفون فيما بينهم.

لم يكن بعضهم يعرف بعضهم الآخر، ولكن تعارفت أرواحهم وتآلفت، قبل أن تتعارف أجسامهم.

الراوي: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

الراوي: انظروا إلى هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم، وزادهم الله هدى على هداهم.

الفتى1: بعد أن تعارفنا، لا بد أن نتكاشف، فوالله ما تركنا قومنا إلا لأمر مهم.

فليظهر كل واحد منا الأمر الذي جعله يترك قومه، وأهله.

الفتى2: كلامك صحيح، وأبدأ بنفسي.

والله إن حال أهلنا لا يسرّ.. إنهم يعبدون الأصنام، ويذبحون تحت أقدامها القرابين، وهذا لا يرضاه العقل، ولا ترتاح إليه الروح. ولذلك تركتهم.

الفتى3: إن منظر قومنا وهم يعبدون الأصنام يثير الاشمئزاز والقرف. إنهم يعبدون أصناماً صماء، لا تسمع ولا ترى، ولا تضر ولا تنفع.

الفتى4: ويتركون عبادة الله الواحد الأحد، خالق السماوات والأرض، والجبال والبحار والأشجار والثمار.

الفتى5: لقد عرفت أن ما يفعله أهلنا وقومنا باطل، باطل، باطل، فانسحبتُ من بينهم، وجئت إلى هنا، لألقى هذه الوجوه المنيرة، وأصحاب القلوب المؤمنة.

الفتى6: وأنا معكم في كل ما قلتموه.

الفتى7: وأنا كذلك.. عقلي يقول ما تقولون، وقلبي يؤمن بما تؤمنون.

الفتى1: إذن.. نحن متفقون على استنكار عبادة الأصنام.

الفتى6: وعلى استنكار وجود الأصنام في بيوتنا.

الفتى2: وفي الشوارع والساحات.

الفتى3: ونحن متفقون على أن لهذا الكون خالقاً عظيماً هو وحده يستحق العبادة.

الفتى5: نعم. وحده الإله الواحد الأحد خالق كل شيء، ولا يستحق العبادة سواه، لا الأصنام الحجرية الصماء، ولا الطواغيت المتألهون من البشر.

الفتى1: إذن.. أنا أدعوكم إلى اللقاء غداً في هذا المكان، لنتفكر في خلق السماوات والأرض وما بينهما.

الفتى2: هذا المكان لا يصلح للتفكر والعبادة.

الفتى7: إذن. دعونا نفكر في شراء بيت نعبد الله فيه.

الفتى6: عظيم.. فكرة رائعة أن يكون لنا معبد نعبد الله فيه، ولا يرانا أحد من جواسيس قائد الحرس.

الفتى1: أنا موافق.

الجميع: كلنا موافقون

الفتى1: فلنتعاهد على هذا..

الراوي: وهكذا نهض هؤلاء الفتيان وتعاهدوا على ما اتفقوا عليه، ووضعوا أيديهم بأيدي بعض، وتآخوا في الله عز وجل.

الراوي: اتخذ الفتيان المؤمنون لأنفسهم معبداً يلتقون فيه، يعبدون الله تعالى، ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، وما عليها من بشر، وأطيار، وحيوانات وأشجار وأزهار، وجبال وأودية وأنهار..

انظروا إليهم في معبدهم وفيما هم فيه من تفكر وتتأمل وعبادة.

الفتى1: لا إله إلا الله.

الفتيان: لا إله إلا الله.

ص. الفتى1: بالأمس صعدت فوق الجبل، وجلستُ على قمته.. كانت السهول الخضراء ممتدة منبسطة، والبساتين والمزارع، والينابيع العذبة المنبثقة من الجبل.. مناظر ما أجملها، وما أروع خالقها ومبدعها.

الفتيان. لا إله إلا الله.

