حوض النعنع..
حوض الفن الراقي!
ضرغام كنانة
*في كل مرة أزور فيها مدينة حيفا، تزداد روحي ثقافة وفن وإبداع، ولا أنكر أن هذه المدينة تحولت بفضل مبدعينا العرب، إلى محج لمتذوقي الفن والثقافة وأنا واحد منهم.
شاهدت مؤخرا، إبداعية "حوض النعنع" لفرقة "سلمى" في قاعة كريغر القابعة على سفوح الكرمل، وبصراحة، لم أتوقع مثل هذا العمل الاستعراضي الفخم.. في البداية أخذت أفكر في الميزانيات الضخمة التي صرفت عليه.. وأخذت أرثي لوضع القيمين على الفرقة.. فمن أين لهم أن يصرفوا كل هذا ونحن نعرف وضع فرقنا ومؤسساتنا المادي.. ووصلت لنتيجة، مفادها، أن من يقدم على مثل هذا الإنتاج الضخم، لهو بطل مغوار.. وهنا يليق هذا اللقب على فنانتنا البطلة فريال خشيبون.. وأنا أعرف أنها تستعين بكادر جيد حسب ما قرأت في الكتيب الذي تم توزيعه على مدخل القاعة، لكن من الواضح، أنها وراء كل كبيرة وصغيرة.. وعلمت أن السيد ألبير اندراوس، يقوم بعمل جليل في دفع وتطور الفرقة، من حيث الإدارة الفعالة.. وهو يستحق الثناء الكبير على ذلك.
لنعد للعرض الكبير.. نادرة هي العروض الاستعراضية الجيدة التي تقدم على مسارحنا الفلسطينية داخل حدود الـ 48، والأقل هي العروض التي يمكن أن يقال عنها بأنها كاملة ومستوفية جميع عناصرها الفنية.. في البداية أريد أن أنوه إلى أن القصة الصغيرة نوعا ما، والتي كتبها أديبنا المعروف محمد علي طه، والتي من أجلها صمم هذا العرض الضخم، فهي رغم قصرها، إلا أنها غنية بالمدلولات الوطنية، التي تعتمد على الأسلوب الساخر في نقد مجتمعنا، وتضرب قويا عقدة "الخواجا" الموجودة في شرقنا.. لقد نجح طه في تقديم قصة بسيطة إلى أبعد الحدود وعميقة في قاع الفكر، بأسلوب جذاب أمتع جميع من حضر.
أما بالنسبة للمثلين الذين ترجموا هذا النص على الخشبة، فأقول بأن أكرم خوري، كما عهدناه، عاد إلى الخشبة كالثور الهائج، يدرك ويتقن قوانين اللعبة المسرحية، ويغوص في الدور إلى أخمص قدميه.. فمباركة عودتك يا أكرم.
أما سعيد سلامة، وبخفة ظله، استطاع أن يقدم لنا دورا مميزا، لا يتلائم مع شخصيته الحقيقية، وقد أتقن الدور، لدرجة أن الذي لا يعرفه على حقيقته، يعتقد أنه كذلك، ويعتبر اختياره لهذا الدور من أنجح القرارات في المسرحية.
الفنان إياد شيتي، كحبة الباذنجان، يستطيع أي مخرج شاطر أن يخرج منه الكثير، وها هو في هذه المسرحية، يقدم وجه جديد من وجوهه المتعددة، ويستطيع خطف الأبصار والضحكة باستمرار، إلى جانب زملائه بجدارة.
رنين بشارات، أصبح المسرح في دمها، وما أن تدخل خشبة المسرح، حتى يخرج منها التمثيل والإبداع على الفور، فهي فنانة في كل مكان، إن كن ذلك على الخشبة أو خارجها، وزادت لهذا العمل، طعم آخر من الأطعمة الذكية.
أما عضوة الفرقة نيفين دباغ، التي قامت بدور قصير، فهي أيضا لم تألو جهدا في إتقان دورها، وأتوقع لها مستقبل باهر في مجال التمثيل، إذا امتهنت هذا الكار.
الراقصون والراقصات وعددهم (30)، هم الذين قدموا الوجبة الكبيرة والدسمة في هذا العمل.. وطيلة العرض وأنا أتساءل: كم من المراجعات والتمرينات مارسوا؟ ألم يتعبوا كثيرا أثناء ذلك، وكيف استطاعوا تنفيذ كل هذه الحركات بحذافيرها، كيف لا يخطئون؟ يدخلون ويرقصون، ثم يخرجون ويبدلون الملابس ويعودون للرقص بحركات مختلفة تماما، والبسمة لا تفارق وجوههم.. ألا يتعبون.. هم يعرفون بقرارة نفسهم بأنهم يمتعوننا، وبأنهم سيخطفون التصفيق تلو التصفيق، فيزيدون من الإبداع والانبساط، فهنيئا لكم يا راقصون ويا راقصات على هذا العرض، وهنيئا لك يا فريال على هؤلاء، وهنيئا لهم عليك.. والرقصون هم: نيفين دباغ، أماني سلامة، رنا عبده، ريهام عبده، نسرين حنا، أمان جرايسي، نغم سرور، فاطمة فضل، رشا أبو شقارة، ميساء سبيت، انجلينا بلان، جورجينا، لانا فاهوم، ريم دكور، حنين قبطي، لينا غريب، ميساء شحادة، منى حوا، هيدي عبود، ردينة سروجي، عرين عوض، سمر يونس، يارا داهود، آنا نمر، ماريا هلون، رياض نجار، بشير سلامة، حسام خشيبون، ناصر حنا، تامر سعيد، سامر كرزم، ادهم زعبي، أليف خشيبون، عدي قبطي، ولاء سبيت وفادي طعمة.
فريال، يا فريال.. ما أجملك وأنت تصعدين على خشبة المسرح، متأثرة بكل ما صنعت يداك، منفعلة حتى الدموع.. فأنت الأساس، وأنت المصممة للرقصات والمدربة في نفس الوقت، وقد تحولت تدريجيا إلى المخرجة أيضا لكل العمل، ومن ينسى تاريخك المسرحي.. وأنت مصممة الملابس الرائعة، التي فتنت نفوس المشاهدين.. وأنت، وأنت.. وأنت كل قطرة عرق سقطت لنسكر منها نحن المشاهدين الذين لم نقدم سوى بضعة شواقل.. فألف ألف شكرا لك على هذا الحوض الكبير من الفن الراقي.
علمت بأن هناك عرضين قادمين للإبدعية يوم السبت 11/10/2008 في قاعة "كريغر" في حيفا الساعة الثامنة والنصف، ومساء يوم الأحد في قاعة "بيركوفيتش" في "نتسيرت عليت" لأهالي الناصرة والمنطقة..