قلب متمرد قانع !

حيدر الحدراوي

[email protected]

عودني هذا القلب , ان لا يهوي الا الاهداف الصعبة , ولا يميل الا للغايات البعيدة , يجعلها كل همه , لكنه بمجرد ان ينالها او يصل اليها , يعزف عنها , ويزهد فيها ! .

لا يعبأ بكثرتهن حوله , كأزهار في حديقة , بألوانهن الزاهية , بعبيرهن الاخاذ , بسيقانهن النحيلة , بقوامهن الرشيق , بميلانهن مع الرياح , باصطفافهن بتناسق جميل , فلا يكترث لجمال هذه الصورة , او يخفق لاجلها , او يطمع ان يختلس النظر اليها , رغم اطماع الاخرين فيها , وتزلفهم منها , كعصافير تتبجح بألوانها , فتنساب برشاقة التحليق حولها , وربما أرتمت فيها وبينها .

ذات مرة , خفق بعزم شديد , عندما رآها , اطربه صوتها , سرته رشاقتها , سحرته انحناءاتها , اخذته التواءاتها , اشجاه ميلانها , فأنتفض صارخا ( هي .. هي ... التي اريدها ) .

اخبرته انها مما لا يمكن , خارج نطاق القدرات , بعيدة المسافات , صعبة المنال , لم يكترث لكلامي , ولم تقنعه اعذاري , فصرخ خافقا ( هي ... هي ... لا غيرها ) ! .

تآمر مع قدماي , لتسيران في دروبها , وتآمر مع عيناي , لتسترقان النظر اليها , فخشيت ان يوقعني في المهالك , بعد ان ظهرت عليه علامات التمرد , التآمر , وربما الخيانة , فعمدت الى توثيق قدماي بالسلاسل , كي لا تتمكنان من طاعته , وعصبت عيناي , كي لا توافقانه في النظر الى ما يريد , فنهض منتفضا , خافقا , محتجا , محاججا , ثائرا , مهددا :

ليس لك ان تحرمني منها ... وان لم تسمح لي بالذهاب اليها ... وتعمل على نوالها ... فسوف اتمرد ... ولا أؤدي دوري ووظيفتي وواجبي كما ينبغي ... فيعتل جسدك ... وتظهر علامات السقم عليك ... فتصبح وتمسي مريضا ... معتلا ... صريعا ! .

فقلت له :

ذلك اهون من ان القى في المهالك ... بسببك ... وبسبب رغباتك ونزواتك ! .

فلم أعبأ لتهديداته , ولم احل وثاق قدماي , ولم ارفع عصابة عيناي , فقال مهددا :

حسنا ... سوف اتوقف عن العمل ... ولن اضخ الدم في جسدك ... وأتركك للموت ! .

لم اظن انه سوف يقوم بذلك , وينفذ تهديداته , فلم اعـره أي اهتمام , لكنه بدأ ينبض ببطء , اكثر واكثر , فانتابني شعور غريب , شعرت اني مفارقا الحياة , وبدأ الدم يتجمد في عروقي , كلما ابطء هو في النبض اكثر , فخشيت ان يغمي عليّ , وخشيت الموت , أنتفضت واسرعت لرفع عصابة عيناي , وحلّ وثاق قدماي , فنبض بشدة , وطاوعته قدماي , بعد ان تمردتا عليّ , واسرعتا جريا لدروبها , خانتني عيناي , وطاوعته , فلم تريا شيئا سواها ! .

كررت مرار محاججتي اياه , فلم يزده الا تمسكا وعنادا واصرارا , اخبرته انها خارج مرمى استطاعتي , بعيدة عن قدرتي ومقدرتي , ابلغته ان كان يريد الجنس الاخر , فهن حوله كثيرات , وصفتهن له بأزهار الحديقة , مختلفات الالوان والاجناس , عبقهن يملأ الافاق , ما عليه الا ان يختار , حسب التمكن والاقتدار , حدق في ورود تلك الحديقة , فلم يرهن سوى رماد , فقال (( هي ... هي ... ان كانت بميعاد او حتى من غير ميعاد )) .

دارت الايام , واختلف معها الحال والاحوال , وأصبحت عشيقته , محبوبته , محطمته في المنال , فقلت له :

هذه هي ... اخيرا صارت لك ... خذها ... أركض اليها ... اغرز عينيك فيها ... ضمها ...  شمها ... متع حواسك في مفاتنها ! .

لكنه اجاب ببرود :

لم اعد ارغب فيها ... لا اشتهيها ! .