الفتى1: تأملت هذه المناظر الخلابة، فحدثني عقلي وقلبي بأن خالقها إله عظيم هو وحده الذي يستحق أن نعبده ونسجد له، فنهضت وسجدت شكراً لله العظيم.

الفتيان: لا إله إلا الله.

الفتى3: ولدت أمي لنا أخاً رائعاً بالأمس.

الفتيان: مبارك.. مبارك..

الفتى3: بارك الله لكم

وبارك عليكم

ورزقكم الله مثله.

الفتيان: آمين.. آمين.

ص. الفتى3: تبارك الخلاق العظيم الذي أبدع هذا الطفل وحسَّنَ خَلْقَه..

الفتى3: اللهم كما حسَّنْتَ خَلْقَه فحسِّنْ خُلُقَهُ، واجعله من عبادك المؤمنين الصالحين.

الفتيان: آمين

الراوي: وهكذا استمر هؤلاء الفتيان المؤمنون يترددون على المعبد لعبادة الله الواحد الأحد. في سعادة ما فوقها سعادة، حتى كان يوم.

القائد: هل تأكدتم منهم؟

المخبر1: أنا تأكدت من كل واحد بطريقتي الخاصة يا سيدي.

القائد: وأنت؟

المخبر2: وأننا كذلك يا سيدي

القائد: وعرفتم المكان الذي يجتمعون فيه؟

المخبران: نعم يا سيدي

القائد: وعرفتم الوقت الذي يجتمعون فيه هناك؟

المخبران: نعم يا سيدي.

القائد: هيا اكتبا تقريراً مفصّلاً عن ذلك، ووقّعا عليه، ثم انصرفا إلى بيوتكما.

المخبران: أمرك سيدي.

القائد: رصدنا تحركات الفتيان يا مولاي، وعرفنا المكان الذي يجتمعون فيه مساء كل يوم.

الملك: ماذا يفعلون؟

القائد: إنهم على دين غير دينك يا مولاي.. إنهم مسلمون، يتحركون بين العامة، ويدعونهم إلى ترك دينهم، ويسبون آلهتنا، ويزعمون لهم أنها مجرد أحجار لا تفهم ولا تضر ولا تنفع، و..و..

الملك: و.. ماذا يا قائد الحرس.

القائد: لا يا مولاي.. لا أستطيع أن أنطق بما يقولون للناس ولأنفسهم في معبدهم.

الملك: ماذا يقولون أيها القائد؟

الوزير: يكذبون ويفترون عليك يا مولاي؟

الملك: ماذا؟

الوزير: يقولون -عفواً يا مولاي- يقولون.. ما أكذبهم!.

الملك: ماذا يقولون يا وزيري؟

الوزير: يقولون: إن مولاي الملك العظيم جبار ظالم طاغية يقتل الناس بغير حق، وينهب أموالهم، ويعتدي على أعراضهم.

الوزير: أليس كذلك أيها القائد؟

القائد: نعم يا مولاي وأكثر.

الملك: وماذا بعد أيها القائد؟

القائد: إنهم يحرضون العبيد والعامة للثورة عليك يا مولاي؟

الملك: عليّ أنا؟ هاتوهم فوراً.

القائد: الحقوني إلى قصر الملك.

الملك: لا.. لا.. فكّوا قيودهم.. هذا لا يجوز.. إنهم أشراف أبناء أشراف.

القائد: فكُّوا قيودهم.

الملك: هل يجوز للسادة أبناء السادة أن يخرجوا على دين الملك؟

الملك: لو كنتم من العامة، لألهبت ظهوركم بالسياط، ثم قتلتكم، ولكنكم من السادة الأشراف.

الوزير: سلهم يا سيدي لماذا تركوا دينك؟

الملك: لماذا تركتم دينكم؟

الفتى1: لم نكن على دين حتى نتركه إلى غيره.

الملك: ألم تكونوا تعبدون الأصنام مثلنا؟

الفتيان: لا..لا..

