المخطوط العربي وأيامه بالقاهرة
عبد الرحمن هاشم
أقام معهد المخطوطات العربية في القاهرة طوال هذا الأسبوع احتفالات متنوعة بمناسبة "يوم المخطوط العربي" الذي شارك فيه خبراء وباحثون ومهتمون، وتم فيه تكريم شخصية العام التراثية وكتاب العام التراثي، إضافة إلى اسم خطاط المصحف الشريف الراحل سيد إبراهيم.
ونظم المعهد معرضا لتطور كتابة وتدوين المصحف الشريف، على هامش الاحتفال الذي أقيم بأحد الفنادق بالعاصمة المصرية تحت عنوان "المخطوط العربي.. أسرار من الماضي وأفكار للمستقبل"، ودشن للفعاليات التالية.
وفي كلمته قال د. فيصل الحفيان مدير معهد المخطوطات: هذا يوم للمخطوط العربي نقيمه للعام الثالث على التوالي والمخطوط رمز كبير لتراثنا العربي والإسلامي الذي أعطى الكثير لمسيرة العلم والحضارة الإنسانية.
التراث قضية كبيرة ينبغي أن تكون في صلب اهتمام الحاضر، بعد أن كاد يطويه النسيان من جراء دعاوى القطيعة.
نعيش دعاوى القطيعة مع التراث حتى أن بعض الناس يحمل هذا التراث مسؤولية كبوة الحاضر ويجعلون التخلي عن التراث شرطاً للعبور إلى الحداثة والذي نراه أن شرط العبور إلى الحداثة يكمن في التراث.
إن سرقة الماضي تقضي على كل أمل في المستقبل وإن غياب التراث في أفق الأمة العربية يساوي غياب الذاكرة لدى أفرادها.
القطيعة مع التراث هي قطع لرأس الإنسان نفسه ولذلك نلاحظ أن المخربين أول ما يهمهم هو القضاء على التراث.
كانت المخطوطات وما تزال هي الضحية الأولى في كل صراع أو حرب تنشب في المنطقة العربية كأنهم يريدون بذلك أن يكتبوا شهادة وفاة حضارتنا.
بعض الناس يظنون أن الغرب قد صنع حضارته عندما تخلى عن تراثه والحقيقة أن عصر النهضة ما بدأ إلا بعد التعرف على مخطوطات أرسطو وأفلاطون وكل المخطوطات اليونانية واللاتينية.
وأكد د. الحفيان أن رسائل يوم المخطوط العربي هذا العام تتلخص في:
دعوة لغير المختصين إلى التعرف على عالم المخطوطات ودمجه في الثقافة المعاصرة.
فتح خزائن التاريخ والاطلاع على نفائسها والمخطوطات هي أنفس ما في خزائن التاريخ بوصفها مستودعاً لآثار العقول التي طواها الزمن.
تحقيق الأمن الثقافي في مواجهة طوفان العولمة الجارف الذي يهدد جميع الثقافات غير الغربية.
تعزيز الثقة في النفس على المستويين الفردي والجماعي.. فنحن أبناء أمة عريقة لها إسهام جليل في الحضارة الإنسانية وإذا كان الغرور مرفوضاً فإن الإنكسار واليأس أكثر مقتاً ورفضاً.
وقال د. عبد الله حمد محارب المدير العام للمنظمة العربية للتربية واللثقافة والعلوم في كلمته: المعرفة لا تنفتح للإنسان إلا بالقراءة، والقراءة رهن بالكتاب.
قبل سبعين عاماً وتحديداً في العام 1946م أنشيء جهازنا المتخصص "معهد المخطوطات العربية" والمخطوط الذي نحتفي به وإن كان كتاباً تاريخياً فإن المعرفة الأصيلة لا ينال منها الزمن.
هي معرفة قابلة للتوليد لأنها ذات ملامح خاصة هي ملامحنا، فتصلح للاستزراع في أرضها التي هي أرضنا.
لقد حمل المخطوط العربي لنا بين جنبيه كل العلوم والمعارف التي أنتجها العقل الإسلامي.
الوفاء لهذا المخطوط والقيام بحقه إنما يكون بإنتاج مخطوط جديد، أي معرفة جديدة نحن مبتكروها، لا مستنسخوها ولا مقتبسوها ولا آخذوها ولا متلقوها من غيرنا.
ولن يتحقق لنا ذلك إلا بتوسيع قاعدة الإفادة من التراث.
ومع الانحسار الحضاري الذي هو في أسوأ صوره، والاضطرابات والخلافات والصراعات التي تنشب في منطقتنا نحن دون بقية مناطق العالم لا نجد مثل التراث بطاقته الروحية التي يختزنها يمكن أن يمنحنا الأمل والثقة ويخفف من الغلواء والشطط.
