ملاحظات تاريخية مهمة تؤخذ بالحسبان عند مشاهدة مسلسل قيامة أرطغرل
بعد متابعتي لـ (70) حلقة من مسلسل قيامة أرطغرل التركي الشهير، قرابة (140) ساعة من العمل الدرامي تشمل الموسم الأول (الحلقات 1-26)، والموسم الثاني (الحلقات 27-61)، والموسم الثالث (الحلقات 62-70 إلى الآن)، وما زال المسلسل مستمراً.
وبعد الرجوع للويكيبيديا، والاستعانة بملاحظات الدكتور نايف العجمي جزاه الله خيراً، قمت بتأريخ المسلسل بالسنوات الهجرية والميلادية، ولخّصتُ هذه النقاط من الإيجابيات والسلبيات التي يجب أن توضع في الحسبان عند مشاهدته، راجياً من المهتمّين به والمتابعين له صغاراً وكباراً قراءتها ومشاركتها لتعمّ الفائدة إن شاء الله.
المسلسل يتابعه الملايين تركيّاً وعربيّاً، وهو عمل رائع من الدراما التركية، فأيام الحكم العلماني قامت الحكومة بتشويه الخلافة الإسلامية، وأساءت للتاريخ الإسلامي، وللتاريخ العثماني بصورة خاصة، أما مسلسل قيامة أرطغرل فقد جاء لتحسين صورة الإسلام والخلافة الإسلامية. وللأسف أن معظم الشعب العربي يتابع المسلسل دون خلفية تاريخية، ولم يكن يسمع بأرطغرل قبل هذا المسلسل! وأحدهم أنا.
إيجابيات المسلسل:
1- بث روح العزة والكرامة والأمل في ظل واقع بئيس نعيشه اليوم، فمعظم أحداثه عبارة عن انتصارات وفتوحات إسلامية تفقدها الأمة اليوم.
2- غرس المسلسل في أذهاننا أن العبرة في إقامة الدولة والتمكين في الأرض ليس بالكثرة وليس بالعدد والعدة فقط، بل العبرة بحمل الهم والإيمان بالقضية، وبذل التضحيات في ذلك.
3- ربط المسلسل جميع الفتوحات والانتصارات بالله سبحانه وتعالى، بالتوكل عليه والثقة به والإلتجاء إليه.
4- إقامة الدولة والتمكين في الأرض لا يعتمد فقط على القوة العسكرية، بل لا بدّ من الخطاب الدينيّ المُلهم، (وهذا ما شاهدناه بارتباط ابن العربي الأندلسي بأرطغرل) وكيف كان يثبّته بالمواقف الصعبة بقصص الأنبياء والصحابة وأخبار الفاتحين.
5- يؤكد المسلسل أن العاقبة للمتقين في جميع الأحداث، (مع الصليبيين وفرسان الهيكل، ومع المغول، ومع الخونة).
6- للأمة عدوّان دائماً، عدوّ خارجي وعدو داخليّ أخطر وأنكى وأضرّ، وبين المسلسل أن عاقبة الخونة سيئة وقبيحة، فهم لا يحصلون على مقصودهم ومبتغاهم في نهاية الأمر.
7- النتائج العظيمة وقيام الدول يحتاج إلى صبر طويل على المشقات، وتضحيات عظيمة في سبيل ذلك.
إن كنت تتابع المسلسل بهدف دراميّ بحت، فالإيجابيات السابقة تكفي وتزيد لتجعلك متابعاً له، وإن كنت مهتمّا بالأحداث والوقائع من ناحية تاريخيّة، فإليك بعض النقاط المهمة في ذلك:
1- معظم أحداث المسلسل هي كلام سينمائي ليس لها تاريخ في المراجع العربية والتركية.
2- أحداث المسلسل تدور في الفترة الزمنية (617-636هـ) الموافق (1220-1238م).
3- بطل المسلسل "أرطغرل ابن سليمان شاه" وُلد في آسيا الوسطى سنة (587هـ-1191م)، ونزح مع قبيلته إلى حدود بلاد الأناضول سنة (617هـ-1220م).
4- عندما نزحت القبيلة إلى حلب، غرق سليمان شاه في نهر الفرات سنة (628هـ-1230م).