الملك: ماذا كنتم تعبدون إذن؟

الفتيان: لا شيء.

الملك: والآن.. ماذا تعبدون؟

الفتى1: نعبد الإله الواحد الأحد خالق السموات والأرض وخالق كل شيء.

الوزير: ومن دلَّكم على هذا الإله؟

الفتى1: دلتنا عليه الفطرة.

الفتى2: ونحن ندعوك -أيها الملك- إلى تحطيم الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وإلى عبادة الله الواحد الأحد.

الملك: اسمعوا أيها الفتيان.. أنتم ما تزالون شباباً في أول العمر، ولا أريد أن أقتلكم، وسوف أترككم إلى الغد، سوف تأتونني غداً تائبين، وإلا أمرت الناس أن يرموكم بالحجارة حتى الموت، لتأكل أجسادكم الكلاب والسباع.

الملك: أخرجهم من القصر أيها القائد، ودعهم يراجعوا أنفسهم.. هيا.

الراوي: خرج الفتية المؤمنون من القصر، وتوجهوا نحو المعبد، ليتشاوروا فيما سيفعلون، وكان هذا الإمهال من الملك رحمة ساقها الله إليهم.

الفتى1: ماذا ترون؟

الفتى7: سوف يرغبنا الملك في ترك ديننا والعودة إلى دينه.

الفتى5: وسوف يهددنا بالقتل إذا لم نعد إلى عبادة الأصنام.

الفتى1: فما رأيكم؟

الفتى2: أرى أن نفر بديننا من هذه المدينة الظالمة.

الفتى3: الفرار جبن وضعف.

الفتى2: هل نستطيع مقاومة الملك؟

هل نستطيع التغلب على جيشه وحراسه؟

الفتى5: هل نستطيع الصمود تحت التعذيب حتى الموت؟ وهل نستطيع البقاء على ديننا دون أن نعرض للفتنة؟

الفتى1: أما أنا، فأرى الخلاص في الفرار بديننا إلى مكان آمن، نعبد فيه الله بحرية وأمن واطمئنان.

الفتى7: وأين نجد هذا المكان؟

الفتى1: أعرف كهفاً في هذا الجبل الكبير، إنه بعيد عن أعين الناس، نعبد الله فيه، آمنين مطمئنين.

الفتى7: إنه أرحم بنا مما نحن فيه.

الفتى 6 : ومن أين نأتي بالطعام والشراب؟

الفتى 2 : أموالنا كثيرة ولله الحمد. نأخذ منها ما يكفينا، حتى يبعث الله لنا فرجاً من هذه الكربة.

الفتى 3 : نعيش في الكهف في الظلام؟

الفتى1: ظلام الكهف خير من أضواء المدينة. وضيقه أرحب وأوسع من قصورنا وقصور الملوك.

الفتى2: ليس هناك سوى هذا الحل، ما دمنا لا نستطيع عبادة الله في غيره.

الفتى3: ولكننا بهذا نترك وطننا.

الفتى1: أي وطن هذا الذي يقهرنا، ويمنعنا من عبادة الله تعالى؟

الفتى2: إذن.. نذهب الآن إلى بيوتنا، ونتزود بالمال والطعام والشراب ونلتقي قبيل الفجر تحت تلك الشجرة المباركة التي تعارفنا تحتها وفي ظلها، ونجونا من عبادة الأصنام، ومن ضلالات أهلنا.

الراوي: وفي لحظات السحر، تسلل الفتيان السبعة إلى تلك الشجرة التي تعارفوا تحتها. وكان مع أحدهم كلبه الذي كان يصحبه للصيد.

الراوي: وعندما اكتمل عدد الفتيان المؤمنين، تحركوا نحو الكهف في بطن ذلك الجبل الكبير، يتبعهم كلب صيد لواحد منهم.

الراوي: وصل الفتية المؤمنون إلى الكهف، وأسرع كلبهم قطمير فدخل الكهف قبلهم، وفتش الكهف ثم نبح كأنه يدعوهم إلى الدخول مطمئنين، فدخلوا.

