حوار مع الفنانة التائبة هناء ثروت
والمهرجان الإنشادي النسائي الدولي
نجدت لاطة
أُقيم قبل شهر رمضان بقليل المهرجان الإنشادي النسائي الدولي في العاصمة عمان، وكانت من المدعوات إليه الفنانة التائبة هناء ثروت، وكان مرافقاً لها زوجها الفنان التائب محمد العربي، ولكن المهرجان كان خاصاً بالنساء. وقد وقفت على باب المهرجان أستطلع نوعية الجمهور، فكان جميع النساء اللواتي حضرن من الملتزمات فقط، فلم تحضر امرأة سافرة إلا واحدة أو اثنتان، ولعهما جاءتا بالغلط ، وقد التقيت بالفنان هناء ثروت وتحدثت معها دقيقة واحدة، فالفنانة هناء ثروت لم تسمح لي باللقاء، ولم تسمح لغيري، وقد سألتها في هذه الدقيقة سؤالاً كبيراً، ولكن للأسف لم تعرف الفنانة الإجابة عليه، وبالأحرى أجابت إجابة خاطئة تدل على عدم وجود فهم دعوي صحيح لديها..
وأنا بقيت عدة أيام أحاول مقابلتها، ولكن كانت ترفض دائماً، وكانت ترفض مقابلة كل الصحف والمجلات والقنوات الفضائية، أي أنها ترفض فكرة المقابلات. وليت الأمر وقف عندها، وإنما كان زوجها الفنان التائب محمد العربي كان أيضاً يرفض فكرة المقابلات الصحفية والتلفزيونية.
والغريب في الأمر أن الفنانة هناء ثروت كانت ترفض حتى مجرد الحديث معي، لذا جئت إلى باب المهرجان ووقفت في وسطه، والذي يريد أن يدخل منه لا بد أن يزيحني بيديه، ثم جاءت الفنانة فوجدتني أمامها ـ بالغصب ـ فقلت لها : يا ست هناء النساء الموجودات في داخل القاعة كلهن من الملتزمات، أي من المهتديات، فأنت لمَن تركتِ النساء غير الملتزمات اللواتي يمثلها معظم المجتمع؟ فقالت: الباب مفتوح للجميع فلماذا لا يأتين إلى هنا؟ فقلت لها: وهل الداعية تنتظر أن يأتيها النساء أم هي التي يجب عليها أن تذهب إليهن؟ فلم تجب، ثم أشاحت بوجهها وهي تنهي المقابلة ـ بالغصب ـ فأفسحت لها الطريق وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله على هؤلاء الداعيات اللواتي يقدمن مفهوماً خاطئاً عن العمل الدعوي الخاص بالمرأة الداعية.
وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكتفي بدعوة الصحابة وتحسين حالتهم الإيمانية؟ أم أنه عليه الصلاة والسلام كان يعطي نصف وقته لتحسين الصحابة، والنصف الآخر يعطيه لوفود القبائل القادمة إلى مكة والمدينة فيدعوهم إلى الإسلام؟ ومن هنا نجد أن إمام الدعاة حسن البنا رحمه الله تعالى ترك المساجد وترك المصلين فيها، باعتبارهم مسلمين مهتدين، ونزل إلى الشارع وإلى المقاهي يدعو الناس غير الملتزمين، باعتبارهم بحاجة قبل غيرهم إلى الدعوة وإلى الالتزام، لذا نجحت دعوته وأصبحت تطبق الآفاق.
والمشكلة أيضاً أن مسؤولة المهرجان كانت أشد تزمتاً من الفنانة التائبة، فقد سألتها عن أسماء المنشدات اللواتي سينشدن في هذا المهرجان العظيم، فقالت: هناك مجموعة من المنشدات، فسألتها: وهل بينهن المنشدة ميس شلش؟ فقالت: لا، لأننا لا نقبل منشدةً تنشد أمام الرجال. (باعتبار أن المنشدة ميس شلش تنشد أمام الرجال والنساء بعد أن أفتى لها فقيه العصر الشيخ يوسف القرضاوي). وهل يُعقل أن تغيب منشدة كبيرة كميس شلش عن مهرجان نسائي في بلدها؟ وهل بين المنشدات أجمل صوتاً من ميس شلش؟ إن ميس شلش هي أكبر المنشدات في النشيد الإسلامي، وهي رائدة النشيد النسائي. لذا شعرت حينها أن المهرجان لا خير فيه، فلا خير في فهم أعوج لدين الله.
أعود إلى الأسئلة التي جهّزتها لمقابلة الفنانة هناء ثروت، وأنا سأحاول الإجابة عنها، أي سأخلط السؤال بالإجابة..
السؤال الأول ـ يا ست هناء، هل من المعقول أن نتعرّف عليك أيام الجاهلية، ثم ترفضين أن نتعرّف عليك بعد التوبة، وترفضين حتى الحديث معنا؟ يا ست هناء، أنت شخصية كبيرة في المجتمع، وتوبتك وتوبة كل الفنانين والفنانات كانت حدثاً كبيراً في مجال الدعوة، وتوبتكم كانت كتوبة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكما أن مكة المكرمة ارتجّت واهتزت من إسلام عمر، فكذلك كانت توبة الفنانين والفنانات، حيث صارت توبتهم على كل لسان وفي كل صحيفة وفي كل قناة فضائية.
