السماء لا تمطر ذهبا
يُحكى في زمنٍ غير بَعيدٍ، أنَّ شابا نظرَ إلى السماء وقد رَمَت الشمسُ بسهامِها الذهبيَّةِ حتَّى دمعت عيناهُ. فقال: سماءُ هذه الأرض ستُمطرُ يوما مَا ذهبًا. الْتفتَ، فإذَا الناس من حَولِه يَضحكُونَ، وقالَ أحدُهم: بلْ ستُمطِر بقًرا لا ذهَبا.
وما أَنِ ارْتدَّ إلى الشاب طرْفُه حتَّى تساقَطَ من السَّماء بقرٌ، فبُهِتَ من هَوْلِ ما رأى حتَّى خَرَّت قوَاه، فقالت امرأة عَجوزٌ كانت منَ الغَابرِينَ، قدْ قالتِ العرَّافةُ : "السَّاسَةُ تختارُهم السَّماءُ"، عرَّافتُنا لهَا نُبوءَاتُ لَا تكذبُ. رَمى الشاب ألواحَه وأقْلامَه وقال: باللهِ علَيْك خُذِينِي إلَيها، لعلَّها تُبَشِّرُنِي بِغَدِي.
هكذا، استَمرَّ الوهمُ الكَاذبُ في عِرقِنَا يتَنَاسلُ، والإِيمانُ بالخُرافَاتِ نَشْربُه أَنْهُرًا.
قالتِ العرّافةُ الساسةُ تختَارُهم السَّماءُ، صَدّقْنَا هَذا الغَباءَ فَمنَحنَاهُمْ أصْواتَنَا وَبقِينَا بِحنَاجِرَ خَرْساءَ، أَجلَسنَاهُم أحْسَنَ الكَرَاسِي، فَصدَّقُوا، ونَسُوا المَاضِيَ حينَ كانُوا وُحوشًا سَائبَةً، تَدُقُّ الأبْوابَ تَبحثُ عنْ وظِيفَةٍ شَاغِرَةٍ، وتَمشِي في الأسْواقِ تُريدُ مَا يمْلأُ البَطْنَ وهِيَ جَائعةٌ.
البَقَرُ سَكنتِ القُصورَ، ودَخلَتْ هَارفِرْد وكَامبرْدج وأُكسفُورد، وعَادَتْ كَفتْنَةٍ بَاقرَةٍ تَدعُ الحَليمَ حَيرْانَ لَا مَفرَّ لهُ إلَّا إِلَى أقْدَامِهَا أوِ القُبورِ.
العَرَّافةُ مَازَالتْ تَقرأُ الفَناجِينَ، وتُقَلِّبُ الأَورَاقَ وتُحَرِّكُ الوَدَعَ، والبِلَّورَةُ السِّحْريةُ أمَامَها. وفِي الجَانِبِ الآخَرِ، لَوحةٌ إِلِكتْرُونِيَّةٌ مُرصَّعةٌ بِالذَّهَبِ الذي لا يَسقطُ مِن السماءِ، لَكنْ يَخرُج منْ جُيوبِ المُغَفَّلِينَ. وبَينَ الفِينَةِ والأُخْرَى تُرَاجعُ مَا قَالَهُ رُوَّادُها عَبْرَ الفِيسْبُوك والتْوِيتِر .. ذَكيَّةٌ جِدًا هَذِه العَجوزُ، تَجمعُ بيْن الأَصالَةِ والمُعَاصَرَةِ.
وفِي غُرْفَةٍ مُظْلمَةٍ يدْخلُ البَقَرُ والثِّيرَانُ وحتَّى الجَوامِيسُ، يَشْتَرُونَ بِالمَلَايِينِ التِي خَرَجَتْ مِنْ جُيوبِنَا ثَمَنَ تَذكِرَةِ طَيَرَانِ، لِتَسْتَقِرَّ بِهم الرِّحْلَةُ فوْقَ السَّحابَةِ الأُولَى حَتَّى تَرْمِيهُم الرِّيحُ فَوقَ رُؤُوسِنَا، وَنُصَدِّقَ دَائِمًا قَوْلَ العَرَّافَةِ :" السَّاسَةُ تَخْتَارُهُم السَّمَاءُ".
وسوم: العدد 823