الفتى6: تعالوا وانظروا.. إنه طعام، وهذا ماء.

الفتى1: هذا رزق ساقه الله إلينا.

الفتى5: الحمد لله الذي رزقنا هذا الطعام وهذا الشراب من غير حول لنا ولا قوة.

الفتى6: خذ طعامك يا قطمير

مؤثر نباح كلب.

الفتى1: الحمد لله الذي أطعمنا وأشبعنا، وسقانا وأروانا وجعلنا مسلمين.

الفتى 5: الحمد لله.

الفتى7: الحمد لله رب العالمين.

الفتى2: أنا تعبان، نعسان، أريد أن أنام.

الفتى4: وأنا أريد أن أستريح.

الفتى1: كلنا نحب أن نستريح.

الفتى6: إذن.. ليأخذ كل منا مكاناً يستريح فيه وينام.

وأنت يا قطمير، مكانك هناك في الباب.

الراوي: لم تمض لحظات حتى نام الفتية جميعاً، ونام كلبهم، واستغرقوا في نوم عميق.

أب1: أين ولدي؟ لقد أخذتموه أمس، ثم أطلقتم سراحه، فهل اعتقلتموه من جديد؟.

القائد: لا.. إنه ورفاقه على موعد مع الملك اليوم، ولم يأت أي واحد منهم حتى الآن.

أب2: لا.. هذا غير صحيح.. أطلقتموهم ثم أعدتم اعتقالهم دون أن ندري.

القائد: صدقني لم نعتقل أياً منهم.. إنهم عندكم.. في بيوتهم.

أب3: لا.. ليسوا عندنا إنهم عندكم. في السجن..

أب4: أطلقوا سراح أبنائنا..

أب5: أعيدوا إلينا أبناءنا.

أب6: دعونا ندخل إلى الملك.

أب7: نريد الملك.

الآباء: نعم نريد الملك. نريد الملك.

نريد أبناءنا.. نريد أبناءنا.

القائد: سوف أخبر الملك وأعود إليكم.. اهدؤوا الآن.. سوف تقابلون الملك.

الملك: أهلاً بكم يا أشراف أفسوس وساداتها.

أب1: يبدو أننا لم نعد من السادة ولا من الإشراف يا مولاي.

أب2: لو كنا يا مولاي كما تقول، لما اعتقل قائد الحرس أبناءنا.

أب3: ثم أنكر اعتقالهم ووجودهم في سجنه.

الوزير: بل أنتم كما قال مولانا الملك، ولا أستطيع أنا ولا قائد الحرس أن نفعل شيئاً خطيراً إلا بأمر جلالة مولانا الملك.

أب1: المهم أين أبناؤنا؟

الوزير: أين أبناؤهم أيها القائد؟

القائد: لقد غادروا هذا القصر العامر ليلة البارحة، على أن يذهبوا إلى بيوتهم، ويعودوا لمقابلة جلالة مولانا الملك، ضحى هذا اليوم، ولم يأتِ أي واحد منهم حتى الآن.

الملك: ألا تعرف أين هم؟ أين ذهبوا؟

القائد: لا يا مولاي.. فليس لديّ أمر بمراقبتهم.

الملك: هل تعرفون ما فعل أبناؤكم أيها السادة؟

أب6: سمعنا أنهم اعتنقوا ديناً غير ديننا.

أب1: وهم أحرار، يدينون بالدين الذي يريدون.

الملك: هكذا إذن! هم أحرار في ترك ديننا، واعتناق دين آخر!.

ومع ذلك.. أنتم المسؤولون عن اختفائهم.. أنتم أخفيتموهم ثم جئتم تتسترون عليهم، وتتهمون قائد الحرس باعتقالهم.

الوزير: هوَّنْ عليك يا مولاي.. الأمر بسيط.