وحين أسلم سيدنا عمر قال: ما مِن موطئٍ كنت أحارب فيه هذا الدين إلا ورجعت إليه ودعوت فيه إلى الله. وقد قال الشيخ يوسف القرضاوي للفنانين التائبين والفنانات التائبات خلال سهرة خاصة بهن : عليكم أن ترجعوا إلى الفن وتقدموا فناً ملتزماً بالقدر الذي تستطيعونه. أي تتدرجون فيه شيئاً فشيئاً، والتدرّج في ديننا هو سمة واضحة في القرآن، لأنه من غير المعقول أن ننقل الناس دفعة واحدة إلى الالتزام، ومن غير المعقول أن ننقل الفن دفعة واحدة إلى الالتزام الكامل.
السؤال الثاني ـ يا ست هناء، توبة الفنان لها شروط خاصة، وهي تختلف عن توبة الإنسان العادي، ولكي تعرفي القصد أضرب لك أمثلة، فمثلاً: الكاتب العلماني الذي تاب لا بد أن يسخّر قلمه في نصر الحق بعدما كان يسخّره في نصر الباطل، فإذا سخّر قلمه في نصرة الحق نقول عنه: حسن إسلامه أو حسنت توبته. إما إذا تاب ثم ترك قلمه وجلس في بيته فنقول عنه كما نقول عن المجاهد الذي ترك ميدان القتال وانزوى جانباً، لأن الله تعالى سيسأل الكاتب التائب عن علمه وعن ثقافته ماذا فعل بهما، وسيسأله عن قلمه فيمَ سخره بعد توبته؟ لأنه من غير المعقول أن نترك أهل الباطل يشكلون ثقافة الناس ونجلس نحن في البيوت، لاسيما أن جهاد القلم والثقافة أمضى من جهاد السيف.
ومثال آخر: السارق الذي يسرق أموال الناس إذا أراد أن يتوب فيجب عليه أن يعيد للناس أموالهم التي سرقها منهم بالقدر الذي يستطيعه، لأنه من غير المعقول أن يبقى السارق التائب يتمتع بأموال الناس بعد توبته.
وبالنسبة إلى الفنان فهو كما نعلم قد سرق أخلاق الناس بفنه الهابط، أي كان له دور خطير في تخريب أخلاق الأجيال الشابة.. فإذا أراد الفنان أن يتوب وتحسُن توبته فعليه أن يحاول بالقدر الذي يستطيعه أن يستخدم كل وسيلة شرعية لتحسين أخلاق الناس الذين أفسدهم بفنه السابق، فمثلاً هناك الدعوة في المساجد وإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات، وهناك إجراء المقابلات الصحفية والتلفزيونية يحكي الفنان من خلالها عن قصة توبته، فيتعظ الناس بهذه التوبة، وهناك المساهمة في تقديم البرامج التلفزيونية الهادفة، لأن القنوات الفضائية الإسلامية ترغب أن يكون مقدم البرنامج من الفنانين التائبين والفنانات التائبات، لأن البرنامج سيجذب حينها جمهوراً أكبر.
وهناك المشاركة في تقديم الأفلام والمسلسلات والمسرحيات الملتزمة التي هي أكثر تأثيراً من جميع الوسائل الإعلامية، وفي حال كانت هناك فتاوى تحرّم التمثيل والأفلام والمسلسلات، فهناك فتاوى أخرى تحلّها وتجيزها ضمن شروط الانضباط الشرعي.. والفنان التائب الحكيم ( والفنانة التائبة الحكيمة أيضاً ) ينبغي عليه أن يأخذ بآراء العلماء الذين يجيزون التمثيل ضمن شروط الانضباط الشرعي، لأن الأخذ بهذا الرأي يعينه على تصحيح ما خرّبه من أخلاق الناس. وليس من الحكمة في شيء أن يأخذ الفنان التائب بفتوى حرمة التمثيل، بمعنى أنه إن كانت هناك رخصة تفسح له المجال في تصحيح توبته فينبغي عليه أن يأخذ بها وليس العكس. وبمعنى آخر ينبغي على الفنان أن تذهب نفسه حسرات على الذين أفسدهم بفنه السابق، فيبذل كل ما في وسعه لكي يصلح ما أفسد.
أما حين يكتفي الفنان التائب ( وكذلك الفنانة التائبة ) في إلقاء محاضرات في أناس تائبين ومهتدين في المساجد أو في قاعات مختلفة ( وطبعاً سيكون عدد الذين سيلقي فيهم هذه المحاضرات محدوداً جداً لا يتجاوز الآلاف ) ثم يترك الملايين الذين أفسدهم إلى أهل الفن الهابط .. فتوبة هذا الفنان التائب ليست بتوبة كاملة وليست توبته توبةً نصوحاً كاملة، ولم تحسن توبته بالقدر الكافي.
وتوبة الفنانة هناء ثروت والفنان محمد العربي ( وكذلك الفنانة شمس البارودي ) هي من هذا النوع من التوبة، أي توبتهم ناقصة، وأنا أشبه توبتهم بتوبة رجل فارس مغوار، ولكنه انزوى عن المعركة الكبرى وانشغل في معارك صغيرة ليست بذات أهمية.
والمشكلة أن هؤلاء الفنانين الثلاثة أصبحوا يقفون حجر عثرة في طريق الفن الملتزم، وذلك لأنهم يشيعون بين الفنانين التائبين وبين الناس أنه يصعب تقديم الفن الملتزم في هذا الزمن، وهذا يعني أننا نترك الناس لأهل الفن الهابط.
أما بقية الفنانين التائبين والفنانات التائبات فالحمد لله أنهم عادوا إلى التمثيل ضمن شروط الانضبط الشرعي، فهناك مثلاً حسن يوسف ومحمود الجندي وسهير رمزي وسهير البابلي ومديحة حمدي وصابرين ومنى عبد الغني وحنان ترك وحلا شيحة.. فهؤلاء يقدمون ـ من خلال وعيهم الكبير ـ أدواراً خيّرة تنفع المشاهدين.