المقامة الكهربائية

مقامات آخر الزمان

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

حدثنا صابر بن حيران. قال : وصلت إلى بلاد الرافدين, قادما من البحرين. فبينما أنا في بعض أسواق ميسان, أتأمل الشعارات المخطوطة على الجدران. إذ طلع رجل بمولدة صغيرة قد اعتضدها, وعصا قد اعتمدها, وكوفية قد اعتمرها. . فرفع عقيرته. وقال : اللهم يا مبدئ الأشياء ومعيدها, ومحيي العظام ومبيدها. وخالق الكهرباء وتيارها, وفالق المصابيح وأنوارها. أسألك أن تعينني على الأسلاك التي تقطعت أوصالها, وعلى إصلاح هذه المولدة التي توقف اشتغالها. وأنشأ يقول :نشأ يقول 

إن يبلغ السيل الزبى يكن الدمار     هي ذي طقوس الإنهيار

فدنوت منه. فإذا هو الشيخ محسن بن جبر. فقلت له ما بك يا شيخ ؟. فقال : لاَ نَصْرَ مَعَ الخِذَلاَنِ، وَلاَ حِيلَةَ مَعَ الْحِرْمَانِ. فنحن نبكي في الظلام, ونضحك في الظلام, ونأكل في الظلام. حتى لم نعد نميز أصابعنا من طعامنا, وأبوابنا من شبابيكنا. فقد تسيدت جيوش الدياجير, واقتادت خيوط النور إلى الأحافير, فاشترينا المولدات بآلاف الدنانير. لتأمين الإضاءة والتنوير. وأنفقنا اجورنا والرواتب, حتى خسرنا كل شيء إيها المعاتب. .

قال صابر بن حيران : فشهدت شواهد حاله, على صدق ما قاله. ثم قال الشيخ : تشوينا حرارة الصيف. وننام في الليل على الرصيف. وتكوينا الشمس اللاهبة, ويزعجنا ضجيج المولدات الصاخبة. وتحرقنا الرياح اللافحة. ونتبرد بالمياه المالحة. حتى تيبست جلودنا, وضعف عودنا, وتبدد صمودنا. فمصيبتنا أطول من أن تحد, وأكثر من أن تعد. فاستعنا بالصبر والدعاء, والعويل والبكاء, على ما فعلته بنا الكهرباء. وها نحن نرضع من الوعود ثدي عقيم, ونركب من الأمل ظهر بهيم. فهل من كريم يجلو آثار هذا الكابوس, ويزيح عن كاهلنا قيود النحوس. ويعيد البهجة إلى النفوس. .

قال صابر بن حيران : فأشفقت على الرجل, وحملت معه المولدة على عجل. ثم اشتريت له جليكانا من النوع المتين, لكي يستعين به في حفظ البنزين, وتخزين الوقود والكيروسين. فلما وصلنا إلى داره, وأسدل علينا الليل ستاره. فرش الشيخ بساطه, ومد سماطه. وتناولنا العشاء في الظلام الدامس. وتحسسنا أصناف الطعام كذوات اللوامس. ثم استلقينا في العراء, وانشغلنا بمراقبة نجوم السماء. واشتد اللهيب المحموم, وهبت علينا رياح السموم. فولينا ظهورنا الأرض, وعيوننا لا يملكها غمض. نتقلب ذات اليمين وذات الشمال, حتى قضينا وطرا على هذا الحال. فامسك الشيخ بالمهفة, وهو ينتظر عودة الكهرباء بلهفة. ثم راح يناجي مهفته, ليسلي من عنده. فأنشأ يقول :

ومحبوبة في القيض لم تخل من يد       وفي  القر  تجفوها  أكف الحبائب

إذا  ما الهوى المقصور هيج عاشقا      أتت بالهوى الممدود من كل جانب

قال صابر بن حيران : فقلت كان الله في عونكم يا شيخ. فنظر إليّ نظرة مكسورة, وذرف دمعة مستورة. وقال : لو فتشت خارج العراق, وجبت الثغور والآفاق. والبدو والحضر, وتميم ومضر, وموريتانيا وقطر, وعمان ومصر. لم تجد فيها قرية بلا كهرباء, وليس فيها من يعاني من سموم العقرباء. فنحن نعيش في العصر الجلكاني, ويصعب حالنا على القاصي والداني. هذا ونحن أكثر الناس بترولا ونفطا, وطاقة ووقودا, وأرصدة ونقودا. أنهارنا عجب, وأرضنا الذهب. أولها الرطب, وأوسطها العنب, وآخرها القصب. فجعجع بنا الدهر إلى ذل الكهرباء, وتراكم المولدات بالفناء. ومد الأسلاك في العراء. .

قال صابر بن حيران : فلما انتضى نصل الصباح, وبرز جيش المصباح. تركت ميسان في هذه الظروف الكأداء, والعيشة الضنكاء, وقررت الكف عن النقد والهجاء, ومشاركتهم في معالجة مشاكل الكهرباء. .

فحبذا لو تضافرت الجهود. وحبذا لو أوفت وزارة الكهرباء بالعهود. والتزمت بالوعود. واندفعت نحو المحمود. وتجاوزت القيود. لتحقيق الهدف المقصود. .

ونتمنى لها النجاح في إصلاح المحولات, وصيانة المحطات. وتوفير المستلزمات, وتنفيذ المتطلبات. والله ولي التوفيق في كل الأوقات. .