إِيرَادَاتْ..

محسن عبد المعطي عبد ربه

محسن عبد المعطي عبد ربه

[email protected]

أشْعُرُ بِحَالَةٍ مِنَ الْحُزْنْ .

اَلدُّولَارُ يَهْبِطْ .

اِحْتَفَظْتُ بِهِ فَتْرَةً عَلَى أَمَلِ أَنْ يَرْتَفِعْ .

لَكِنَّهُ فِي هُبُوطٍ شِبْهِ دَائِمْ .

أَخَافُ أَنْ يَنْتَكِسَ اَلدُّولَارُ وَأَنْتَكِسَ مَعَهْ .

أُرِيدُ أَنْ أَسْحَبَ مَا تَبَقَّى مَعِي مِنْ دُولَارَاتٍ وَأُحَوِّلَهَا إِلَى الْجُنَيْهِ الْمِصْرِي .

لَعَلَّ هَذِهِ الدُّولَارَاتِ الْمُتَبَقِّيَةَ تُسَاعِدُنِي عَلَى الْحَيَاةِ الصَّعْبَةِ الَّتِي أُحِسُّ بِهَا بَعْدَ عَوْدَتِي مِنْ أُوغَنْدَا .

غَلَاءُ الْأَسْعَارْ .

يَا اللَّهْ!!!

كِيلُو اللَّحْمِ الضَّانِي .

كُنْتُ أَشْتَرِيهِ بِتِسْعَةِ جُنَيْهَاتٍ فِي أُوغَنْدَا .

وَكِيلُو اللَّحْمِ هُنَا فِي مِصْرَ بِسِتِّينَ جُنَيْهاً .

مَا هَذِهِ اللَّارَحْمَةُ وَاللَّاذِمَّةْ؟!!!

أَذْكُرُ أَنَّنِي ذَهَبْتُ إِلَى بَنْكِ الِائْتِمَانِ الزِّرَاعِي .

وَمَعِي دَفْتَرُ نُقُودِي .

كَانَ رَصِيدِي سِتَّةَ جُنَيْهَاتْ .

وَحَصَلْتُ عَلَى جُنَيْهَيْنِ فَائِدَةْ .

فَأَصْبَحَ رَصِيدِي ثَمَانِيَةَ جُنَيْهَاتْ .

وَفِي الْعَامِ التَّالِي أَخَذْتُ دَفْتَرَ تَوْفِيرِي وَذَهَبْتُ إِلَى

الْبَنْكِ .

وَجَدْتُ الْمُوَظَّفَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ الْجَمَالِ وَقَدَّمْتُ لَهَا الدَّفْتَرَ قَائِلاً: لَوْ سَمَحْتِ يَا أَبْلَة مَدِيحَةْ .

سَجِّلِي لِي الْفَوَائِدْ .

أَخَذَتِ الدَّفْتَرْ .

وَعَرَضَتْهُ عَلَى الْكُومْبِيُوتَرْ .

ثُمَّ جَاءَتْ بِالدَّفْتَرْ .

وَأَخَذَتْ تُشَطِّبُ مَا فِيهِ مِنْ بَيَانَاتٍ-قَائِلَةً لِنَفْسِهَا وَلِي أَمَامَ عُمَلَاءِ الْبَنْكِ :

هَلْ هُنَاكَ دَفْتَرٌ رَصِيدُهُ ثَمَانِيَةُ جُنَيْهَاتْ ؟!!!

وَرَمَتِ الدَّفْتَرْ عِنْدَهَا فِي الْبَنْكِ وَلَمْ تُعِدْهُ إِلَيْ .

كَظَمْتُ غِيْظِي .

وَقُلْتُ لَهَا – بِهُدُوءٍ تَامْ - :

لِمَاذَا تَفْعَلِينَ ذَلِكَ يَا سَيِّدَتِي ؟!!!

قَالَتْ: لَقَدْ تَحَوَّلَ الدَّفْتَرُ إِلَى إِيرَادَاتْ.

كَتَمْتُ الْحُزْنَ فِي قَلْبِي .

وَذَهَبْتُ إِلَى بَيْتِي .

