أعيدوا لي بيتي
مرّت على ناظري صورة هزّت كياني ، صورة شخوص آدمية ، عجوزان طاعنان في السّن ، يقفان خلف أسوار بيت ، يمعنان النّظر فيه بحرقة .
يتأملان جدران بيت حوى ذكريات عمر ولّى ، كان البيت عشّا لعصفورين صغيرين ، كان البيت عنوان قصّة جميلة ، حوى وصال عمر نُقشت فبه كلّ صور الأفراح .
في البيت عاش الزّوجان أسعد الأيام ، في كل زاوية منه قصّة مروية ، فيه كبر حلم الزّوجان بأوّل زهرة أنجبت في القصر الصّغير ، كان مصدر سعادة للبيت و الزّوجين ، كان الزّوجان يحلمان أن يوفرا الآمان للوردة الصّغيرة ولكنّ ...
كلّ شيء بات جزءا من الذّاكرة ، فلم يعد البيت مأوى لأهله ، بل أضحى بيتا للغرباء ، يسكنه الذّئاب الآدمية ، بقوّة القهر والظّلم ، وأضحت الذّكريات جزءا من الماضي الحزين ، بعدما رسم الزّمان تجاعيده في وجه عجوزين أنهكهما عبوس الزّمان .
لم تنسي الأيام العجوزان بيت الزّوجية الأوّل، بل ظلا يزوران البيت من فينة لفينة ، حتّى تظلّ الذّاكرة حيّة ، وحتّى لا يموت أمل العودة المعقود ، ليحمله الأباء للأبناء والحفدة أمانة ، أن للبيت روح كانت تسكن فيه آمنة مطمئنة ، تنتظر من يعيد عقد ملكية البيت المسروق لأهله يوما ما .
و تظلّ القصّة تحكي حكاية النّكبة و تحكي حكاية التّهجير ، وتظلّ القصّة تعبر عن فاجعة موت الإنسانية ، التي أضحت لا تبالي أن يشرد شعب أو يقتل أو يباد .
نعم تروي القصّة معاناة شعب كل حلمه أن يعيش في بيته ، في أرضه مثل باقي الشّعوب .
وسوم: العدد 1057