5- تجاهل المسلسل الدول الإسلامية التي كانت قائمة في تلك الفترة التاريخية، وركز على القبيلة والدولة السلجوقية فقط، وأظهر أن هذه القبيلة وحدها هي التي دحرت الصليبيين في الغرب، والمغول في الشرق، وهذا تعصّب وزيف تاريخيّ عظيم.
6- دولة الخلافة العباسية كانت موجودة حينها، لكنها كانت ضعيفة جداً، بحيث تقتصر سيطرتها على بغداد وضواحيها فقط، وتتابع خلال هذه الفترة ثلاثة خلفاء عباسيين هم: الناصر لدين الله، والظاهر، والمستنصر، بينما تجاهلهم المسلسل تماماً، ولم يُشر لهم مع أن الدولة السلجوقية كانت تعترف بهم.
7- الدولة الأيوبية كانت تحكم بلاد الشام ومصر وأخلاط والجزيرة العربية واليمن، بينما تجاهل المسلسل هذه الدولة العظيمة أيضاً، وتجاهل العرب ودورهم بشكل واضح.
8- في هذه الفترة كان للصليبيين حملتين صليبيتين، الحملة الخامسة سنة (615هـ-1218م)، والحملة السادسة سنة (626هـ-1228م)، ومن تصدى لهاتين الحملتين هي الدولة الأيوبية الكبيرة، وليست القبيلة الصغيرة.
9- في المشرق سقطت الدولة الخوارزمية على يد المغول سنة (617هـ-1220م)، ولكن بقي الجهاد قائماً فيها حتى سنة (628هـ-1230م)، بقيادة جلال الدين الخوارزمي، وكان جهادهم في المنطقة التي تتواجد فيها القبيلة.
10- كانت دولة سلاجقة الروم قائمة حينها، وعاصمتها قونيا، وحاكمها السلطان علاء الدين السلجوقي.
11- الامبراطورية البيزنطية كانت تملك حينها شرق أوروبا وغرب تركيا بما فيها القسطنطينية، وكانت هناك إمارات صليبية داخل البلاد الإسلامية، أشهرها عكا وأنطاكيا وبيروت.
12- فرسان المعبد أو الهيكل كانوا موجودين، ووظيفتهم حماية النصارى الذين يحجون إلى بيت المقدس، لكن من طردهم هو صلاح الدين الأيوبي وليس أرطغرل، وهربوا بعدها إلى عكا. (القلعة في المسلسل هي مكان وهمي يشير لوجود فرسان الهيكل فقط، ولم تكن موجودة).
13- أظهر المسلسل إمارة حلب ضعيفة متهالكة، يتحكم بها الصليبيون، وفي الحقيقة كانت إمارة قوية عجز عنها الأرمن والسلطان السلجوقي كيكاوس. وكانت قوية زمن الظاهر غازي ابن صلاح الدين الأيوبي، وفي زمان ابنه العزيز كذلك، بينما أظهر المسلسل العزيز على أنه أضحوكة وألعوبة بيد الصليبيين.
14- أحداث حلب كانت قبل وفاة سليمان شاه، أي قبل سنة (628هـ-1230م)، وولي العزيز حُكم حلب سنة (613هـ-1216م).
15- كان شهاب الدين هو الذي يدبر الحكم في حلب كما ظهر في المسلسل، لكنه لم يكن خال العزيز بل وزير صالح في الدولة فقط، بينما أخوال العزيز هم حكام الدولة الأيوبية، وهم: الكامل، والمعظّم، والأشرف، وجدّه العادل، وهذه أغلوطة تاريخية كبيرة.
16- قاضي حلب هو العالم الجليل، والشريف العادل ابن شداد رحمه الله كما هو معروف في التاريخ الإسلامي، وقد ظهر بالمسلسل بمظهر المُرتشي.
17- القائد المغولي نويان كان مع جيش هولاكو حفيد جنكيز خان عندما دخل بغداد وحرقها سنة (656هـ-1258م)، أي بعد أحداث المسلسل بعشرين سنة.
18- وجود ابن العربي الأندلسي (558-638هـ) الموافق (1162-1240م)، ودوره الروحي في المسلسل فيه مبالغات صوفية كبيرة، وهو مع أنه عاصر أرطغرل (587-679هـ) الموافق (1191-1281م)، إلا أنه لم يلتقي به، وإقامة ابن العربي في المشرق كانت في دمشق، وأرطغرل شمال حلب.
هذا والله أعلم، ونتمنى لكم مشاهدة طيبة.
وسوم: العدد 703