فَتَحَوَّلَتْ هَذِهِ السَّيِّدَةُ فِي قَلْبِي وَفِي نَفْسِي إِلَى سَيِّدَةٍ قَبِيحَةْ .

فِعْلاً .

مَا الْجَمَالُ إِلَّا جَمَالُ الْأَخْلَاقْ .

بَعْدَ فَتْرَةٍ قَرَّرْتُ أَلَّا أَتَعَامَلَ مَعَ هَذَا الْبَنْكِ الَّذِي يُضَيِّعُ الْحُقُوقْ .

أَهَكَذَا تَضِيعُ حُقُوقَ النَّاس؟!!!

فِي السَّنَوَاتِ الْمَاضِيَةِ كَانَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَحْدُثَ مَوْقِفٌ مِثْلَ هَذَا .

كَتَمْتُ هَمِّي فِي نَفْسِي .

وَبَعْدَ أَيَّامٍ ذَهَبْتُ إِلَى نَفْسِ الْمُوَظَّفَةِ .

لَوْ سَمَحْتِ يَا مَدَامْ .

أُرِيدُ سَحْبَ جَمِيعِ أَرْصِدَةِ أَوْلَادِي .

فَقَالَتْ:أَنْتَ بِعْتَنَا بِذَلِكْ ؟!!!

لَمْ أَرُدْ .

وَقُلْتُ - لِأَحَدِ الْعُمَلَاءِ الَّذِي كَانَ بِجِوَارِي - : هِيَ الَّتِي بَدَأَتْ .

حَدَثَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْ فَعَلَتْ كَذَا وَ كَذَا..مُتَخَطِّيَةً حُدُودَ الْأَخْلَاقْ

وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَذْهَبُ إِلَى بَنْكٍ آخَرَ مُوَظَّفُوهُ عَلَى خُلُقْ .

خَرَجْتُ مُنْهِياً جَمِيعَ تَعَامُلَاتِي مَعَ هَذَا الْبَنْكِ وَجَمِيعِ مُوَظَّفِيهْ .

يَا اللَّهْ!!!

تَذِكَّرْتُ أَنَّهُ كَانَ لِي دَفْتَرُ تَوْفِيرٍ فِي بَنْكِ الْأَسْكَنْدَرِيَّةْ بِالْجُنَيْهِ الْمِصْرِي رَصِيدِهُ سِتُّونَ جُنَيْهاً وَ دَفْتَرُ آخَرُ بِاَلدُّولَارِ الْأَمْرِيكِي فِي نَفْسِ الْبَنْكِ رَصِيدِهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دُولَاراً .

فَلْأَذْهَبْ إِلَى مَدِينَةِ الْمَحَلَّةِ الْكُبْرَى وَآخُذُ الدَّفْتَرَيْنِ وَأَسْأَلْ:

فَلَرُبَّمَا تَحَوَّلَا إِلَى إِيرَادَاتْ .

ذَهَبْتُ إِلَى الْبَنْكِ .

وَلَمْ أَسْأَلْ مُوَظَّفَ الصَّرْفْ .

بَلْ سَأَلْتُ أَحَدَ مُوَظَّفِي الِاسْتِعْلَامَاتِ الَّذِي كَانَ أَمَامَهُ كُومْبِيُوتَرْ .

فَقُلْتُ لَهْ: مِنْ فَضْلِكْ

أُرِيدُ أَنْ أَعْرِفَ رَصِيدِي فِي هَذَيْنِ الدَّفْتَرَيْنْ .

فَأَخَذَهُمَا وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا قَدِ اسْتُهْلِكَا وَتَحَوَّلَا إِلَى إِيرَادَاتْ .

فَقُلْتُ لَهْ: شُكْراً .

وَخَرَجْتُ مِنَ الْبَنْكِ حَزِيناً أَضَعُ يَدَيَّ بَيْنَ قَلْبِي .

قَائِلاً - فِي نَفْسِي - :

أَخْشَى أَنْ تَتَحَوَّلَ حَيَاتُنَا فِي هَذَا الْبَلَدِ إِلَى إِيرَادَاتْ .