لا يستطيع الهواء الفكاك من الوردة! (يوميات من زمن كرونا 2020)
كُورُونا 2020
7
انبثقت عندها موهبة السرقة كمواهب أخرى تفتَّق عنها زمن كورونا!..
عزمت على سرقة لوحة الفنانة التشكيلية (ماري)، الكندية من أصل مغربي، المولودة بمدينة (السويرة)، وقد سبق أن عرضت لوحاتها في معرض جماعي بـ(مونتريال). اندهشت (مَاري) عندما رأتها تُحدِّق في لوحاتها بإعجاب، وهي لوحة زيتية برسمِ وردة شغفت بها حُبًّا. تصغي إليها وهي تهمس بلكنة مدينة (عكا)، وكأنها (محمود درويش) في قصيدة "لاعب النرد":
"في الحديقة وردٌ مشاع،
ولا يستطيع الهواءُ
الفكاكَ من الوردةِ/
انتظريني لئلَّا تفرَّ العنادلُ مِنِّي
فاُخطئ في اللحنِ/"
اقتربت (مَاري) منها وعلمت أنها مغربية، وشى بها سوارُ الذهب الذي يزيِّن معصم يدها اليُمنى البضَّ، ذو الصياغة السويريَّة، نسبة الى مدينة (السويرة)، التي تقع على المحيط الأطلسي بالمغرب، وهي مدينة أغلب سكانها من اليهود، واشتهروا بصناعة أساور الذهب. أخبرتها أنها هي الأخرى مغربية، ترغب في زيارة أرض أجدادها. (ماري) ليست بصديقتها ولا من طائفتها، لكنها تحب أرض أجدادها.. بَكَتْ بجوارها، وهي تردد:
-يا حسرة على زمان مدينتي (السويرة)!
ثمَّ أخذت تسرد عليها أسماء الدروب التي لعبت فوق أديمها وتعفرت بترابها في حي الملاح، وأخبرتها أنها مُقْبِلَة على زيارة ضريح للَّا (سُولِيكا) بمدينة (فاس). استرسلت في الحديث معها:
- إن أول حي سُمِّي بالمَلَّاح يقع في مدينة فاس، نُعِت بهذا الاسم لأنه كان يُجمع فيه المِلْح، لتصديره إلى أوربا. وهو أول حي يهودي في فاس، إبَّان كانت عاصمة المغرب.
تبادلتا أرقام الهواتف.. وعزمتها (ماري) على شرب شاي مغربي بشقتها الجميلة. بصدق لم تتعلق بـ(ماري)، بل تعلقت بلوحة وردة! "ولا يستطيع الهواءُ الفكاكَ من الوردةِ!"..
لم تُحَدِّد مع (ماري) موعدًا؛ لأنها لا ترغب في لقائها.
الفن شأن آخر، ليس من شأنها.
لكن الوردة أرغمتها على دخول شقتها زمن كورونا، ليس لغرض شرب الشاي، لكن لغرض شرب لوحة الوردة!..
على بركة الله!
تقاذفتها أمواج بحر الظلمات القوية. وبقدرة قادر نَجَتْ من الوقوع في غور المحيط.. وفي لمحة برق خاطف يشبه برق (مونتريال) المخيف، باتت بشقة الفنانة (ماري)، التي تطل على نهر (سان لوران).
ظلَّت تتحرك بحذر وسط شقتها، تخاف أن ترشقها حجارةٌ من سِبْطَتها (مِيلَا). تخاف أن تستدعي (ماري) الشرطة فيلقون عليها القبض وينعتونها بـ"سارقة"، ويُثقب جواز سفرها الكندي. بادرت لتلتقط صورة للوحة بهاتفها الجوَّال.. أدخلت يدها في جِيبها.. خرجت فارغة، لم تجد هاتفها الذكي، لقد نسيته بدارها لأول مرة.
تعددت أيام المحاولات للسرقة.. هذا الأسبوع الثالث من شهر رمضان 2020 الذي تزامن مع فيروس كورونا.. تحمد الله أنها لم تتعرض لمكروه. انتزعت اللوحة من الحائط.. انعطفت نحو باب الشقة.. وجدت قنينة المعقم فوق العتبة.. فركت يديها إحدى عشرة دقيقة.. عقَّمت حِذاءَيها.. عجَّلت بالخروج.. وقعت على ركبتها اليسرى.. سال دم غزيز فوق العتبة.. سقطت اللوحة على الأرض.. فُكَ ِبرْوَازها.. انصرفت وتركت اللوحة بباب العتبة. همست:
- لعل السبطة (مِيلَا) هي التي رَشَقَت بِرْوَازَ لوحة (مَاري). حسِبَتْها صَهيونية!
انصرفت وهي تفكر في أمر السرقة، وفي التماثل بين الفعلين: سَقَطَتْ، رَشَقَتْ!
وسوم: العدد 1027