أب5: لا.. ليس بسيطاً.. أبناؤنا في سجون قائد الحرس.

الوزير: هؤلاء سادة أفسوس وأشرافها، كما قلت يا مولاي، فهل تسمح لهم بالبحث عن أبنائهم في سجون قائد الحرس؟

القائد: إذن.. أنت تكذبني وتصدّقهم أيها الوزير.

الوزير: بل ليطمئنوا إلى صدقنا جميعاً، فنحن لا نكذب على أشراف أفسوس، ولا نعتقل أبناءهم، رغم الجريمة الكبرى التي ارتكبوها بترك دين مولانا الملك، والذهاب إلى دين مجهول لم نسمع به.

الملك: بإمكانكم أن تتأكدوا من صحة كلامنا.

أب5: لا يا مولاي الملك. أنت أصدق منا جميعاً.

أب1: نعم يا مولاي. نحن لا نشك في صدقك يا مولاي.

أب3: حاشا أن يخطر ببالنا مثل هذا الكلام.

أب4: أنا أحتسب ولدي عند الآلهة.

الآباء: كلنا نحتسب أولادنا.

الراوي: وبعد البحث والتفتيش عن الفتيان السبعة، يئس الناس من العثور عليهم، فاجتمع بعض علمائهم وكتبوا أسماءهم وحفروها على لوح حجري أطلقوا عليه اسم الرقيم.

الراوي: انطلق الناس إلى مكان بارز في المدينة ووضعوا اللوح الحجري فيه.

الراوي: سبحان الله العظيم وبحمده: بسم الله الرحمن الرحيم

[وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين]

الراوي: يا سبحان الله! بسم الله الرحمن الرحيم

[وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله].

صدق الله العظيم

أجل. ذلك من آيات الله. أن تطلع الشمس، وتتسلل أشعتها داخل الكهف، فتمنحهم الدفء والضوء، ولا تصيبهم بأذى.

وتغرب الشمس، فتميل عن الأجسام النائمة وتبتعد، حتى لا تصيبهم بأذى.

إنها آية من آيات الله.

الراوي: لقد نشر الله عز وجل رحمته عليهم وهم نائمون، ترك عيونهم مفتوحة، حتى لا تبلى، وجعلهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال، حتى لا تتقرح أجسامهم أو تتعفن، وحتى لا تأكل الأرض أجسامهم. حرسهم الله بالرعب، فإذا رآهم إنسان أو حيوان ولى هارباً منهم، يظنهم أيقاظاً وهم نائمون، [لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً، ولملئت منهم رعباً]

فلم يجرؤ إنسان أو حيوان على الاقتراب منهم.

[وما يعلم جنود ربك إلا هو]

الراوي: وبعد ثلاث مئة سنة وتسع سنين، يستيقظ الفتية المؤمنون، وهم بكامل شبابهم وحيويتهم، فقد تولتهم عناية الله الرحمن الرحيم، فلم تمتد إليهم يد الهلاك. ولا نالت منهم رطوبة الأرض وبرودتها، ولا أثرت فيهم حرارة الشمس.

مؤثر: نباح كلب.

الفتى1: يبدو أننا نمنا كثيراً.

الفتى2: أظن أننا نمنا طوال النهار.

الفتى4: هذا صحيح، فقد نمنا مع شروق الشمس، وها هي ذي الشمس تميل نحو الغروب.

الفتى7: كلامك صحيح، فالشمس الآن في حالة الغروب.

الفتى6: ولهذا فأنا أحس بجوع شديد.

الفتى3: وأنا تعبان وجوعان.

الفتى6: هذا لأننا نمنا على الأرض.

الفتى2: أشعر بعظامي تتكسر.

الفتى1: المهم بطوننا الآن، فالجوع يأكل أحشائي.

الفتى2: لهذا دعونا من الحديث عن المدة التي نمناها.. وفكّروا بالطعام. كيف نؤمن الطعام والماء.

