فإن للنسيان سلطة...

كلما رأيت شاعراً مبدعاً يقطع المسافة بين أيام لها دموع دون أن يجد من يمسح له دمعة واحدة من صغار الفنانين الذين يتكسبون من أغنياته ويحشون جيوبهم بالملايين والشاعر المسكين لا يجد ثمنا لحبة من الإسبرين يحملها لطفل له يشكو صداعاً، ترى إلى متى يظل هذا الظلم صديقاً للشعراء ؟ ترى إلى متى يظل هؤلاء الشعراء يزرعون البساتين يروونها بدموعهم ثم يأتي الحصاد فلا ينالهم منها إلا (تمرات) وكوب ماء؟ المدهش في الأمر أن قانون حقوق المؤلف أكد أن الحق الأصيل يعود إلى الشعراء ، أما الفنانون فإنهم من أصحاب الحقوق المجاورة وبالرغم من ذلك تذهب حقوق الشعراء تحت أقدام صغار الفنانين.. فمن هو المسؤول عن هذا الظل؟ ليتني أعلم أخي الوزير سيد هارون.

٭ قال القائد المعروف هولاكو ليس هناك فارس يمكن أن يهزمه في معركة إلا ابنه وأضاف انه لن يموت بطعنة من سيف ابنه لكنه يموت من قطعة لكبده شهرت أمامه سيفها.. وقال الشاعر مبارك حسن خليفة إن ابنه تعرض مرة إلى وعكة صحية أدت إلي إجراء عملية جراحية مستعجلة فأكد أنه ظل لمدة ساعات يحس انه من دخل إلى غرفة الجراح وليس ابنه ، أما جراح القلب المشهور (برنارد) فقد رفض إجراء عملية جراحية لواحدة من شقيقاته قائلاً إن عاطفته قد تتغلب عليه أثناء إجرائها فتعرضه لارتعاشة في أصابعه لا تؤمن عواقبها فكلف زميلاً له بإجرائها.

٭ بعد أن توفيت زوجته أكد لي أنه لن يضم إلى قلبه زوجة أخرى ، أذكر أنني كنت أقول له دائماً أن الحب مهما كان قوياً بذكرياته فإن للنسيان سلطة أقوى مؤكداً له أنه لابد وأن يتزوج يوماً ، كان ينظر إلي بحزن ثم يبتسم ، غادرت بعدها مهاجراً فنسيته ونسيت أياماً كانت لنا في مدينة كسلا ونحن نتوهج شباباً، إلا أنني أثناء إجازة قصيرة أمضيتها بين الأهل في كسلا تفاجأت برؤيته أمامي وقد بدا لي كهلاً حزين العينين، فأخذت أضمه إلى صدري وأنا أسأله عن حاله وحال عياله ؟ فأخبرني أنه لم يتزوج وأنه ظل على كلمته التي قالها لي قبل أكثر من ثلاثين عاماً.

٭ كلما تأملت في نمر مخلوع الأنياب يتقافز على سيرك متجول وحوله مجموعة من الأطفال يرمونه بالمخلفات ، أحس أن داخلي يحترق ، خاصة عندما تتوالى ضربات على ظهره من سياط المدرب والناس يتفرجون عليه وهم يتضاحكون ، وأنا أؤكد لهؤلاء من قناصة البطولات الرخيصة لو أنهم ذهبوا إليه هناك في غابة امتلكها لما تجرأ واحد من الاقتراب منه ولو كان على بعد مئات الأمتار ولكنهم عملوا على تخديره ثم أقدموا على خلع أنيابه ، ثم رموا به داخل حلبة السيرك ليجعلوا منه أضحوكة للأطفال، وبيننا كثيرون مثل هذا النمر تعرضوا إلى كسر في الكبرياء فصاروا مثله ، ولكن ليس على حلبة للسيرك إنما على مسرح للأيام.

٭ قال أستاذ سابق في كلية الموسيقى والدراما من أصل كوري إن الطالب في كوريا يمكن أن يرسب في عدد من العلوم ولكنه يجد فرصة إلى الانتقال إلى صف دراسي أعلى أما الطالب الذي يرسب في مادة الموسيقى فإنه لن يحصل على فرصة الانتقال إلى صفٍ أعلى إلا إذا نجح فيها، وأشار هذا الأستاذ إلى أن أي منزل في كوريا لا توجد بين أحضانه آلة للبيانو لا يعد صاحبه إنساناً وأضاف أن رقة الأنغام الموسيقية لها قدرة هائلة على غسل المشاعر الإنسانية من الكره.. وأضاف أن الذي يؤكد ذلك خلو السجون الكورية من النزلاء، وذلك لأنهم شعب يتنفس موسيقى.

هدية البستان

أقفل عليك الباب لا حب ولا أحباب

أنا وإنت يا قلبي أحسن نعيش أصحاب

وسوم: العدد 685