البحر القديم...

لو أن عبقرية الذهن ذهبت إلى انشتاين، وأن عبقرية العاطفة ذهبت إلى دستوفسكي ليعلم الجميع أن عبقرية الكلمة الشاعرة ذهبت إلى (سند)، أذكر أن سند شارك في إحدى الأماسي الشاعرية في إمارة الشارقة برائعته الخالدة (البحر القديم) أمام عدد من كبار الشعراء القادمين من مختلف الدول العربية، وبمجرد أن انتهى من قراءته للقصيدة كادت جنبات المسرح أن تهتز تصفيقاً، قال لي الشاعر الإماراتي عارف الخاجة لقد استمعت لكثير من الشعراء، إلا أن شاعر (البحر القديم) جاء من زمن قديم غير زماننا.

٭ في البدايات الأولى من الستينيات كنا نقيم سوياً أنا وبجانبي الأخوان العزيزان الشاعر الراحل عمر الطيّب الدوش والقاص الكبير عيسى الحلو.. وذلك في منزل متواضع في حي العرضة بأم درمان جدرانه من الأسى وعرشه من الحنين.. كان عيسى يعمل أستاذاً لمادة اللغة العربية في مدرسة الدوش الثانوية.. أما عمر فقد كان أستاذاً للغة الإنجليزية في نفس المدرسة.. كنا نلتقي نهاراً ونظل في أنس مستمر تتخلله ضحكات طفولية لم تكن تعلم أن هناك اخطبوطاً من الأيام ينتظرها بألف عين.. أذكر مرة أن الأستاذ عيسى الحلو حدثني في أمر أزعج الشاعر الراحل عمر الطيّب الدوش كثيراً.. حيث قال لي إن الموهبة الشعرية لا يمكن أن ترتقي إلى سماوات إبداع حقيقي إلا في حالة واحدة.. وهي أن تقرأ لكل من كتب حرفاً أخضر.. طلب منه الأخ عمر أن يدعني كما أنا.. وأكد له أن قدر الأنجم أن تولد ببريقها.. ونبهه إلى أنه لم ير يوماً عندليباً التحق بمعهد للموسيقى.

٭ أخذ الفنان عبد الحليم حافظ يتأمل في حارس لإحدى العمارات المملوكة له يتناول طبقاً من فول ساخن بطريقة فيها من متعة كاد أن يحسده عليها، فقال لنفسه ليتني أنا وهذا الحارس تبادلنا مواقعنا في الحياة، أن يكون هذا الحارس هو الفنان عبد الحليم حافظ يأكل بأمر من الطبيب ويشرب بأمر من الطبيب، وأن أكون أنا هذا الحارس أتناول صحناً من الفول الشهي دون تعليمات من طبيب.

٭ أكد أحد أصدقاء الرسام العالمي دافنشي أنه لم يرسم لوحة الموناليزا من وحي امرأة أحبها، ولكنه رسم لوحته لامرأة مستحيلة صاغها من خياله وأضاف أن عدداً من المؤرخين حاولوا أن يكشفوا عن السر الذي يكمن خلف الابتسامة الغامضة، إلا أنهم فشلوا في ذلك، ليتهم يعلمون أن الرسام الكبير كان يرسم ابتسامة بحث لها عن وجود بين البشر فلم يجد لها أثراً.

٭ عشرون عاماً وأنا أتمنى أن أسمع أغنية سودانية واحدة من خلال أثير إذاعة عربية واحدة.. عشرون عاماً وأنا أنتظر أن أسمع أغنية لوردي أو كابلي أو أي نغمة سودانية الملامح في تلك الإذاعات دون جدوى.. أما إذاعاتنا الخاصة لكثرة ما قدمته من أغانٍ عربية وأجنبية، دخيلة المعاني كادت أن تقضي على هويتنا إلى حد أضحت فيه العروس تزف إلى عريسها على إيقاعات الزفة الأجنبية والرقصات الأفريقية والأنغام (الما هيا) ، ترى من الذي أوحى للعريس أن يستبدل زفته بأغنية أجنبية بدلاً عن أغنية (يا عديلة يا بيضا) .

٭ هدية البستان

حمام الوادي يا راحل مع النسمة الفرايحية

مع الياسمينة عز الليل تواصل رابية منسية

صغارك مشتهين ترجع تضم العش بي حنية

تسيبهم مش حرام للريح وعارف القاسو ما شوية

اخر لحظة

وسوم: العدد 690