إننا ما زلنا نراهن على الثقافة والتربية وعلى التراث وعلى رمز هذا التراث "المخطوط العربي".
وقال د. عبد الله عبد الرحيم عسيلان، شخصية العام التراثية: رحلتي مع المخطوطات جعلتني أتجاوز حدود الزمن وأكتشف العقلية المبدعة للعلماء المسلمين في كل مجال من مجالات العلم والمعرفة.. أجيال تجافت جنوبها عن المضاجع وهي ترصد ذاتها وتشيد صروح حضارتها كل ذلك من خلال آلاف المجلدات من المخطوطات التي كانت تلتف من حولي داخل نطاق مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت في قبلة المسجد النبوي.
عالم المخطوطات استحوذ على مشاعري، ومن المؤسف أن الكثيرين من أبناء الأمة العربية والإسلامية لا يشعرون بوجوده.. هم في حاجة إلى من يشحذ أذهانهم للإحساس بأهمية المخطوطات ونشر المفيد منها محققاً تحقيقاً علمياً.
ومن جانبه قال د. مجاهد توفيق، مؤرخ الأزهر الشريف: حين ضاع المخطوط العربي ضاعت هيبتنا وكرامتنا وأصبحنا نستجدي مكتبات العالم كي ترده لنا ومنها مكتبة المتحف البريطاني ومكتبة باريس ولا يطلع عليها إلا رؤساء الدول العربية ومع ذلك لا يجرؤ أحدهم أن يطالب باستردادها أو حتى استنساخها.
وأكد أن المعني بالمطالبة باسترداد هذه النفائس هي وزارات الثقافة والخارجية في الوطن العربي وكذلك جامعة الدول العربية والمفروض أن تطالب بيوم عالمي للمخطوط العربي تعرض فيه المكتبات الغربية مخطوطاتنا أمام الجمهور.
وأكد د. خالد فهمي الخبير بمعهد المخطوطات العربية أن التراث المدون في الأوعية المادية اصطلح على تسميته بالمخطوطات وأنه آن الأوان لنزيل التراب ونعرف بهذا التراث الهائل الذي يتجاوز 3 مليون وعاء مادي أو مخطوطات أصول بخط المؤلفين أنفسهم.
وأضاف: هناك قوانين تم تشريعها في بعض الدول العربية بشأن المحافظة على المخطوط والعناية به وهنالك تشريعات تنتظر التصديق من برلمانات دولها.
وطالب بإصدار وثيقة قانونية موحدة في كل البلدان العربية تحمي المخطوط من السرقة والضياع وسوء الحفظ وسوء التخزين.
وأشار إلى أن أجهزة التأمين في كثير من المكتبات دون المستوى المطلوب.
ولفت إلى أنه من الأشياء التي ينبغي أن ننجزها في طريقنا للإعتناء بالمخطوطات: التشريعات القانونية الملزمة ـ افتتاح جامعة كاملة بكليات مختلفة للقيام بدراسة وحفظ وتحليل وتحقيق المخطوطات باعتبارها منجز العقل العربي المسلم على امتداد 15 قرن من الزمان ـ تأهيل عدد كبير من الباحثين في مجال المخطوطات ودعمهم فنياً ومادياً كي يتفرغوا للمحافظة على هذا التراث.
وقال الكاتب حلمي النمنم: المخطوطات تواجه المخاطر في كل مكان وبخاصة في سوريا والعراق وفلسطين. واليمن من البلاد الغنية بالمخطوطات العربية وأتمنى ألا تطولها يد التدمير والخراب.
وقال د. أيمن فؤاد سيد، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، وصاحب كتاب "المدخل إلى علم الكتابة بالحرف العربي " (كتاب العام التراثي)، إن كتابه يعد من أهم الكتب التي تركز على المخطوط بوصفه وعاءاً للمعرفة.. مشيراً إلى أن علم المخطوطات هو علم جديد نشأ بالغرب واهتم به الفرنسيون.
وأضاف: "هذا الكتاب الذي ترجمته يهتم بالتطبيقات الفيزيائية والكيميائية من حيث تحليل الأوراق والأحبار والأصباغ الموجودة في المخطوطات.. إنه يعد تنظيراً لعلم المخطوطات وقد بدأوا في أوروبا في تطبيقه على المخطوطات اللاتينية واليونانية القديمة منذ قرابة 30 عاماً ونحاول بإذن الله أن نطبقه على مخطوطاتنا العربية".