الفتى5: أنا معك.. فالجوع ينهش معدتي وأمعائي، كأني لم آكل من عدة أيام.

الفتى2: بل قل: من عدة أعوام.

الفتى1: من يذهب إلى المدينة ليشتري لنا الطعام؟

الفتى2: نريد فتى ذكياً حذراً. أذكى شاب فينا يستطيع الاختفاء والتمويه، حتى لا ينكشف أمره.

الفتى6: وإذا انكشف أمره، لا سمح الله، فإنه يتحمل أهوال التعذيب، ولا يدل علينا.

الفتى1: أنا مستعد لهذه المهمة.

الفتيان: هيا إذن، ولا تتأخر.

الفتى2: وكن لطيفاً في حديثك مع الناس.

الفتى3: هل معك نقود؟

الفتى1: نعم معي.

الفتيان: هيا إذن، ولا تتأخر.

الفتى1: كم أنا مشتاق إليك يا أفسوس، وكأني قد غبت عنك سنوات، وليس يوماً واحداً.

اشتقت لأمي وأبي.. أريد أن أجلس إليهما، وأقنعهما بترك عبادة الأصنام.. وسأدعو أخي وأختي، وكل أقربائي وأصدقائي العقلاء.. أريد لهم الهداية، أريد أن أخلصهم من الضلال الذي هم فيه.

الفتى1: يارب. نحن عبيدك، ونحن قلة وضعاف، فقوِّنا، واسترنا، وكثِّرْ أعدادنا، واهد قومنا، واحفظنا من الطواغيت بحفظك الجميل يا ستار يا رحمان يا رحيم.

الفتى1: ترى. هل ضللت الطريق؟

ما هذه المدينة؟

إني أعرفها ولا أعرفها.

ترى.. أين أنت يا أفسوس؟

أنا لا أعرف هذه العمارات..

الرجل: من أنت أيها الفتى؟

ومن أي البلاد أنت؟

الفتى1: أنا من هنا.. من أفسوس.

الرجل: أنت من أفسوس؟

الفتى1 : نعم من أفسوس.

الرجل: أنت الآن في أفسوس.

وأراك تبحث عن شيء.

الفتى: نعم.. أبحث عن مطعم..

أنا جائع، وأريد أن آكل.

الرجل: هناك مطعم. اذهب إليه إن شئت، وإن شئت أن تكون ضيفي، وتصحبني إلى بيتي، أكن شاكراً لك.

الفتى: لا..لا.. أريد المطعم.

الرجل: ترى.. ما قصة هذا الشاب الغريب؟!

الفتى: السلام عليك يا أخي

صاحب المطعم: وعليك السلام يا أخي. تفضل.

الفتى1: أريد شيئاً من الطعام يكفي سبعة رجال.

صاحب المطعم: تفضل يا أخي.

الفتى: كم ثمنه؟خذ؟

الرجل: ما هذا؟

الفتى1: نقود.. خذ ثمن طعامك.

ص.المطعم: من أين جئت بهذه النقود؟

الفتى1: من عندي من مالي الخاص.

ص.المطعم: بل أنت عثرت على كنز، وهذه النقود منه

الفتى1: لا والله يا أخي.. إنها من مالي.

ص. المطعم: أنت تكذب.. هذه النقود كانت مستعملة قبل ثلاث مئة سنة..

الفتى1: يا ناس مالكم تنظرون إلي هكذا، وكأني غريب أو لص أو مجرم! هذه نقودي والله، ما سرقتها من أحد، ولا عثرت عليها في الطريق.. صدقوني.

الفتى1: خذ طعامك.. أنا لا أريده. ودعني أذهب في طريقي.

الرجل2: انظر يا أخي.. هذه هي النقود التي نتعامل بها هنا في أفسوس. انظر إليها جيداً، وقارنها بنقودك.

