أيهما أحقُّ بها ؟
قصة من الواقع !
فوجئ أسعد عندما أبلغه الشرطي بضرورة حضوره إلى جلسة في المحكمة محددا له التاريخ و الوقت ؟!
حاول أن يتذكر مشكلة ما مع أحد ، شريكا أو جارا أو مخالفة ؟! فلم يجد شيئا من هذا كله ؟!
فأراح نفسه بعد طول تفكير مقنعا لها بأن الدعوة يمكن أن تكون لشهادة طلبها أحد المتخاصمين ؟ و لكن مكالمة أخيه حامد أقلقته كثيرا ، فقد أخبره أنه سيكون خصمه في هذه الجلسة ؟!دار في ذهن أسعد شريط من الذكريات ، فهو قد اعتنى بشقيقه الأصغر حامد بعد وفاة والدهما ، و كان له أبا بعد أبيه ، و أعطاه حصته من الميراث ، و اختار له الزوجة الصالحة و يعد أبناءه كأبنائه .. يا لها من خيبة أمل ؟! أبعد أن وصل إلى الستين و نال منه المرض ما نال ، يجره أخوه الشقيق إلى المحكمة ؟! أما كان لحامد ما يردعه ؟ أما كان يستطيع أن يوسط أمه العجوز لفض ما بينهما ؟ أما كان يكفيه أن يجعل جارهما أبا فارس حكما يقضي بينهما إذا كان هناك شيء يدعو إلى المخاصمة ؟؟!
تواردت هذه الخواطر و الظنون سريعة ، فأنهاها حامد في ذهن أخيه قائلا : القضية التي تقدمت بها إلى المحكمة تخص والدتك ، و استئثارك بها ، و إصرارك على أن تكون أنت القائم بأمرها و رعايتها ، و قد طالبتك مرارا ألا تحرمني من هذا الشرف ، و لكنك أصررت على أن تستأثر به وحدك ، مع أنك في حال تحتاج فيها إلى من يرعاك ؟! لم يتفاجأ أسعد بأصل القضية و الخلاف فيها مع أخيه ، و لكن تفاجأ بأن يلجأ أخوه حامد إلى القضاء ليفصل فيها !؟
كان القاضي الشيخ نعمان يزداد عجبا و هو يقرأ حيثيات القضية ، لأن أكثر القضايا من هذا النوع تقع بين الإخوة حول عدم الرعاية للأبوين ، أو تخلي أحد الأبناء عنهما ؟! تشوق كثيرا لرؤية هذين الأخوين ، و أمر الكاتب أن يبلغهما بضرورة حضور الأم .
و في اليوم محدد و الوقت المحدد دهش الشيخ نعمان عندما رأى عجوزا جاوزت الثمانين و رجلا في الستين ترك المرض بصماته في وجهه و جسده ، و شابا في الخامسة و الأربعين .
و قبل أن يبت في القضية التفت إلى المرأة و قال : حل القضية بيدك إن شئت ! فأين تحبين أن تبقي ؟ عندك أسعد أم عند حامد ؟
نظرت العجوز إلى ولديها بحنان ، و كل منهما ينتظر أن تختاره ، فقالت : يا شيخ ! أسعد عيني اليمنى ، و حامد عيني اليسرى ، و كلتاهما غالية علي ، و لا أستطيع أن أتخلى عن إحداهما ..
اهتز الأخوان لقول الأم ، و هَمّا أن يقبلا قدميها ، و أكبر القاضي حكمتها . فقال : لا أجد ما أقول بعد سمعت كلامها .. زادكما الله برا بها ، و زادها شكرا لله على أن رزقها ولدين مثلكما ، و لكني أنصح أن تقتسما برها ، و تتراضيا فيما بينكما !
* أصل القصة خبر من إذاعة القرآن الكريم في برنامجها الصباحي ( اللهم بك أصبحنا ) نقلا عن إحدى المحاكم السعودية .
وسوم: العدد 943