الفتى: لا.. هذه النقود ليست نقود أفسوس.. نقود أفسوس عليها صورة الملك دقيانوس.

الرجل2: يا رجل. أنت تتحدث عن ملك كافر مات من ثلاثة قرون.

الفتى: الملك دقيانوس مات؟ متى؟

الرجل: من ثلاث مئة سنة.

رجل: وماتت معه ديانته وأصنامه.

رجل: وملكنا اليوم ملك مسلم، مؤمن، موحد، عادل.

الفتى: تقولون: مات الملك دقيانوس من ثلاثة قرون، ونحن.. أنا ورفاقي الستة هربنا من كفره وظلمه صباح هذا اليوم؟

رجل: ممن هربتم؟

الفتى: من دقيانوس.

رجل: وإلى أين هربتم؟

الفتى: لا.. لن أقول لكم.. أخاف على إخواني من الملك الكافر الظالم.

الشيخ: إن ملكنا المسلم العادل، يبحث عنك وعن إخوانك المؤمنين منذ استلم الحكم.

الفتى1 أنا لا أعرف عن ماذا تتحدثون؟

الشيخ: عن الفتية السبعة المؤمنين الذين هربوا من الملك الكافر دقيانوس قبل ثلاثة قرون، واختبؤوا في كهف لا يعرفه إلا الله .

الشيخ: لا تخف أيها الفتى المؤمن، فملكنا المؤمن سوف يفرح بك وبإخوانك. فهيا إليه.

الفتى: دعوني أرجوكم.. دعوني أذهب إلى إخواني في الكهف، آخذ لهم الطعام والشراب فالجوع يكاد يقتلني ويقتلهم، وهم الآن قلقون علي، فقد تأخرت عليهم.. إننا لم نأكل منذ ثلاثة قرون، كما تقولون، فارحمونا.. ارحمونا يا ناس.

الشيخ: لا بأس عليكم أيها الشاب الطيب.. وأنا أرجوك أن تدلني على صنم واحد في أفسوس. انظر.. لقد أزالها بل حطمها ملكنا الصالح، فاطمئن، وهيا معي إلى الملك، هيا يا بني.. هيا.

الشيخ: لعلك تذكر الأماكن التي أقيمت فيها الأصنام.

فتش عنها جيداً ونحن في طريقنا إلى قصر الملك. لقد حطمت أنا أربعة منها بيديّ هاتين.

والملك حطم بيديه الطاهرتين القويتين أكثر الأصنام التي كانت في القصر.

الملك: أهلاً بك بين أهلك أيها الشاب الصالح.

الفتى1: شكراً لك يا مولاي.

الملك: هذا هو قائد الحرس.

القائد: خادمكم يا سيدي.

الفتى1: عجيب..

الملك: ما العجب في هذا يا سيدي؟

الفتى1: كان قائد الحرس أيام الملك دقيانوس فظاً غليظاً قاسياً على أبناء الشعب هو وأعوانه.

الملك: وهذا الشيخ الجليل وزيري، وأخي في الله.

الشيخ: وخادمك يا مولاي.

الملك: أستغفر الله.

الملك: ما بك يا سيدي؟

الفتى: إخواني في الكهف يا مولاي.. إنهم جياع، وقلقون علي.

الملك: إذن هيا بنا إلى الكهف.

الفتى1: انتظروا هنا يا مولاي الملك، حتى أدخل إلى إخواني، وأخبرهم بمجيئكم.

الملك: كما تحب أيها الفتى الصالح.

أصوات: لا إله إلا الله.

سبحان الله.

الحمد لله.

جلت قدرة الله.

لا عظيم إلا الله.

لا إله إلا الله.

الفتى5: ما هذه الضوضاء خارج الكهف؟

الفتى4: يبدو أنك لم تحسن التصرف، فاكتشفوا أمرنا.

الفتى2: أين كنت؟

الفتى3: لماذا تأخرت؟

الفتى5: لقد قلقنا عليك.

الفتى1: ألا تهدؤون قليلاً لأجيبكم على أسئلتكم؟

الفتى3: قل بسرعة.

الفتى1: الملك والوزير وقائد الحرس أمام الكهف.

الفتيان: ماذا؟

الفتى1: ويستأذنونكم في المثول بين أيديكم.

الفتى6: هل جننت؟!

الفتى1: بل أنا في منتهى العقل والوعي

الفتى6: كيف؟

الفتى1: لقد تغيرت الدنيا كلها أثناء نومنا.

الفتى3: كيف؟

الفتى1: مات الملك الكافر دقيانوس من ثلاث مئة سنة وأكثر، وماتت حاشيته وزبانيته، ويحكم أفسوس الآن ملك مسلم مؤمن صالح عادل.

الفتى3: لقد جن الفتى.

الفتى6: من أكثر من ثلاث مئة سنة يا رجل؟ وكنا أمس بين يديه، يهددنا بالقتل والرجم بالحجارة!.

الفتى1: أمس الذي مضى، كان من ثلاث مئة سنة وتسع سنين.

الفتى1: سوف تعرفون الكثير بعد قليل.. أما الآن، فاسمحوا لي أن آذن لجلالة الملك الصالح بالدخول.

الفتى1: تفضل يا مولاي الملك.

الملك: السلام عليكم أيها الفتيان المؤمنون.

الفتيان: وعليكم السلام ورحمة الله.

الملك: سبحان الله القادر على كل شيء..

الجميع: سبحان الله.

الملك: ثلاث مئة سنة وتسع سنين وأنتم كيوم نومكم. كأنكم نمتم أمس، واستيقظتم اليوم. يا سبحان الله!.

الجميع: سبحان الله

الملك: سبحان الله القادر على كل شيء.. يحيي العظام وهي رميم. يبعث من في القبور.

لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

الملك: لقد بحثت عنكم كثيراً. بحثت عنكم في كل مكان.

الوزير: وها قد وجدت هؤلاء الفتية المؤمنين أصحاب الكهف يا مولاي.

الملك: ما أعظم قدرتك يا الله! يا عظيم، يا جبار السماوات والأرض.

الوزير: لقد عانيتم الكثير من ذلك الملك الكافر دقيانوس ومن قائد حرسه.

الفتى7: الحمد لله الذي نجانا منه.

الملك: والآن.. يجب أن تستريحوا.. أن تعودوا معنا إلى أفسوس. فالناس كلهم في انتظاركم.

الفتى1: وماذا نفعل هناك يا مولاي؟

الملك: تعيشون حياتكم في أمن وسلام، تعبدون الله تعالى، وترشدون الناس إلى عبادته سبحانه.

الوزير: وجودكم بين الناس يبعث الإيمان في قلوبهم.

الفتى 7: ما نصنع بالحياة يا أيها الملك الصالح، والوزير الصالح؟

الفتى6: لقد مات أهلنا، وأقرباؤنا، وأصدقاؤنا، وكل من نعرفه.

الفتى1: وتغيرت المدينة التي عشنا فيها، ولا بد أن دورنا وقصورنا قد خربت.

القائد: نعيدها خيراً مما كانت عليه يا سيدي.

الفتى7: لقد انقطع ما بيننا وبين الحياة يا مولاي الملك الصالح.

الفتى2: اتركونا هاهنا.

الفتيان: اللهم إنا ندعوك أن تختارنا لجوارك. وأن تشملنا برحمتك.

الوزير: لعل الله، يا مولاي، قد أعثرنا عليهم لنعلم أن وعد الله حق، وأن البعث يوم القيامة صدق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها.

الملك: كلامك صحيح أيها الشيخ الصالح.

الوزير: والآن يا مولاي، أرى أن نغلق عليهم كهفهم ليكون مثواهم الأخير في هذه الحياة الدنيا.

الملك: نعم أيها الشيخ الصالح.

- ختام -